خامنئي.. من الصبر الاستراتيجي إلى التراجع التكتيكي

  • 2024/09/15
  • 12:11 م
لمى قنوت

لمى قنوت

لمى قنوت

بعد يومين من مغادرة حاملة الطائرات الأمريكية “يو إس إس ثيودور روزفلت” المنطقة، والتي سبق لها أن تمركزت فيها بعد التهديدات الإيرانية بالرد على اغتيال إسرائيل رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس”، إسماعيل هنية، في طهران، صرح المرشد الإيراني، في 9 من أيلول الحالي، بأنه “لا ضير في التراجع التكتيكي أمام إسرائيل، والتراجع قد يكون في الميدانين العسكري أو السياسي”، وهو مؤشر على صفقة توصل لها الطرفان، الأمريكي والإيراني، تراجعت بموجبها إيران عن الرد، وحتى وإن كان، على الأرجح، سيكون ردًا محدودًا ومُعلنًا عنه قبل الاستهداف، كما حصل بردها السابق في 13 من نيسان الماضي، إثر ضرب قنصليتها في دمشق.

وقد سبق لخامنئي أن مهّد لجواز “التراجع التكتيكي”، في منتصف آب الماضي، حين قال إن “التراجع غير التكتيكي” في أي مجال سواء كان عسكريًا أو إعلاميًا أو في المجال الاقتصادي “يؤدي إلى غضب الله”، وأكد، في الوقت نفسه، أن “التراجع أحيانًا يكون تكتيكيًا، مثل التقدم، ولا ضير فيه”. تتلاقى الرغبة الإيرانية مع السعي الأمريكي لعدم توسيع رقعة الحرب في المنطقة الذي يسعى له نتنياهو بعد 7 من أكتوبر/تشرين الأول، فميزان المصلحة الإيرانية يصب بالدرجة الأولى في التخفيف من حجم العقوبات التي أرهقتها، وترسيخ نفوذها الإقليمي في الدول الممتدة من حدودها حتى حدود فلسطين المحتلة، وبعيدًا عن خطابها الذي يصف ويصنف أمريكا كعدو، فإن أدق تعبير صدر عن مسؤول إيراني حدد خلاف طهران مع أمريكا هو تصريح وزير الخارجية الإيراني بالإنابة، علي باقري كني، خلال مؤتمر صحفي مع مستشار الأمن القومي العراقي في تموز الماضي حيث قال، “خلافات أمريكا مع إيران ترجع للحصة التي خصصتها لنا، نحن لم نقبل بذلك، ونسعى للحصول على حصتنا في المنطقة”.

تحصد إيران سياسيًا وعسكريًا ثمن العمليات التي تشنها أذرعها ضد إسرائيل في كل من لبنان والعراق واليمن وسوريا، وتحت عنوان “التنسيق داخل محور المقاومة”، تُبقي أراضيها بعيدة عن أي صراع عسكري، وفي الوقت الذي اختارت غالبية الأنظمة العربية التطبيع مع إسرائيل، سواء كان مُعلنًا أو في طريقه للإشهار، وتخلت عن دعم الكفاح الفلسطيني ضد الاحتلال، ستحصد إيران أيضًا أوراقًا من عملية 7 من أكتوبر. ولا يتم حصاد المصا[لح الإيرانية إلا في تدميرها لكيانات الدول التي يخضع قرارها السياسي والأمني لنفوذها، وفي حمايتها لرؤساء وميليشيات ومنظومات الفساد، ومحاربتها لثورات وانتفاضات شعوبها، وتحويل أراضيهم لساحات رماية تجرب فيها بعضًا من أسلحتها، كجزء من عملية تطويرها لصناعتها العسكرية التي نجحت في تسويق بعض منها، كتصدير أو نقل صواريخ باليستية لروسيا مؤخرًا.

يحافظ نظام الملالي على مرونة تكتيكية كجزء من استراتيجيته السياسية والعسكرية، لتطوير قدرة بلاده على الردع وتطوير صناعاته العسكرية وبضمنها السلاح النووي، وجواز التعامل مع “العدو” الذي أفتى به خامنئي، صاحب السلطة والكلمة الأخيرة في البلاد، بعد أن سهل صعود الإصلاحي المحافظ، كما وصف نفسه، مسعود بزكشيان، رئيسًا للبلاد، والمدعوم من التيارات الإصلاحية، كمحمد جواد ظريف، مهندس الاتفاق النووي الإيراني، لتحسين العلاقات مع الدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، وإحياء الاتفاق النووي، وامتصاص غضب الإيرانيين، نساء ورجالًا، بعد قمع انتفاضاتهم، سعيًا لحثهم على المشاركة في التصويت.

يضبط المرشد خامنئي صراع القوى داخل إيران، التي كانت السبب في استقالة ظريف بعد ساعات من تقديم الرئيس تشكيلته الحكومية الجديدة إلى البرلمان، وتراجعه عنها بعد 11 يوما فقط من تعيينه نائبًا للرئيس الإيراني للشؤون الإستراتيجية، وقد سبق لظريف أن عبّر عن جزء من هذا الصراع الذي اختبره بنفسه، وذلك بعد تسريب تسجيل صوتي له ضمن مشروع تاريخ شفوي يوثق فترتي تولي الرئيس روحاني، تحدث فيه ظريف عن أن المتشددين لا يثقون به ويريدون القضاء عليه، وهمشوه في عدة مناسبات، وشكا خلال التسجيل مرارًا وتكرارًا من أن “الحرس الثوري” جعل السياسة الخارجية لإيران خاضعة لأجندات قتالهم في المنطقة، وبأن دور قاسم سليماني بالحرب في سوريا توافق مع إرادة بوتين بأن تُكَمل الميليشيات الإيرانية على الأرض عمل القوات الروسية الجوية من أجل حماية النظام السوري.

وفيما يواصل الاحتلال الإسرائيلي إبادته الجماعية في غزة، وعملياته العسكرية في الضفة الغربية من قتل وحصار واقتحامات وتدمير للبينة التحتية، يبدو أن الصفقة الإيرانية- الأمريكية التي أوقفت الرد الإيراني انتقامًا لاغتيال إسماعيل هنية، لا تشمل تصعيد العمليات العسكرية الإسرائيلية في جنوبي لبنان وخاصة بعد ارتفاع وتيرة تهديداتها وزيارة رئيس القيادة المركزية في الجيش الأمريكي، مايكل أريك كوريلا، إلى إسرائيل، وتفقّده “الجبهة الشمالية”، أي لحدود فلسطين المحتلة مع لبنان، بالتوازي مع تصاعد وتيرة الهجمات الإسرائيلية على الأراضي والمنشآت السورية التي تستخدمها وتهيمن عليها الميليشيات الإيرانية، كالهجوم المكثف والواسع على مراكز عسكرية في مصياف، وبضمنها تدمير مركز البحوث العلمية، والطرق المؤدية له، وهو مركز يتم فيه تصنيع صواريخ متوسطة المدى لمصلحة “حزب الله”.

مقالات متعلقة

مقالات الرأي

المزيد من مقالات الرأي