علي درويش | حليم محمد
مقيدًا وجالسًا بطريقة لا تليق برجل خمسيني، وبعيدة عن عادات وتقاليد منطقتي حوران واللجاة ذات الطابع العشائري بالتعامل مع من هم في سنه، ظهر أحمد الحريري جالسًا على أرض منطقة اللجاة البازلتية الصخرية القاسية مطأطئ الرأس، سارحًا في تفكيره عن الجرم الذي ارتكبه ليُخطف من قبل مجموعة مسلحة ملثمة لم تحترم سنه.
الخاطفون برروا فعلتهم بأنها رد على خطف أحد أبناء بدو اللجاة في بلدة إبطع شمالي درعا من قبل مجموعة مسلحة يتزعمها “أبو البراء قطيفان” (نعيم قطيفان) الملقب بـ”حنيش”، وطالبوا بالإفراج عن المختطف.
رامي المفعلاني (17 عامًا) وعبد الله الزعبي (19 عامًا) اختطفا أيضًا في شباط الماضي، وتعرضا للضرب والتعذيب على أيدي الخاطفين الذين أرسلوا تسجيلات مصورة تتضمن تعذيب المختطفين ومناشدات لذويهم للمسارعة بالإفراج عنهم.
وتكررت حالات الخطف في درعا خلال السنوات الماضية، للحصول على المال أو نتيجة خلافات بين مجموعات مسلحة، وكان الخطف المضاد وسيلة رئيسة للإفراج عن المختطفين، إضافة إلى التهديد بالتصعيد العسكري.
وهو ما اتبعته فصائل محلية للضغط على الخاطفين، تزامنًا مع تحركات الوجهاء، ونجحت بالإفراج عن الشابين رامي وعبد الله، إضافة إلى أحمد الحريري وأشخاص آخرين.
الخطف المضاد وسيلة للضغط
معرفة المجموعة الخاطفة، أو من أي منطقة تنحدر، تلعب دورًا في سبيل الضغط للإفراج عن المخطوف، سواء بالتحرك من قبل الوجهاء، أو إقدام أقارب المخطوف على خطف مضاد لمدنيين من أبناء منطقة الخاطفين لا علاقة لهم بأي شيء، وهو ما يزيد الضغط الأهلي على الخاطفين.
بعض حالات الخطف طالت أطفالًا، أبرزهم الطفل فواز القطيفان، الذي أفرج عنه في شباط 2022، بعد دفع 140 ألف دولار كفدية مالية، واستمر خطفه ثلاثة أشهر.
فيما لا تزال الطفلة سلام الخلف (10 سنوات) مختفية منذ عام 2020، رغم عرض مبالغ لمن يعطي أي معلومات عنها.
عضو “مكتب توثيق الشهداء في درعا” عمر الحريري، قال لعنب بلدي، إن الدافع الأساسي للخطف هو الحاجة الاقتصادية، فالوضع الاقتصادي وغلاء المعيشة والبطالة وانتشار المخدرات تدفع العصابات إلى اللجوء للحلول السهلة وهي الخطف والفدية المالية.
وما يعزز عمليات الخطف، بحسب الحريري، غياب العقاب والسلطة الأمنية التي تلاحق المجرمين.
تبرُّؤ من الخاطفين
تتسارع تحركات الوجهاء في مختلف مناطق درعا مع كل عملية خطف، ولها دور أساسي في الضغط على الخاطفين، وأيضًا التبرؤ من قبل الوجهاء من مجموعات الخطف، كون هذه المجموعات من أبناء المحافظة وتنتمي لعشائرها.
تواصلت عنب بلدي مع شخصيتين من وجهاء درعا للاستفسار عن تعاملهم مع مجموعات الخطف، ولو كانوا من أبناء نفس المنطقة أو العشيرة، وأكدا أن الخاطفين لا يمثلون عشائر البدو أو حوران، بل يمثلون أنفسهم، ويجب على المجتمع تعريتهم وعدم إعطاءهم الغطاء العشائري أو المناطقي.
وأشارا إلى أن عصابات الخطف موجودة في منطقة اللجاة بين محافظتي درعا والسويداء، وهي تنسق فيما بينها، وعلى المجتمع نبذ هذه الظاهرة وعدم التعصب أو الحمية، والدفاع عن الخاطفين.
هذه العصابات لا تمتثل لأي رأي، بحسب الوجيهين اللذين تحدثت إليهما عنب بلدي، ويمكن إذا ضُغط عليها أن تقول، “نحن تحت أمركم، لكن في حقيقة الأمر توجد رؤوس كبيرة في هذه العصابات لا تستجيب، وتحتاج إلى إرهابها واعتقالها، وإن أمكن إعادة تأهيلها”.
أفراد هذه العصابات يشاركون بتجارة المخدرات وتعاطيها وترويجها، لذلك فهم دومًا بحاجة للمال، ولا يستطيعون العمل كبقية السكان، لذلك يلجؤون لعمليات الخطف والسلب، بحسب الوجيهين.
عمر الحريري، عضو “مكتب توثيق الشهداء” قال، إن التخلي عن المخطوفين أو التبرؤ منهم موجود في درعا واللجاة، لكن الحلول العقلانية والجهات التي تحل هذه الحوادث قليلة ودورها محدود.
وتذهب الأمور غالبًا “بالطريق الأسوأ”، بحسب الحريري، من خطف إلى خطف مضاد، وبعدها يتحول الموقف إلى “أنتم عندكم سيئون ونحن لدينا سيئون”.
خطر على السلم الأهلي
الخطف والخطف المضاد يأتي في المرحلة الرابعة من الصراعات الخمسة بين المجتمعات، أي في مرحلة “ما قبل الانفجار الكامل”، بحسب الدكتور في علم الاجتماع صفوان قسّام.
وقال قسام، لعنب بلدي، إن الخطف والخطف المضاد يمكن أن يكون معبرًا للوصول إلى الانفجار بين المجتمعات، لذا فهذا المؤشر بالنسبة للعاملين في السلم المجتمعي يشير إلى الوصول لـ”مرحلة الانفجار”، وبالتالي لا بد من تدارك الموضوع.
بالمقابل، دائمًا ما يتذرع الأشخاص الخاطفون أنهم يردون فعلًا على فعل.
ومن الطبيعي، بحسب الباحث الاجتماعي الدكتور طلال مصطفى، أن تزعزع عمليات الخطف أو تزيد وتكثف التوتر وتبادل الاتهامات بين المناطق المختلفة، وبالتالي ينشأ مزيد من الانقسام بين السكان المحليين وبين السكان والفصائل.
وأوضح مصطفى، لعنب بلدي، أن انتشار الخطف يقوّض الشعور بالأمان، وبالتالي يدفع الناس إما للاعتماد على حماية العشيرة أو المنطقة، والبعض يلجأ لأجهزة الأمن.
وهناك حالات خطف تؤدي إلى ردود فعل انتقامية، وهذا يولد دورة من العنف بين المناطق المختلفة، كما يعطل استمرار الخطف الحياة الاجتماعية والطبيعية ويحد من حركة الناس وتفاعلهم، وبالتالي “يزيد من تفتت وتشظي النسيج الاجتماعي والاقتصادي لدرعا بشكل عام”، بحسب الدكتور طلال مصطفى.
وأشار الباحث إلى أن هذه التحديات يمكن مواجهتها بتعزيز الحوار بين مكونات المجتمع في درعا ومعالجة الأسباب وتفويت الفرصة على النظام في استغلال هذه العمليات، بإيجاد حلول محلية مؤقتة وإنشاء آليات تنسيق بين العشائر، حتى الوصول إلى دولة ذات مؤسسات، نتجاوز حينها مكونات ما قبل الدولة كالعائلية والعشائرية.
وحاليًا، “نحن بحاجة للحوار والشفافية، ولمجالس عائلية وعشائرية للتعاون وإيجاد بديل عن مؤسسات النظام”، بحسب قول مصطفى، إضافة إلى ندوات توعوية لمنظمات مجتمع مدني هدفها توعية المجتمع من أخطار ظاهرة الخطف وخطورة التستر على الخاطفين، وتشجيع الناس على اتخاذ مواقف ضد الخاطفين.
أثر نفسي على المخطوفين
تتراوح مدة الخطف بين أيام وعدة أشهر، حتى خروج المخطوفين سواء بفدية مالية أو بعملية خطف مضاد، ويتعرض خلال هذه المدة مخطوفون لتعذيب جسدي وضغط نفسي، خاصة في حال سجنهم بأماكن معزولة بعضها يكون في مزارع أو مغارات وكهوف بحسب طبيعة مكان الاحتجاز.
يؤدي ذلك إلى آثار نفسية سلبية على المخطوف، “لا تتوقف عليه فحسب، بل تؤثر على الأهل والدوائر الاجتماعية المحيطة به، وسيتأثر المخطوف من ناحية علاقاته الاجتماعية والمهنية، ومن ناحية توازنه الاجتماعي”، بحسب تعبير الدكتور صفوان قسام.
وسيشعر المخطوف بضعف الثقة بنفسه، بدرجة أولى، وبمحيطه بدرجة ثانية، وذلك يمكن أن يؤثر على علاقة الشخص بأقرانه خاصة إذا كان المخطوف طفلًا، بينما يمكن أن يتولد عند الأهل خوف على هذا الطفل.
أيضًا من الممكن أن يحدث لدى المخطوف رد فعل عكسي، أو رد فعل عنيف ضد المجتمع.
الدكتور طلال مصطفى، قال إن الآثار على المخطوف يمكن أن تكون إلى حد ما نفس الآثار على المعتقل، ويخلف ذلك لديه شعورًا بفقدان الأمان والعدل، وشعورًا بالضعف والهشاشة.
وعلى الصعيد الشخصي، يمكن أن تتأثر بنيته النفسية وتكثر الكوابيس خلال نومه أو تؤدي إلى أرق أو اكتئاب، أو أن تحدث عملية الخطف اضطرابات نفسية وشخصية ومزيدًا من القلق الخوف وعدم الشعور بالأمان حتى بعد انتهاء الخطف، والخوف من الاختطاف مرة أخرى.
اجتماعيًا، من الممكن أن يحدث الخطف لدى الشخص انطواء وخوفًا من الاختلاط وتقلبات في المزاج، وصعوبة بإقامة علاقات اجتماعية وشخصية، إضافة إلى أعراض جسدية، كالصداع واضطراب بالجهاز الهضمي، يكون منشؤها نفسيًا.
ولمعالجة هذه الآثار، يجب التدخل من منظمات مجتمع مدني توفر الدعم النفسي والاجتماعي للمخطوفين، بما في ذلك العلاج والتأهيل النفسي، بحسب الدكتور طلال مصطفى.