رهاب المدرسة.. من الحالات المستعصية مع بدء الدوام المدرسي

رهاب المدرسة.. من الحالات المستعصية مع بدء الدوام المدرسي
tag icon ع ع ع

د. أكرم خولاني

يواجه بعض طلاب المدارس في الأيام الأولى لبدء العام الدراسي ما يسمى بـ”الرهاب المدرسي”، إذ يرفضون الذهاب إلى المدرسة ويطلبون البقاء في المنزل، وإذا سمح لهم الوالدان بذلك فإنهم عادة ما يبقون بالقرب من الأبوين أو من يقدم الرعاية لهم مثل الجدة، وتعد هذه المشكلة من الحالات المستعصية التي تواجه الآباء والطلاب، وقد تؤثر عليهم نفسيًا وصحيًا بشكل سلبي.

ما المقصود برهاب المدرسة

رهاب المدرسة (School Phobia) ويسمى أيضًا اجتناب المدرسة (School Avoidance) أو رفض المدرسة (School Refusal)، يصنف كاضطراب قلق، ويعرف بأنه خوف وقلق شديدان وغير طبيعيين ينتابان بعض الطلاب من الذهاب إلى المدرسة، وهو مرتبط بمشكلة نفسية تسمى قلق الانفصال عند الأطفال.

يتساوى معدل إصابة كل من الذكور والإناث باضطراب رهاب المدرسة، ويحدث هذا الاضطراب عادة في العمر الذي يبدأ فيه الأطفال بالذهاب إلى المدرسة في المرحلة الابتدائية (بعمر 5-7 سنوات)، ولكن يمكن أن يحدث أيضًا في الأعمار الأكبر سنًا عند الانتقال إلى المرحلة المتوسطة (بعمر 11-14 سنة)، فهذه الأحداث مثيرة لتوتر الطالب وتحفز ظهور أعراض رهاب المدرسة لديه.

كيف يتظاهر رهاب المدرسة

عادة ما يعاني الطفل من اضطراب عاطفي يتجلى بالبكاء والانفعال والقلق المفرط لدى اقتراب موعد الذهاب إلى المدرسة، وقد يشتد هذا الوضع لدى دخوله المدرسة أو غرفة الدراسة ومحاولة الأهل مغادرة المدرسة، وقد يعاني من نوبة من الفزع مصحوبة بفرط التعرق وتسارع دقات القلب، ودوار ودوخة، وغثيان، وتقيؤ، وإسهال، أو كثرة التبول أو الرعشة.

ويمكن ظهور رهاب المدرسة أيضًا على شكل أعراض جسدية عند الطفل، مثل دوار، وصداع، وألم في البطن، وغيرها، تتميز هذه الأعراض بأنها تتحسن وتختفي حين يسمح للطفل بالبقاء في المنزل، ويعود الطفل لنشاطه السابق، وتعود الأعراض إلى الظهور في صباح اليوم التالي قبل الذهاب إلى المدرسة.

وقد يصاحب الحالة الشعور بالتعب الشديد وضعف الطاقة نتيجة للقلق المستمر، وتتسبب في صعوبات في النوم مثل الأرق أو الاستيقاظ المتكرر خلال الليل.

وتختلف الأعراض وشدتها من شخص لآخر، فقد يكون رهاب المدرسة أقل حدة مما سبق فيتظاهر على شكل تجنب الطفل الخضوع لاختبار، أو رفضه تغيير ملابسه للذهاب إلى المدرسة.

ونتيجة لذلك يميل الطفل المصاب برهاب المدرسة إلى التغيب عنها بشكل متكرر ودون أسباب مبررة.

ما الأسباب

تتفاوت الأسباب التي تؤدي إلى ظهور هذا الاضطراب، وتشمل عدة عوامل من بينها:

التجارب السلبية السابقة: قد تكون لدى الطفل تجارب سلبية في المدرسة مثل التنمر أو تسلط الأقران أو وجود معلم مخيف للطالب، مما يؤدي إلى تكوين رابطة سلبية مع بيئة المدرسة.

القلق الاجتماعي: يمكن أن يكون الطفل قلقًا بشأن المواقف الاجتماعية داخل المدرسة كالتفاعل مع الأقران، أو بسبب عدم وجود أصدقاء له، أو أن الطالب يتم إقصاؤه ونبذه، مما يؤدي إلى قلقه من الذهاب إلى المدرسة.

قلق الانفصال: قد يكون الطفل متعلقا بأهله فيقلق من الانفصال عنهم، مما يجعله يشعر بالخوف والقلق عند فكرة الذهاب إلى المدرسة، وبرغب بالبقاء بالقرب من أبويه.

التوتر الأكاديمي: يمكن أن يشعر الطفل بالقلق بشأن أدائه الأكاديمي ومواجهة التحديات في الدراسة، مما يؤدي إلى خوفه من الفشل والانتقادات في المدرسة.

التجارب الجسدية أو العاطفية السلبية: قد تكون لدى الطفل تجارب سلبية سابقة خارج المدرسة مثل التعرض للعنف أو الإهمال، مما يؤثر على ثقته بنفسه ويزيد من خوفه وقلقه من البيئة المدرسية.

هذه بعض الأسباب الشائعة لرهاب المدرسة، وقد يكون لدى كل طفل أسبابه الخاصة التي تؤدي إلى هذا الاضطراب.

كيف نتعامل مع المشكلة

من الجيد ذكره أن هذا النوع من الرهاب قابل للعلاج والشفاء بسهولة إذا ما تم التعامل معه باهتمام ومهنية عالية، وعكس ذلك يؤدي إلى معاناة الطفل من الاكتئاب مستقبلًا.

بداية يُنصح بعدم الخضوع لرغبة الطفل والسماح له بالبقاء في البيت، لكن دون استعمال الشدة والقسوة، لأن ذلك يعوق إمكانية النجاح في التغلب على مشكلة خوف الأطفال من المدرسة، وإذا لزم الأمر من الممكن مرافقة الطفل إلى المدرسة، وحتى البقاء معه لمدة معينة، وتدريجيًا تقليل ساعات البقاء معه، حتى يعتاد الطفل المدرسة والتلاميذ بشكل خاص، والمدرسة بشكل عام.

ويقع على عاتق كل من الأهل والمدرسة الانتباه لكيفية التعامل مع حالة رهاب المدرسة للوصول إلى الشفاء.

يكون دور الأهل عن طريق:

  • التواصل الفعّال: التحدث مع الطفل بشكل مفتوح وداعم والاستماع إلى مخاوفه الفعلية ومخاوفه من الذهاب إلى المدرسة. قد يكون سبب رفض الذهاب إلى المدرسة طالبًا آخر يعرض الطفل للتنمر، أو الخوف من الحافلة، أو مخاوف من عدم القدرة على مواكبة الطلاب الآخرين بسبب صعوبة مادة معينة بالنسبة للطفل.
  • تقديم الدعم العاطفي: إظهار التفهم لمخاوف الطفل وتقديم الدعم العاطفي له وتشجيعه على التغلب على مخاوفه، والتأكيد له أننا هنا لمساعدته في التغلب على رهاب المدرسة.
  • إنشاء بيئة مريحة: تشجيع الطفل على الذهاب إلى المدرسة بشكل منتظم، وتعزيز الشعور بالأمان والثقة داخل المدرسة، وعدم إطالة فترة وداع الطفل حتى لا يزداد تعلقه، والحضور في الوقت تمامًا لأخذ الطفل من المدرسة عند انتهاء الدوام المدرسي، خصوصًا في بداية خطة العلاج، وذلك لتعزيز رابط الثقة والشعور بالأمان لديه.
  • تطبيق تقنيات الاسترخاء: تعليم الطفل تقنيات الاسترخاء والتنفس العميق التي يمكن أن تساعده في التحكم بمشاعر القلق والتوتر.
  • التعاون مع المدرسة: التواصل مع المعلمين والموظفين في المدرسة واستشارة المرشد التربوي فيها بشأن حالة الطفل، ووضع خطة مشتركة بين المدرسة والأهل، لتقليل العوامل السلبية في المدرسة والتي من الممكن أن تعزز السلوك السلبي للطفل.
  • تشجيع الاندماج الاجتماعي: تشجيع الطفل على المشاركة في الأنشطة الاجتماعية داخل وخارج المدرسة لتعزيز الاندماج الاجتماعي وزيادة الثقة بالنفس.
  • المكافأة والتشجيع: تقديم المكافآت والتشجيع عندما يقوم الطفل بالتعامل بشكل فعال مع مخاوفه ويتجاوزها.

أما دور المدرسة فيكون من خلال:

  • توفير بيئة مدرسية آمنة تشعر الطفل بالأمان وتشجعه على القدوم إلى المدرسة.
  • توفير بيئة صفيّة آمنة ومحببة عن طريق منع وجود أي شكل من أشكال العنف بين الطلاب أو من قبل الكادر التدريسي، سواء كان عنفًا لفظيًا أو جسديًا أو حتى السخرية والاستهزاء.
  • وضع قوانين حازمة وواضحة تمنع تعدي الطلاب على بعضهم.
  • تحديد سبب خوف الطالب من المدرسة، والعمل على معالجته.
  • التعامل مع الطفل بمزيد من المودة والاهتمام في الأيام الأولى من المدرسة، وتفهم المعلمين والكادر المدرسي المشاعر التي يشعر بها الطفل مثل الخوف والقلق والإثارة وأخذها بعين الاعتبار، فمثلًا إذا كان الطفل لا يرغب في دخول الفصل الدراسي بالأيام الأولى، فيمكنه الجلوس في غرفة المعلم أو في حديقة المدرسة لفترة معينة.
  • التحبب إلى الطفل والثناء عليه في حال نجاحه بالبقاء في المدرسة.

ما الفرق بين مشكلة رهاب الأطفال من المدرسة والتهرب من المدرسة؟

يمكن أن يتداخل عند الأبوين مفهوم رهاب المدرسة والتهرب من المدرسة، ولكنهما أمران مختلفان تمامًا.

ففي حالة التهرب من المدرسة (الهروب)، يحاول الطفل التغيب عن المدرسة أو الهروب منها دون علم الأبوين، ولذلك فإنه لا يبقى في المنزل خلال ساعات الدوام المدرسي، وهو عكس الرهاب الذي يحاول المصاب به جهده أخذ إذن من الأبوين، وغالبًا ما يبقى في المنزل خلال فترة الدوام المدرسي.

ولا يعاني الطفل المتهرب من المدرسة من الخوف أو التوتر، وإنما هو غير مهتم بالذهاب إلى المدرسة ولا بالتحصيل الدراسي، أما في رهاب المدرسة فيعاني الطفل من القلق وبعض الأعراض الجسدية عندما يذهب إلى المدرسة، وقد يعاني من نوبات الغضب واضطراب المزاج والاكتئاب أحيانًا.

ولا يكون الطفل المتهرب قلقًا بشأن تحصيله الدراسي، بينما يحاول الأطفال الذين يعانون من رهاب المدرسة بجهد كبير الحصول على واجبات المدرسة في المنزل طالما أنه لا يجب عليهم الذهاب إليها.

وعادة ما يرافق سلوك التهرب من المدرسة بعض السلوكيات المؤذية والخاطئة عند الطفل مثل الكذب والسرقة، وغالبًا ما يكون بالشراكة والاتفاق مع الأصدقاء.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة