غزوان قرنفل
لا تزال الدول الأوروبية تتخذ نهجًا تقييديًا متصاعدًا بشأن موضوع اللاجئين، خصوصًا بعد الجرائم المروعة التي ارتكبها بعضهم، والسلوكيات المنفرة التي تصدر عن بعضهم الآخر، وهو نهج بدأ يجد مساحات من القبول لدى القوى والأحزاب غير اليمينية حتى، بالنظر إلى الحوادث والاعتداءات والسلوكيات التي يرونها من كثير من اللاجئين والتي لا تؤشر إلى إمكانية إدماج هؤلاء في البنية المجتمعية الأوروبية.
في ذات السياق، برز مؤخرًا خبر رفض محكمة هولندية منح سيدة سورية حق اللجوء لافتقاد طلبها أي مسوغ لمنحها هذا الحق، خصوصًا أنها كانت تتردد في زيارات عديدة يطول بعضها شهورًا لبلدها سوريا، ولم تواجه أي مخاطر تهدد حياتها أو أمانها الشخصي، وبالتالي لا يوجد أي أساس قانوني لطلبها اللجوء ولا للاستجابة له، وهو قرار محق بكل المعايير.
كما بدأت حكومات أوروبية عدة تتساءل بشأن تلك الزيارات التي يجريها سوريون لبلدهم الأم، سواء ممن حصلوا على الإقامة الأوروبية أو جنسية الدولة التي يقيمون فيها، وبعضهم يبذل آلافًا من الدولارات لدفعها، سواء كبدل خدمة العلم أو لتسوية أوضاعهم الأمنية ليتمكنوا من زيارة بلدهم. وبدأت تلك الحكومات تعيد تقييم الأوضاع في سوريا وعما إذا كانت آمنة بما يكفي لعدم تجديد إقامات اللاجئين أو عدم منحهم اللجوء ابتداء، واتخذت بعض تلك الحكومات إجراءات وبدأت بتشريع قوانين تخولها ذلك.
وفي هذا المقام يمكن أيضًا إثارة تساؤل بشأن المجنسين السوريين في تلك الدول، وعما إذا كان حصولهم على جنسية دولة اللجوء يجيز لهم الحق بزيارة بلدانهم التي لم تتعافَ بعد، ولم يتقرر عالميًا وحقوقيًا على أنها صارت آمنة، وعما اذا كان الحصول على تلك الجنسيات تمنحهم حصانة من المساءلة فيما بتعلق بتلك الزيارات، ذلك أن الجنسية نفسها التي اكتسبها اللاجئ من دولة لجوئه، تأسس اكتسابه لها على وجوده لاجئًا في تلك الدول، وإقامته فيها بتلك الصفة حتى استوفى الشروط القانونية المقررة للتجنيس، وأن وجوده لاجئًا أصلًا كان لأنه هارب من الاضطهاد والقمع وباحث عن ملاذ آمن يحصن له حياته وعيشه الآمن، لكن قيامه، بعد اكتساب جنسية دولة اللجوء، بزيارة بلده الذي لم يكن بالنسبة إليه آمنًا يجعل روايته عن أسباب طلب لجوئه ابتداء رواية كاذبة ومتهافتة، وأنه لم يكن عرضة للاضطهاد، الأمر الذي يقوّض كل ما ساقه من مزاعم لسلطات الهجرة في دولة اللجوء، ويصبح لجوؤه ابتداء باطلًا، واستطرادًا يصبح اكتسابه الجنسية نفسها محل شك.
اللافت والصادم في كل ذلك هو حجم البلادة واللامبالاة التي يبديها اللاجئ بهذا الشأن، فهو يكتفي أنه وصل مقصده ولا يعبأ بشيء بعده، ولا يعنيه ما قد يترتب على سلوكياته ونمط عيشه وتعاطيه مع المجتمعات المضيفة وعدم احترامه لثقافتها وقوانينها من منعكسات، سواء على الاختيارات الانتخابية لمواطني دولة اللجوء، والتي في الغالب ستكون في غير مصلحة اللاجئين عمومًا، أو على ما يمكن أن يرتبه ذلك من تشريعات وقرارات وإجراءات ستلجأ إليها الحكومات المضيفة مضطرة تحت ضغط رأيها العام وناخبيها، وغالبًا ما تكون تلك القرارات والإجراءات في غير مصلحة اللاجئين أنفسهم. بل إن الأثر سيتعدى ذلك ليشمل أولئك الذين يسعون إلى اللجوء في تلك البلدان، لأن حزم القرارات والقوانين ستضيق عليهم فرص الوصول وسبل اللجوء، وأن تلك الزيارات للبلد الأم، والتي غالبًا ما تكون للتباهي لا أكثر، ستجعل دول اللجوء تعيد تقييم موقفها بشأن اعتقادها أن سوريا ليست آمنة بعد، وواقع الأمر أن دولًا أوروبية عدة بدأت بفعل ذلك.
يذكرني هذا الأمر وتلك السلوكيات بما كان يحصل تمامًا في تركيا من قبل بعض اللاجئين السوريين، سواء على مستوى السلوك العام الذي لا يحترم عادات وثقافة المجتمع المضيف، ويتعاطى مع المشكلات التي يتسبب هو بها ضمن رؤية تقول “نحن نعيش هنا بأموالنا”، وكذلك فيما يتعلق بالزيارات المتكررة للبلد الأم واعتبارها حقًا مكتسبًا لهم طالما أن السلطات التركية تتيحها لهم، وما كنا نحذر منه بإلحاح من أن عواقب ذلك لن تكون محمودة، هو ماحصل فعلًا في لحظة تبدل فيه المزاج العام للمجتمع التركي الذي صار يرى باللاجئين عبئًا اقتصاديًا وخدميًا وديموغرافيًا وسلوكيًا على عموم المجتمع، وصار يضغط أكثر باتجاه ترحيلهم، وجميعنا يعلم كم تغير المشهد في تركيا منذ ذلك الوقت. فهل ينتظر السوري في دول لجوئه أحداثًا مماثلة يتعرض لها قبل أن يفكر بتصحيح سلوكه وطريقة تفكيره وعيشه؟ أم أنه سيصر على فردانيته وأنانيته وطيشه وجهله وتخلفه ليتفاجأ بلحظة يرمى فيها خارج حدود موطن لجوئه؟
الدول الأوروبية لا تزال تقيّد نفسها بمجموعة من القوانين والالتزامات المتعلقة بحقوق الإنسان عمومًا، وحقوق اللاجئين على وجه الخصوص كجزء من قيم المجتمعات الأوروبية الحقوقية والإنسانية، لكن على اللاجئين ألا يراهنوا على ذلك كثيرًا، خصوصًا مع زيادة الشطط السلوكي من اللاجئين وارتفاع نسب الجرائم التي يرتكبونها، والعجز عن التكيف مع القوانين والقيم المجتمعية الأوروبية أو احترامها، كل ذلك سيدفع تلك الحكومات لتشريع قوانين تخفف القيود أكثر وتدفعها لتقييد وتصعيب إجراءات اللجوء والحد من تدفق اللاجئين الجدد.
يبدو أنه لا بد حقًا من تشديد إجراءات القبول بل وإعادة التدقيق الأمني ومراجعة جميع ملفات اللاجئين والمجنسين للتثبت من صدق رواياتهم ومن انصياعهم للموجبات القانونية، وذلك ليس فقط من باب الحرص على أمن المجتمعات المضيفة، بل أيضًا هو إقرار بحق تلك المجتمعات في عدم تلوث بيئاتها المجتمعية بقذارات بعض اللاجئين، والحرص على إبقاء التزام تلك الدول بقيمها القانونية والحقوقية والإنسانية المتعلقة بحق اللجوء نفسه قائمًا ومتاحًا لمن هم بحاجة إليه حقًا.