“الغربة”.. السينما كموال حزين

  • 2024/09/15
  • 3:30 م
"الغربة".. السينما كموال حزين

تنتشر في القرى السورية أبيات شعرية غنائية تسمى “العتابا”، عادة ما تتضمن نوعًا من أنواع العتب على الحبيب أو الصديق أو البلاد، كما تنتشر في بلاد الشام (فلسطين ولبنان والأردن) وأجزاء من العراق، ويعدّ من التراث الشعبي الفني في المنطقة.

“العتابا” هي موال غنائي وشعري، لا علاقة له بالسينما، لكن صياغة الحكاية التي يرويها الفيلم من خلال استغلال العناصر الفنية الصانعة له قد تنتج عملًا ما يشعر معه المشاهد أنه أقرب إلى الموال، وعملية خلق هذه الحالة ليست أمرًا سهلًا بطبيعة الحال، وتحتاج إلى فهم عميق لما يطلق عليه اصطلاحًا “لغة السينما”.

مع تطور السينما خلال أكثر من 100 عام، نشأت فلسفة خاصة بها في محاولة لتطوير الأفكار التي يطرحها الكتاب والمخرجون في أعمالهم، خاصة مع تطور تقنياتها، ما أدى إلى ما يُعرف بـ”اللغة السينمائية”، التي يُقصد بها كيفية استغلال المخرج للقطات وأحجامها وعملية المونتاج، بالإضافة إلى باقي العناصر، ليروي حكايته، وبالتالي نشأت نظريات فلسفية منها ما يتعلق بـ”الشعر في السينما” وهي مختلفة عن الأفلام الشاعرية التي يقصد بها الأفلام السينمائية الشاعرية أو الرومانسية.

سمحت هذه التطورات للمخرجين أن يصنعوا أفلامهم بطريقة جديدة ومختلفة، حتى أصبحت بعض الأفلام تروى كمواويل “العتابا” في حكايات أبطالها، خاصة إن كانت موجهة إلى الشريك أو الحبيب، وكذلك الوطن، ويمكن ملاحظة هذا الأمر من خلال فيلم سوري قصير حمل عنوان “غربة“، من بطولة يزن خليل وحلا رجب وجرجس جبارة ومن إخراج ندين تحسين بيك، ونشر عبر منصة “يوتيوب” في عام 2023.

تدور أحداث في قلب العاصمة دمشق، وتحديدًا في منطقة باب شرقي، حول علاقة حب مهددة بالفشل بين شاب وفتاة، بسبب رغبة الأول في السفر.

يفتتح الفيلم مشاهده بلقطات تظهر عمق العلاقة بينهما ومحاولات الاستقرار والبقاء، الكثير من الصور التي تجمعهما، شجرة عيد الميلاد، زينة تشتريها لينا للاحتفال، بينما يبدو الحبيب (لم يذكر اسمه في الفيلم) أقل اهتمامًا ويرغب بالسفر، ما يثير غضب لينا بشكل مستمر.

لا يخلو الفيلم، كحال معظم الأفلام السورية، من حوارات فلسفية، حتى لو لم تكن هناك حاجة لها ضمن السياق الدرامي، الحكاية تناقش بشكل مباشر عوامل الهجرة ومغادرة كل تلك التفاصيل الجميلة التي تعرض ضمن اللقطات، من ألوان وحب ودفء، لكن ذلك لا يعني أن الحياة جميلة في ظل الأوضاع الاقتصادية المتردية وعدم الأمان والخدمة العسكرية الإلزامية ضمن قوات النظام السوري.

يشبه الفيلم، الذي كتب له السيناريو والحوار رامي كوسا، موال عتب لما آلت إليه البلاد التي لطالما دفعت شبابها لمغادرتها، لكن إن كانت الظروف صعبة وتفرض الهجرة قبل 2011، فإن الهجرة باتت واجبًا لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من النفس البشرية، هو موال حزين بصيغة فيلم لطيف، لا يمكن أن يمرّ دون قذيفة هاون، كما هي العادة لا يذكر من أطلقها طالما يصور العمل في مناطق النظام، تؤدي إلى مقتل أحدهم، ما يثير الحزن أكثر وتصبح المغادرة فرضًا.

تعدّ هذه التجربة هي الأولى لندين تحسين بك على الصعيد الإخراجي، وتبدو متمكنة من أدواتها في هذا المجال على صعيد فيلم قصير، كما كان لافتًا في الختام استخدام السخرية من البلاد كلها عبر وضع أغنية “الله محيي شوارعك يا بلادنا المنصورة”، لأن هذه الظروف وهذه النهايات والشكل الحالي للبلاد ربما لا يستحق أكثر من السخرية.

مقالات متعلقة

  1. سينربرنك و"فلسفات السينما الجديدة"   
  2. فيلم "الاعتراف".. أمة عربية واحدة
  3. "سينما الشعر".. تفسير لغة "الفن السابع"
  4. الأفلام السورية القصيرة.. من يستحق لقب مخرج فعلًا؟

أفلام ومسلسلات

المزيد من أفلام ومسلسلات