عنب بلدي – رأس العين
يواجه سكان مدينة رأس العين، شمال غربي الحسكة، تحديات تتعلق بالتكاليف المالية المرتفعة للسفر إلى مدينة الحسكة، شمال شرقي سوريا، سواء لأغراض العلاج أو غيرها، إذ تصل تكلفة الرحلة إلى حوالي 150 دولارًا أمريكيًا للشخص الواحد، وهو مبلغ ليس سهلًا توفيره بالنسبة لكثير من سكان المدينة.
ويعود ارتفاع تكاليف السفر بين المدينة التابعة للحسكة، ومركز المحافظة نفسه، إلى اضطرار السكان لاستخدام طرق التهريب للتنقل بين الضفتين، نتيجة الأوضاع الأمنية والسياسية التي تجعل السفر المباشر بينهما مستبعدًا، ما أدى إلى ظهور وسطاء ومهربين يستغلون حاجة السكان للتنقل، ويفرضون أجورًا باهظة مقابل تأمين العبور.
استغلال لظروف السكان
المهربون والسماسرة والوسطاء، يستغلون بدورهم حاجة الأهالي للوصول إلى الحسكة، لإجراء مراجعات طبية أو أسباب أخرى، في ظل غياب وسائل نقل آمنة و”شرعية”، ما يخلق أعباء مالية على الأهالي في ظل أوضاعهم الاقتصادية المتردية أصلًا.
سامي الجابر، من أهالي رأس العين، ومصاب بالسرطان يبلغ من العمر 55 عامًا، ذكر لعنب بلدي حجم الصعوبات الكبيرة التي يواجهها بسبب تكاليف السفر المرتفعة إلى الحسكة لتلقي العلاج بشكل دوري.
وأوضح الجابر أن كل رحلة ذهاب وعودة من وإلى الحسكة تتطلب 300 دولار، إلى جانب اضطراره لرحلة من هذا النوع كل ثلاثة أشهر، لإجراء الفحوصات الضرورية ومتابعة حالته الصحية، ما يشكل عبئًا ماليًا عليه.
وأشار الرجل إلى أن المهربين يفرضون مبالغ مرتفعة لتأمين العبور، وأن الطريق إلى الحسكة مليء بالمخاطر والصعوبات، بالإضافة إلى وعورته وكثافة الحواجز الأمنية، مشيرًا إلى أن هذه الظروف تجعل رحلة العلاج أكثر صعوبة وإرهاقًا، وتضاعف المعاناة الصحية.
من جهة أخرى، فاطمة الخطيب، وهي طالبة جامعية في سنتها الثالثة، تحدثت عن معوقات السفر لاستكمال دراستها في الحسكة، واضطرارها دفع مبالغ كبيرة، ما ينعكس على قدرتها على تغطية مصاريف دراستها وحياتها اليومية.
الشابة بيّنت أنها لم تتمكن من الانتقال إلى السنة الرابعة بسبب عدم قدرتها على السفر خلال العام الماضي، نتيجة الاشتباكات العسكرية بين “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) و”الجيش الوطني السوري” (يسيطر على المدينة منذ عام 2019)، ما تسبب بإغلاق الطرقات في تلك الفترة.
وتعمّق محاولات السفر العائلي من معاناة أهالي رأس العين، فمنى الكمال، وهي امرأة متزوجة وأم لطفلين، أوضحت لعنب بلدي أن المهربين يطلبون نصف التكلفة المحددة للبالغين، على كل طفل، ما يعني الحاجة لـ600 دولار لتغطية نفقات السفر لزيارة عائلتها برفقة طفليها، وهو مبلغ غير متوفر لديها، ما دفعها لتأجيل فكرة الزيارة.
تشديد أمني يرفع التكاليف
أحد المهربين بين رأس العين والحسكة (تحفظ على عدم ذكر اسمه لمخاوف أمنية)، أوضح لعنب بلدي أن القائمين على عمليات التهريب يواجهون صعوبات في إيصال الأهالي إلى الحسكة عبر الطرق الرئيسة، بسبب الإجراءات الأمنية المشددة من قبل “قسد”.
كما بيّن أن المهربين يضطرون لاستئجار سيارات خاصة أو دراجات نارية لنقل الناس عبر الطرق الترابية، التي عادة ما تكون غير مهيأة، مشيرًا إلى أن أصحاب هذه السيارات والدراجات النارية يطلبون مبالغ كبيرة مقابل تأمين النقل، ما يرفع تكلفة الرحلة بشكل كبير.
وحول تفاصيل عملية النقل المعقدة هذه، أوضح المهرّب أنها تتطلب التواصل مع مهرّب آخر لتنسيق التفاصيل، وضمان الانتقال الآمن بين المنطقتين، وهذا بدوره يتطلب مبالغ كبيرة لتغطية نفقات استئجار وسائل النقل وتكاليف أخرى، وفق قوله.
تقع رأس العين وتل أبيض بمحاذاة الحدود التركية، ويسيطر عليهما “الجيش الوطني السوري” المدعوم من تركيا (يتبع للحكومة السورية المؤقتة)، وتحيط بهما جبهات القتال مع “قسد”، وتعتبر الحدود التركية منفذهما الوحيد نحو الخارج.
وتفرض “قسد” على المواد الغذائية والأدوية والمحروقات إتاوات تصل إلى 50% من قيمة هذه السلع، عند مرورها من المعابر التي تسيطر عليها باتجاه رأس العين، ما يسبب ارتفاعًا بأسعار السلع التي يصل بعضها منتهي الصلاحية، وفق ما رصدته عنب بلدي.