الحسكة – مجد السالم
في بداية كل عام دراسي، يواجه النازحون في مخيم “التوينة” شمالي الحسكة مشكلات متكررة وتحديات رحلة البحث عن تعليم مناسب لأطفالهم، وتأمين مستلزماتهم.
يعاني النازحون في المخيم الذي يضم 16 ألف نازح ظروفًا اقتصادية صعبة، تقف عائقًا أمام تعليم أطفالهم مع وجود ثلاث مدارس فقط، دون حلول جذرية بحسب عمر عليوي (45 عامًا) القاطن فيه.
قال عمر لعنب بلدي، إن الوضع الاقتصادي السيئ للنازحين، وقلة فرص العمل، وضعف الدعم من قبل الجهات المعنية أو المنظمات، تحرم الأطفال من فرص التعليم الجيدة.
لدى عمر طفلان في المرحلة الابتدائية، أحدهما في الصف الرابع والآخر في الصف السادس، ويكلف تجهيز كل واحد منهما نحو مليون ليرة سورية (65 دولارًا أمريكيًا) ثمن لباس وحقيبة وقرطاسية، في حين يعمل عمر في إحدى ورشات البناء خارج المخيم بأجرة يومية تتراوح بين 35 و50 ألف ليرة سورية (4 دولارات).
مع ذلك، يسعى عمر جاهدًا لتعليم أطفاله وتأمين ما يحتاجون إليه، حتى لو تطلب الأمر استدانة المال، ولكن هناك من يعجز عن ذلك فيرسل أبناءه لسوق العمل بدلًا من المدرسة.
مدارس ابتدائية.. محو أمية فقط
بحسب ما علمته عنب بلدي من نازحين في المخيم، فإن هناك ثلاث مدارس، تضم 18 غرفة مسبقة الصنع، مخصصة للمرحلة الابتدائية فقط.
وقالت السيدة أمينة مصطفى (48 عامًا) القاطنة في المخيم، إنها تواجه صعوبة في تأمين مدرسة لابنتها في الصف السابع، إذ لا توجد مدرسة نظامية للمرحلة الإعدادية في المخيم حتى الآن، وكل ما يقدمونه هو ساعتان فقط لطلاب هذه المرحلة، ما يضطرها إلى البحث عن حل لإكمال تعليم ابنتها في مدينة الحسكة.
وأضافت السيدة لعنب بلدي أن مسألة ذهاب الطلاب إلى خارج المخيم بشكل يومي والتوجه إلى مدارس الحسكة أمر مرهق ومكلف جدًا للطلاب ولذويهم، إذ يبعد المخيم نحو 13 كيلومترًا عن المدينة.
هذه الحالة أدت إلى تسرّب مئات الطلاب وعدم إكمال تعليمهم، وهناك شريحة واسعة من الأهالي فقدوا الأمل في مستوى تعليم أعلى لأبنائهم، ويريدون فقط محو أمية أطفالهم وتعليمهم مبادئ الحساب دون أي طموح آخر.
تكاليف النقل وصعوبة الطرقات
تبلغ أجرة “السرفيس” من مدينة الحسكة إلى المخيم 3000 ليرة سورية، أي أن الطالب بحاجة إلى 6000 ليرة يوميًا (ذهابًا وإيابًا) كأجرة طريق عدى عن المصاريف الشخصية، بينما تبلغ أجرة “التاكسي” 100 ألف ليرة سورية (ذهابًا وإيابًا).
ولا تقتصر صعوبة التنقل من وإلى المخيم على الجانب المادي فقط، فهناك صعوبات خصوصًا خلال فصل الشتاء، مثل تردي البنية التحتية من طرقات داخل وخارج المخيم، كما تشكّل برك المياه والطين عائقًا أيضًا، ما يعني تغيّب الطلاب في كثير من أيام الدراسة.
أهالٍ يرفضون مناهج “الإدارة”
تسهم المنظمات “بشكل قليل” في دعم العملية التعليمية داخل المخيم، ويقتصر الأمر على توزيع القرطاسية أحيانًا أو تنفيذ نشاطات ترفيهية.
المشكلة في المخيم أيضًا، هي رغبة النازحين في تعليم أطفالهم بمدارس بعيدة عن فكر وأيديولوجيا “الإدارة الذاتية”، وهناك مئات الحالات التي يمتنع فيها الأهل عن إرسال أطفالهم حتى مع توفر فرصة للتعليم.
أحد الموظفين العاملين في منظمة ناشطة داخل المخيم، قال إن النازحين يدرّسون أطفالهم بالسر “مناهج الحكومة”، لكون “الإدارة الذاتية” تمنع تدريس أو عمل دورات لتلك المناهج داخل المخيم، وأضاف أن من يريد ارتياد أولاده مدارس أخرى عليه الذهاب لخارج المخيم (مسموح خارج المخيم).
نتيجة أعداد الطلاب وقلة المدارس، يصعب تنفيذ يوم دارسي كامل، إذ تقوم مدارس المخيم باعتماد نظام الأفواج، بمعدل ساعتين لكل صف.
من جانب آخر، هناك شكاوى من قاطني المخيم تطول الكادر التعليمي، إذ يشيرون إلى أن المدرسين غير مؤهلين ولا يحملون شهادات جامعية.
عنب بلدي بدورها تواصلت مع لجنة التربية والتعليم في المخيّمات التابعة لـ”الإدارة الذاتية” للاستفسار عن حقيقة وظروف العملية التعليمية والمدارس في المخيم، لكنها لم تتلقَّ أي رد عن استفساراتها.
محمد حاجو، الناطق باسم المجمع التربوي بالمخيمات، ذكر في تصريح سابق لصحيفة “روناهي” التابعة لـ”الإدارة الذاتية”، أن مدارس المخيم الثلاث تضم قرابة 330 طالبًا وطالبة، موزعين على واحدة للمرحلتين الإعدادية والثانوية، فيما خُصصت المدرستان الأخريان لطلاب المرحلة الابتدائية.
وقال إن النظام المتبع في هذه المدارس هو نظام تعدد الأفواج (صباحي ومسائي)، وإن قطاع التعليم في المخيم يعاني الضعف والتجاهل من المنظمات الدولية والجهات المعنية.
يقع مخيم “التوينة” (واشوكاني) على بعد 13 كيلومترًا شمال غربي الحسكة، وتديره “الإدارة الذاتية”، ويضم 16876 شخصًا، موزعين على 2377 عائلة، ينحدر معظمهم من مدينة رأس العين وريفها الجنوبي، وكذلك من بلدة أبو راسين وريفها، وقرى محيط تل تمر الشمالي والشمالي الغربي.