عجز متكرر في التسويق

موسم الحمضيات.. صداع سنوي تواجهه حكومة النظام بالوعود

تجهيز صناديق الحمضيات لتسويقها في صالات السورية للتجارة في اللاذقية- 13 من كانون الثاني 2022 (سانا)

camera iconتجهيز صناديق الحمضيات لتسويقها في صالات السورية للتجارة في اللاذقية- 13 من كانون الثاني 2022 (سانا)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – هاني كرزي

مع بدء موسم الحمضيات كل عام، تدخل حكومة النظام في حالة تخبط حول كيفية تصريف المحصول.

ويتكبد المزارعون خسائر متكررة، دفعت بعضهم للعزوف عن زراعة الحمضيات، بينما يكتفي المسؤولون المعنيون بإطلاق الوعود المتكررة بالعمل على تسويق الحمضيات ومنع خسارة الفلاحين، إلا أن أيًا من تلك الوعود لم تتحقق.

وتكررت ظاهرة تكدّس إنتاج الحمضيات في السنوات الماضية لدى الفلاحين، وتعرضها للتعفن والتلف، لدرجة أن بعضهم اقتلعوا الأشجار وشيدوا مكانها أبنية سكنية، أو استبدلوا بها زراعات أخرى، مثل الأفوكادو والمنغا والموز.

أرقام متضاربة وانخفاض

تضاربت تقديرات مسؤولي النظام حول حجم إنتاج موسم الحمضيات الحالي، وهو ما تزامن مع مخاوف لدى الفلاحين من تكرار سوء تصريف المحصول.

يشير التقدير الأحدث للإنتاج المتوقع من المحصول في اللاذقية لوحدها إلى 840 ألف طن، بحسب مدير زراعة اللاذقية، باسم دوبا، في تصريح لصحيفة “الوطن” المحلية، في 5 من أيلول الحالي.

تصريحات دوبا جاءت بعد يوم واحد فقط من تصريح رئيس مكتب التسويق في الاتحاد العام للفلاحين، أحمد هلال الخلف، لصحيفة “الوطن“، حيث قدّر إنتاج الحمضيات في كامل مناطق سيطرة النظام بحدود 650 ألف طن، بينما كان الإنتاج خلال الموسم الماضي بحدود 850 ألف طن.

في إحصائية ثالثة تحمل تضاربًا آخر مع الأرقام السابقة، قدّر مدير مكتب الحمضيات في وزارة الزراعة، حيدر شاهين، في تصريح لصحيفة “البعث” الحكومية، في 21 من آب الماضي، إنتاج الحمضيات بـ688 ألف طن في جميع مناطق سيطرة النظام، مشيرًا إلى أن 99% من إنتاج موسم الحمضيات يتركز في محافظتي اللاذقية وطرطوس.

حسب التقديرات، تحتل محافظة اللاذقية المرتبة الأولى في الإنتاج بأكثر من 540 ألف طن، تليها محافظة طرطوس بـ147 ألف طن، ومحافظة حمص بـ4340 طنًا، وفق “البعث”.

وبلغت المساحة المزروعة بالمحصول في مناطق سيطرة النظام نحو 40 ألفًا و581 هكتارًا، بعدد أشجار كلي بلغ حوالي 14 مليون شجرة، منها 13.6 مليون شجرة مثمرة في اللاذقية وحدها.

وبرر رئيس مكتب التسويق في الاتحاد العام للفلاحين تراجع الإنتاج بالظروف الجوية السيئة والبرد الذي أثر في الثمرة، بحسب تصريحه لـ”الوطن”.

بدوره ذكر مدير مكتب الحمضيات في وزارة الزراعة، لصحيفة “البعث”، أن الإنتاج انخفض بنحو 18% بسبب الظروف الجوية وموجة الحر التي رافقت فترة الإزهار والعقد المترافقة مع انخفاض مستوى الرطوبة الجوية، إضافة إلى ظاهرة “المعاومة” لدى بعض الأصناف.

ويقصد بـ”المعاومة” اختلاف الإنتاج بين المواسم، إذ يأتي موسم وفير يليه آخر أقل إنتاجية.

التكاليف أكبر من الأسعار

توقع رئيس اتحاد فلاحي اللاذقية، أديب محفوض، في حديث لموقع “أثر برس” المحلي، ألا تتناسب الأسعار مع الارتفاع الكبير في تكاليف الإنتاج، حيث بلغت تكلفة إنتاج الكيلو الواحد من الحمضيات وفقًا لتقديرات المختصين 2500-3000 ليرة سورية.

وبيّن محفوض أن تكاليف الإنتاج ازدادت بشكل كبير على العام الماضي، مدللًا بأن سعر صندوق البلاستيك سعة 7 كيلوغرامات يصل إلى 5 آلاف ليرة، وكيس السماد يتراوح سعره بين 500 و700 ألف ليرة، إضافة إلى ارتفاع أجور النقل والعمال والأدوية، مؤكدًا أن المزارع هو الحلقة الأضعف في عملية الإنتاج الزراعي.

ويتراوح سعر كيلو الليمون الحامض حاليًا في سوق “الهال” بين 1500 و2000 ليرة، وبالتالي بحساب بسيط وجمع تكلفة صندوق التعبئة وأجرة النقل والعمولة، يخرج المزارع من دون أي ربح، وبذلك يكون قد عمل طيلة العام بشكل مجاني.

المحلل الاقتصادي الدكتور فراس شعبو، أوضح لعنب بلدي أن النظام السوري بالأساس ليست لديه القدرة المالية على تأمين الاحتياجات الأساسية للمواطنين، فكيف سيقوم بدعم مزارعي الحمضيات الذين هم ليسوا على قائمة أولوياته.

فشل في التسويق

في نهاية آب الماضي، لقي ملف تسويق الحمضيات جدلًا بين صد ورد خلال اجتماع حكومة النظام لبحث هذا الملف، بحضور وزراء الزراعة والاقتصاد والصناعة والتجارة، الذين اكتفوا بتقديم الوعود بأن يكون موسم الحمضيات أفضل هذا العام.

وذكرت صحيفة “الوطن” أن الاجتماع حمل الكثير من العتب واللوم وتقاذف المسؤوليات بين الجهات ذات الشأن، التي ناشدت أصحاب القرار بإيجاد حلول لمشكلة سوء تصريف الحمضيات، محملة الوزارات المعنية مسؤولية التقصير في إيجاد الحلول.

عضو لجنة تجار ومصدّري الخضراوات والفواكه بدمشق، محمد العقاد، أكد لـ”الوطن” عدم تفاؤله بتحسن تسويق الحمضيات خلال الموسم المقبل كما وعد مسؤولو النظام في اجتماعهم الأخير، لافتًا إلى وجود عوائق في كل موسم لتسويق الحمضيات، وأن كل عام هناك تراجع بالتسويق بدلًا من التقدم.

تعليقًا على ذلك قال الباحث الاقتصادي يونس الكريم، إن الفشل في تصدير الحمضيات مشكلة متكررة يعجز النظام عن حلها لعدة أسباب، أولها ارتفاع سعر الحمضيات المراد تصديرها، نتيجة ارتفاع تكاليف التخزين والتبريد في المستودعات مع غياب الكهرباء، إلى جانب تكاليف النقل الباهظة سواء داخل سوريا أو النقل إلى الوجهة النهائية، بسبب غلاء المحروقات، والإتاوات التي تفرضها حواجز النظام، ما يجعل المستورد يعزف عن الحمضيات السورية، ويلجأ لاستيرادها من بلدان أخرى بأسعار أقل.

وأضاف الكريم لعنب بلدي، أن الانفتاح العربي لم يساعد النظام في تسويق الحمضيات، بسبب السمعة السيئة للحمضيات السورية، نتيجة لجوء النظام إلى استغلال عمليات تصديرها عبر تخزين حبوب “الكبتاجون” داخلها، الأمر الذي يعوق تصديرها ويضع الكثير من الشروط عليها.

من جهته، قال الخبير في الشأن الاقتصادي محمد بكور، إن سياسات البنك المركزي تتسبب في عزوف المصدّرين عن تصدير الحمضيات، إذ يفرض عليهم “المركزي” إعادة 50% من القطع الأجنبي الوارد من تصدير الحمضيات للبنك خلال شهر فقط، ليقوم هو بتصريف المبلغ لهم بالليرة السورية وفق السعر الرسمي.

ويبلغ سعر الصرف المركزي 13600 ليرة سورية للدولار الواحد، في حين يبلغ سعر الصرف في السوق السوداء حوالي 14700 ليرة، ما يعني أن مصدّري الحمضيات يتكبدون خسائر كبيرة، نتيجة الفارق في سعر الصرف.

وأضاف بكور لعنب بلدي أن شاحنات الحمضيات السورية تقف لوقت طويل على المعابر الحدودية، وخاصة في معبر “نصيب” الحدودي مع الأردن، بغية التفتيش الدقيق عن المخدرات، ما يؤثر على جودة الحمضيات.

المؤسسة السورية للتجارة وعدت خلال العام الحالي بتسويق جزء من إنتاج المحصول في محافظة اللاذقية، لكن الكميات التي تم تسويقها خلال العام الماضي كانت خجولة جدًا، ولا تتجاوز 5 آلاف طن، وهو رقم قليل جدًا مقارنة بإنتاج المحافظة الذي تجاوز 600 ألف طن.

لا مصانع عصائر للحمضيات

منذ عام 2015، تكرر الحديث عن إقامة معمل حكومي للعصائر في محافظة اللاذقية، بطاقة سنوية تبلغ 50 ألف طن عصائر حمضيات، لكن المشروع لم يتعدَّ نطاق التصريحات حينها، حتى أعاد إحياءه رجل الأعمال السوري المقرب من النظام سامر فوز، في شباط 2019.

وذكر فوز حينها عبر “إكس”، أنه حصل على رخصة لإنشاء المعمل، بهدف استثمار العمالة الموجودة في المنطقة، وتنسيق الثروات المحلية، ودمجها مع طاقة الأفراد.

ورغم هذه التصريحات، فإن المعمل لم يبصر النور، حتى أوضح وزير الصناعة الأسبق، زياد صباغ، في آب 2021، أنه لا جدوى من إقامة معمل عصائر حكومي، على اعتبار أن أغلبية حمضيات الساحل لا تصلح للعصر بل للمائدة فقط.

رغم الكساد الكبير في الحمضيات وصعوبات تصريفها، قال وزير الصناعة، عبد القادر جوخدار، إن الوزارة تقوم بالتعاون مع الجهات المعنية بتسويق موسم الحمضيات والتنسيق مع القطاع الخاص الذي يعمل على إنتاج العصائر، حيث توجد 7 منشآت صناعية تعمل على إنتاج العصائر الطبيعية وخاصة الحمضيات، خمس منها عاملة قادرة على استجرار 500 ألف طن سنويًا، ومنشأتان تتم دراسة الجدوى الاقتصادية لإضافة خط إنتاج جديد للعصائر فيهما.

لكن مدير الشؤون الفنية في وزارة الصناعة، مهند جركس، أكد لموقع “أثر برس” عدم وجود أي شركة سورية تصنع العصائر الطبيعية، مضيفًا أن الوزارة لا تنشئ معملًا خاسرًا، وشركة العصائر خاسرة كون الحمضيات السورية لا تصلح للعصر.

وحول إمكانية إنشاء معمل للعصائر في سبيل استيعاب الإنتاج، قال فراس شعبو، إن كل ما هو استثماري أو تنموي ليس ضمن أجندات النظام بسبب غياب القدرة المادية من جهة، إضافة إلى عدم توفر بيئة مناسبة تشجع المستثمرين على افتتاح مصانع عصائر لاستيعاب فائض الحمضيات من جهة أخرى، فليس هناك استقرار أمني ولا خدمات ولا بنية تحتية.

وأضاف شعبو أنه حتى لو افترضنا أن مقومات الاستثمار توفرت، فإن المستثمر الراغب بافتتاح مصنع للعصائر سيصطدم بحواجز تنظيمية وقانونية يفرضها النظام تؤخر أو تمنع إقامة مشروع كهذا، إضافة إلى موضوع الابتزاز والرشى التي ستفرضها حواجز النظام على شحنات العصائر التي سيرسلها المستثمر إلى الأسواق.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة