ظهرت خلال الأسابيع الماضية أعراض مرض التهاب الكبد في ريف دير الزور، حيث تسيطر “الإدارة الذاتية”، ما أثار حالة من الخوف بين أهالي المنطقة، وسط تردٍ في الواقع الطبي تعاني منه المنطقة منذ سنوات.
وتركزت العديد من حالات الإصابة بهذا المرض في ريف دير الزور الشرقي، إذ قالت مصادر طبية تنشط في المنطقة لعنب بلدي، إن سبب تلك الحالات تلوث مياه الشرب.
أصيبت نجوى الراوي بنزلة برد قبل حوالي 25 يومًا، وظن ذووها أنها حالة زكام حادة (الكريب)، فتوجهوا إلى إحدى الصيدليات القريبة للحصول على دواء للزكام، لكن ذلك لم ينفع، وفق ما قالته الشابة لعنب بلدي.
وأضافت أن حالتها الصحية ساءت مع مرور الوقت، ما دفع عائلتها لنقلها إلى مستشفى “الشحيل التخصصي”، ونظرًا إلى قلة الأدوية المتوفرة في المستشفى نفسها، نُقلت مجددًا إلى مستشفى خاص بمدينة الرقة.
الشابة قالت إن رحلة علاجها بدأت بعد خضوعها لتحاليل أضهرت أنها مصابة بالتهاب الكبد، وزادت حالتها سوءًا بسبب الأدوية التي حصلت عليها من الصيدلية في البلدة، إذ واظبت على تناول خافضات الحرارة التي أثرت عليها سلبًا، وفق ما أبلغها به أطباء في الرقة.
خضع عبد الرحمن السراي أيضًا للعديد من التحاليل الطبية بعد شعوره بعوارض صحية، لكن نتائج التحليلات كانت سليمة.
بعد أيام ساءت حالته، فدخل مستشفى “جديد بكارة” حيث طُلبت منه تحاليل جديدة، وتبين أنه مصاب بـ”التهاب الكبد”، ومع غياب الحلول في المستشفى الذي نُقل إليه، اضطرت عائلته لنقله إلى دمشق، إثر تدحور صحته، وعدم تجاوبه مع العلاج في المنطقة، وفق ما قاله لعنب بلدي.
عبد الرحمن أضاف أن الأطباء أرجعوا إصابته بالمرض لتلوث مياه الشرب في المنطقة التي يقيم فيها شرقي دير الزور
500 إصابة
حاولت عنب بلدي التواصل مع جهات طبية لدى “الإدارة الذاتية” للحصول على إحصائية لأعداد المصابين، لكنها لم تحصل على إجابة، إذ تطالب “الإدارة” باستخراج رخصة لممارسة العمل الصحفي في مناطق سيطرتها.
طبيب في مستشفى “الشحيل” التخصصي في بلدة الشحيل شرقي دير الزور، طلب عدم ذكر اسمه كونه غير مخول بالحديث للاعلام، قال لعنب بلدي، إن الأمراض الناتجة عن تلوث مياه الشرب، والتعرض المبالغ به لأشعة الشمس، انتشرت مؤخرًا في المنطقة.
وأضاف أن أعراض هاتين الحالتين لا يمكن التكهن بها، وربما تكون خفيفة أو شديدة، وقد تؤدي إلى الوفاة إذا لم يجرِ تداركها بالسرعة المطلوبة، إذ سبق وأدت إلى وفاة سيدة في بلدة الصبحة نتيجة إصابتها بالحمى التيفية الناجمة عن تلوث المياه.
وأشار إلى أن المستشفيات تحتاج إلى توفير الأدوية، لأن المنطقة تعاني من انتشار للأمراض، مشيرًا إلى أن ارتفاع أسعار الأدوية دفع بالكثير من السكان لقصد المستشفيات العامة لعدم القدرة على شراء الأدوية على نفقتهم الخاصة.
وقد تصل تكلفة العلاج للمصاب بالحمى لأكثر من نصف مليون ليرة، وفق ما قاله الطبيب لعنب بلدي.
وأضاف أن مياه الفرات ملوثة نتيجة عدم عوامل، منها مد خطوط تهريب النفط عبر النهر، بالإضافة إلى شبكات الصرف الصحي التي تصب في مجرى النهر وتعطل محطات المياه، إلى جانب الانقطاع المتكرر للمياه الذي يدفع الأهالي لشراء مياه غير نظيفة واستخدامها للشرب.
مصدر مسؤول في لجنة الصحة التابعة “الإدارة الذاتية” بدير الزور، تحفظ على ذكر اسمه كونه غير مخول بالحديث لوسائل الإعلام، قال لعنب بلدي، إن أمراضًا جرثومية انتشرت على نطاق واسع في دير الزور، إذ تجاوزت أعداد المصابين 500 حالة، منذ مطلع آب الماضي.
وأضاف أن اللجنة سجلت حوالي 35 حالة إصابة بالتهاب الكبد، خضعت للعلاج في المستشفيات العامة بدير الزور، وأضاف أن هناك حالات غير مدرجة ضمن الإحصائية، ممن عولجت في المستشفيات الخاصة.
واقع طبي متردٍ
الطبيبان قالا لعنب بلدي، إن القطاع الطبي والخدمي بحاجة للدعم، بهدف محاربة هذه الأمراض والحد من انتشارها.
ويعاني القطاع الطبي في ريف دير الزور الخاضع لسيطرة “الإدارة الذاتية” من نقص في المعدات والكوادر الطبية، إذ تطفو على السطح حالات إصابة بأمراض جرثومية بين الحين والآخر.
وتغيب عن المنطقة العديد من الاختصاصات الطبية، أبرزها العصبية، والجراحات القلبية، كما يعاني الأطباء من تعرضهم لتهديدات بشكل مستمر تدفعهم لمغادرة المنطقة بحثًا عن مكان أكثر أمنًا لمتابعة عملهم.
وكان الطبيب بكر السيد أحبش الذي يعمل في بلدة الصعوة غربي دير الزور، قال في حديث سابق لعنب بلدي، إن إجمالي الأطباء بريف دير الزور العاملين في جميع الاختصاصات بلغ 250 طبيبًا مسجلًا لدى “الإدارة”.
وأوضح أن المنطقة لا تعاني قلة الكوادر والأجهزة فحسب، بل أيضًا نقص الأدوية، إضافة إلى وجود نقص في معدات بعض المختبرات الطبية.