اعتقالات تقيّد العاملين في مهنة المتاعب
إعلاميو ريف حلب يعيشون رعب “حوار كلس”
عنب بلدي – علي درويش
تنتظر شيماء حاج بكري وطفلها ابن الأربع سنوات بفارغ الصبر أي معلومة حول زوجها الإعلامي كرم كلية، بعد نحو شهرين ونصف من اعتقاله.
اعتقل كرم في مدينة اعزاز بريف حلب الشمالي من قبل “الشرطة العسكرية” التابعة لـ”الجيش الوطني السوري” وسُلم للاستخبارات التركية، دون ورود أي معلومات حول وضعه أو سبب اعتقاله.
قالت شيماء، لعنب بلدي، إن المعلومات التي وصلتها منذ لحظة اعتقال زوجها اقتصرت على أنه تعرض لضرب وإساءة وشتائم من قبل عناصر “الشرطة العسكرية”، وبعد 24 ساعة علمت أنه موجود في “حوار كلس”.
وتُعرف “حوار كلس” بأنها غرفة عمليات عسكرية تدير تركيا من خلالها مناطق نفوذها في ريف حلب الشمالي.
الأمر لم يختلف كثيرًا في حادثة اعتقال الصحفي بكر القاسم في مدينة الباب شرقي حلب، في 26 من آب الماضي، الذي اعتقل مع زوجته الإعلامية نبيهة الطه، ثم توجهت “الشرطة العسكرية” إلى منزله وصادرت معداته الصحفية.
“الشرطة العسكرية” أفرجت عن نبيهة بعد ساعات نتيجة الضغط الشعبي، وعن بكر في 2 من أيلول الحالي.
دون سابق إنذار
اعتقل كرم وبكر ونبيهة دون أي إخطار سابق من السلطات المحلية، ودون مذكرة قضائية، أوقفتهم “الشرطة العسكرية” و”اختطفتهم”، بحسب ما وصف إعلاميون في الشمال السوري عملية الاعتقال.
يعمل بكر القاسم صحفيًا مستقلًا وينتج مواد لوكالة “الأناضول” التركية، و”فرانس برس” الفرنسية، كما أن كرم عضو في “تجمع الإعلاميين السوريين” (SMN).
بعد الإفراج عن بكر، قال في تسجيل مصور نشره عبر “فيس بوك“، إنه في أثناء فترة الاعتقال وجهت إليه اتهامات بناء على تقارير “كيدية” من قبل مجهولين، واعتقل نتيجة ذلك.
وخلال فترة الاعتقال لم تثبت صحة أي من هذه الاتهامات، لذلك أطلق سراحه.
تعرض كرم للضرب والإهانة لحظة اعتقاله، وصودرت معداته وسيارته الشخصية، لكن لم تفتش “الشرطة العسكرية” منزله أو تقتحمه.
لم تنجح محاولات البحث أو سؤال “الشرطة العسكرية” عن مصير كرم أو التهم الموجهة إليه أو حتى مكانه بالتحديد، كما لم تحصل زوجته على أي معلومات بعد الإفراج عن بكر الذي قال إنه لم يلتقِ به أو يسمع عنه أي شيء ضمن سجن “حوار كلس”.
صالح كلية، أخ كرم مقيم في تركيا، توجه إلى المعابر الحدودية للسؤال عن كرم، لكنه اعتقل أيضًا، بحسب ما تحدث به محمد كلية أخ كرم عبر “فيس بوك“، وأفرج عنه لاحقًا.
عائلة كرم لا تزال تنتظر إطلاق سراحه، كما تنتظر الإفراج عن والده المغيّب في سجون النظام السوري منذ أكثر من 11 عامًا.
رئيس “الحكومة المؤقتة” صاحبة النفوذ في ريف حلب والمظلة السياسية لـ”الجيش الوطني”، عبد الرحمن مصطفى، رد على سؤال “لجنة حماية الصحفيين“، في 27 من آب الماضي، بأنه لا يعتقد أن احتجاز القاسم مرتبط بعمله الصحفي، ولكن قد يكون مرتبطًا بإجراء جنائي.
وأكد مصطفى أن الأمر إذا كان يتعلق بحرية الصحافة والإعلام، “فسيتم النظر فيه ومعالجته في أقرب وقت ممكن”.
تواصلت عنب بلدي مع “الحكومة المؤقتة” للسؤال عن جهودها بما يخص متابعة موضوع اعتقال الإعلاميين والإفراج عنهم، أو ما إذا كانت لديها معلومات عن كرم، إلا أنها لم تتلقَ رد الحكومة حتى لحظة إعداد التقرير.
مخاوف الإعلاميين تفرمل أداءهم
حوادث الاعتقال وطريقتها أثارت مخاوف لدى الإعلاميين بريف حلب، دفعت بعضهم لتجنب العمل على أنواع محددة من التقارير، وأحيانًا تجنب العمل أصلًا على إعداد التقارير الصحفية واقتصار عملهم على التصوير.
وأكد إعلاميون في ريف حلب تواصلت معهم عنب بلدي وجود مخاوف قبل حادثتي اعتقال كرم وبكر، وبعد اعتقالهما زادت هذه المخاوف، خاصة أن مصير كرم ما زال غامضًا ولا يعرف عنه أي شيء.
“مجد” (اسم مستعار لصحفي في مدينة الباب)، أوضح لعنب بلدي أن المخاوف سابقًا كانت عبارة عن إمكانية تعرض الصحفي لاعتقال من الشرطة المدنية نتيجة سوء تفاهم، دون أن يُخطف ولا يعرف مكانه.
لكن ما حصل مع كرم وبكر عزز مخاوف “مجد” من “الجيش الوطني” و”الشرطة العسكرية” والمخابرات التركية، بحسب حديثه لعنب بلدي.
وتوجد حوادث سابقة أثرت أيضًا بشكل سلبي على “مجد”، منها مقتل ناشطين إعلاميين في مدينة الباب، هما محمد عبد اللطيف، الملقب بـ”أبو غنوم“، في 7 من تشرين الأول 2022، وحسين خطاب في 12 من كانون الأول 2020.
حول “مجد” عمله إلى التصوير فقط، وابتعد عن العمل الصحفي بشكل شبه كامل “لما فيه من مخاطر”، خاصة في منطقة تطبيق القانون فيها ضعيف، لكنه لم يفكر بإنجاز تقارير “لإرضاء الفصائل أو سلطات الأمر الواقع”.
الاعتقال لم يعد مستغربًا بين الإعلاميين لدرجة أنه أصبح يُتداول في أحاديثهم على سبيل النكتة، فمن سيكون التالي بعد كرم وبكر؟ بحسب ما ذكره الإعلامي شريف دملخي لعنب بلدي.
بالنسبة لشريف، لم تؤثر عليه عمليات الاعتقال بشكل كبير، لأنه يحاول قدر الإمكان تجنب التقارير التي من الممكن أن تحدث أي مشكلات مع سلطات الأمر الواقع، وبالذات استطلاعات الرأي المصورة، فهو يبتعد “عن كل شي يسبب له وجع الرأس، فالاعتقال مخيف”، بحسب تعبيره.
ويفتقد الإعلاميون حرية التعبير في المنطقة، بحسب شريف، وهو ما يسبب إحباطًا لهم، خاصة بعد الثورة السورية التي طالبت بالحرية كأحد المطالب الأساسية للسوريين.
محمد هارون إعلامي مقيم في مدينة اعزاز، يرى أن عدم وجود جهة تحمي الصحفيين أحد أسباب هذه المخاوف أيضًا، “لكن كصحفيين عندما فكرنا في العمل بهذه المهنة فنحن مدركون مخاطر العمل فيها وأنها محفوفة بالمخاطر، لكنها أيضًا رسالة لنقل صوت الشعوب ومعاناتهم”، حسب تعبيره.
وقال محمد لعنب بلدي، إن حادثتي الاعتقال لن تؤثر على أدائه الصحفي والمهني، وسيتابع بنفس الوتيرة، فما حدث لا يعني أن “نعدل من مسارنا الصحفي”، وفق محمد.
أين الأجسام الإعلامية
صدرت بيانات من قبل أجسام إعلامية في المنطقة طالبت بالإفراج الفوري عن الصحفيين المعتقلين، كـ”اتحاد الإعلاميين السوريين” و”رابطة الإعلاميين السوريين” و”شبكة الإعلام السورية”.
ونظم إعلاميون في الشمال السوري وقفات احتجاجية تنديدًا بالاعتقال، وطالبوا بالإفراج عن الصحفيين المعتقلين.
كما طالبت مؤسسات صحفية دولية منها “مراسلون بلا حدود” و”لجنة حماية الصحفيين” بالإفراج عن بكر وكرم.
مدير مركز الحريات الصحفية في “رابطة الصحفيين السوريين”، إبراهيم حسين، قال لعنب بلدي، إن الرابطة تتبنى من ضمن أهدافها مسألة حماية الصحفيين والدفاع عنهم في مختلف مناطق السيطرة في سوريا.
وتنجح جهود واتصالات الرابطة أحيانًا وتفشل في أحيان أخرى تبعًا لوجود أشخاص متفهمين في الجهات التي تتواصل معها في شمال غربي سوريا، والمشكلة في هذه المناطق عدم وجود مرجعية واحدة تملك سلطة اتخاذ القرار ومعالجة المشكلات، وفق حسين.
وبالنسبة لاحتجاز بكر القاسم، تعاملت الرابطة مع الحالة وفق منهجيتها بالضغط على قوى الأمر الواقع والسلطات لتغيير نهجها، إضافة إلى حملات المناصرة.
“لم نتمكن من تحقيق نتيجة إيجابية في عمليات التواصل مع قوى الأمر الواقع، وكان من الواضح أن هذه الجهات نفسها لم تكن قادرة على منحنا أي جواب”، أضاف حسين.
دفع ذلك الرابطة للمشاركة في حملات المناصرة مثل بقية التجمعات الإعلامية ومنظمات المجتمع المدني والناشطين، الذين ضغطوا من خلال الاعتصامات في إدلب وعزاز، والحملة الإعلامية المركزة التي نجحت في التأثير الإيجابي.
وأكد إبراهيم حسين أن إطلاق سراح بكر لا يعني أن الرابطة ستقف عند هذا الحد، “بل لا بد من الاستمرار بالمطالبة بكشف الأسباب التي أدت إلى احتجازه تعسفيًا، وعدم عرضه على القضاء”، كما ستطالب بمحاسبة من ارتكب هذا الانتهاك بحقه وبحق زوجته.
وأضاف حسين أن تعامل الرابطة مع حالة كرم كلية لم يكن مختلفًا، والضغط والاتصالات مستمرة للكشف عن مصيره.
تتخذ الرابطة عدة جهود لحماية الصحفيين بداية من توثيق الانتهاكات، وأحد أهدافه الضغط على قوى الأمر الواقع والسلطات لتغيير نهجها في التعامل مع الصحفيين، بحيث يتحول من الاستهداف والتضييق إلى تفهم عمل الصحفي وتقديم يد العون له ليقوم بواجبه المهني.
كما تنظم حملات مناصرة بالتعاون مع مختلف منظمات المجتمع المدني، إضافة إلى إجراء اتصالات بشكل مباشر أو عبر وسطاء مع الجهات النافذة في المناطق التي تحدث فيها الانتهاكات لوقفها، وتدعو لمحاسبة مرتكبي الانتهاكات.
وأشار إبراهيم حسين إلى أن الرابطة لديها معايير في توثيق الانتهاك، أهمها أن يكون الانتهاك قد وقع ضد الصحفي بسبب عمله الإعلامي.
وإن كانت هناك أسباب أخرى تقف وراء الانتهاك “فإننا نمتنع عن توثيقه”، لكن هذا لا يعني توقف الرابطة عن الدفاع عن الإعلاميين بل تبقى تطالب بالتعامل معهم وفق حقوق الإنسان، وأن يكون أي إجراء متخذ بحقهم متوافقًا مع القانون وتحت إشراف السلطة القضائية مع توفير ضمانات الدفاع عنهم.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :