سوريّات في فخ “تطبيقات البث المباشر”

  • 2024/09/07
  • 6:06 م
فتيات سوريات وقعن في فخ "تطبيقات البث المباشر" ليجدن أنفسهن يمارسن شكلاً من أشكال "الدعارة الإلكترونيّة" المُنظّمة. (سيريا انديكيتور/ عنب بلدي)

فتيات سوريات وقعن في فخ "تطبيقات البث المباشر" ليجدن أنفسهن يمارسن شكلاً من أشكال "الدعارة الإلكترونيّة" المُنظّمة. (سيريا انديكيتور/ عنب بلدي)

يستقصي هذا التحقيق تفشي “تطبيقات البث المباشر” داخل سوريا، ووقوع العديد من الفتيات في فخ تلك التطبيقات، ليجدن أنفسهن يمارسن شكلًا من أشكال “الدعارة الإلكترونيّة” المُنظّمة عبر هرميّة تشكل الفتيات فيها الحلقة الأضعف، إذ يُستدرجن، أو يدخلن بأنفسهنّ هذا العالم تحت ضغط التردي الاقتصادي، وفي ظل مغريات عديدة، وترويج غير مباشر لكنّه شديد التأثير بفعل عوامل عديدة، منها حضور فنانين ومشاهير ينشطون في تلك التطبيقات، فضلًا عن حالة من “النجومية” يمكنهن تحقيقها داخل تلك التطبيقات.

أمضى فريق التحقيق في “سيريا انديكيتور/ عنب بلدي” عشرات الساعات بين تطبيقات عديدة، وتحدثوا مع بعض السوريات العاملات فيها، وجمعوا شهادات من ضحايا سابقات وحاليّات، وتواصلوا مع وكلاء، وشركات.

تتأمل ملامحها في مرآة صغيرة، تُطلق تنهيدة طويلة، ثم ترسم ابتسامة على وجهها، تُشغّل مقطعًا موسيقيًا عبر جهاز الكمبيوتر، تُجرب طبقة الصوت الهامسة المليئة بالإيحاءات الجنسية، وبعد أن تطمئن إلى أن “كل شيء على ما يرام” تستقبل واحدًا من “اتصالات العمل”.

تحرص على ألا يتطور الاتصال إلى حدّ يتطلّب خلع شيء من ملابسها هذه المرة، وتعِد المتصل بـ”تعويضه في المرة القادمة”، تكتفي بتبريرٍ فضفاض: “الظرف لا يسمح”، وتحتفظ لنفسها بتفصيل جوهري: هي الآن في دوامها الرسمي داخل إحدى المؤسسات الحكومية، ولا يفصل بينها وبين زميلات وزملاء سوى بابٍ رقيق لا تعرف متى يُفتح.

استخدام “تطبيقات البث المباشر” في أماكن عامة يدل على انتشارها المتسارع في سوريا، مع تورّط أعداد كثيرة من السوريات والتورّط في ممارسة الدعارة الإلكترونية في كثير من الأحيان (سيريا انديكيتور/ عنب بلدي).

ما سبق ليس مقطعًا من فيلم أو مسلسل، بل مشهد واقعي بات يتكرّر، وإن اختلفت تفاصيله، في عديد من الدوائر العامة في سوريا، إذ تُمارس بعض الموظفات “عملًا آخر” عبر تطبيقات الدردشة التي باتت “مصدر رزقٍ حقيقي” فيما راتب الوظيفة بالكاد يكفي أجور المواصلات، ونفقات الحد الأدنى المرتبطة بالوظيفة ذاتها.

يأتي استخدام هذه التطبيقات في أماكن عامة ليقدم أوضح دلالة على حجم انتشارها المتسارع في سوريا، مع تورّط أعداد غير معلومة، لكنها كثيرة من السوريات في العمل داخل تلك التطبيقات، ليصل التورّط إلى حدود ممارسة الدعارة الإلكترونية في كثير من الأحيان.

ظاهرة صاعدة

تعرّفت نهى (33 عامًا) إلى تطبيق “سول شيل” للدردشة الصوتية قبل نحو عامين من خلال زميلاتها في المؤسسة الحكومية، وانخرطت بالعمل فيه عبر إجراء محادثات صوتية مع بعض الغرباء، مقابل عائد مادي “عادي”، لكنه كان مغريًا للاستمرار.

لدى نهى صديقة تعمل في المجال نفسه منذ أكثر من أربع سنوات، شجّعتها مؤكدة أن دخلها الشهري قد يصل إلى مبالغ “ضخمة” إذا تمكنت من استقطاب بعض الشبان، مع “التركيز على دول الخليج العربي”.

وتحت إغراء أنها غير مضطرة إلى إظهار وجهها، أو ذكر اسمها، أو كشف ما يشير إلى شخصيتها الحقيقية، اندفعت نهى إلى العمل، ولا تزال مستمرة حتى اليوم.

تطبيق “سول شيل” واحد من تطبيقات عديدة مشابهة راجت في سوريا منذ العام 2021، وزاد انتشارها بدءًا من 2023، وتحت وطأة التردي الاقتصادي، وقع كثير من السوريات في الفخ، ليجدن أنفسهن يمارسن درجات مختلفة من “الدعارة الإلكترونية”، بين من تكتفي بحدود معينة، ومن تذهب إلى أقصى ما يمكن الوصول إليه افتراضيًا.

أكثر من 100 ساعة، أمضاها معدو التحقيق داخل تطبيقات “بيغو لايف، لايكي، سول شيل، لامور، سولو”وقابلوا سوريات ينشطن فيها (تعبيرية – سيريا انديكيتور/ عنب بلدي).

في الكواليس: مزاح جنسي و”دعارة” افتراضية

أكثر من 100 ساعة، أمضاها معدو التحقيق داخل تطبيقات “بيغو لايف، لايكي، سول شيل، لامور، سولو”، وتمكنوا خلالها من مقابلة بعض السوريات العاملات فيها.

ترى معظم من تحدثنا إليهن أن “مهنتهنّ” تتطلب مزاولتها بعيدًا عن الأنظار، لما تجلبه من وصم اجتماعي.

لهذا تنتظر نهى نوم عائلتها لتبدأ استخدام التطبيق والتحدث ليلًا إلى شبان من جنسيات مختلفة، معظمهم “من دول الخليج العربي، وسوريون لاجئون في دول أوروبية”.

أما نهارًا فتستخدم التطبيق خلال دوامها في المؤسسة الحكومية، من دون مخاوف كبرى، خاصة أن بعض زميلاتها في الوظيفة يعملن في التطبيق نفسه.

وفق نهى، غالبًا ما تبدأ الأحاديث عادية، لكنها سرعان ما تتطور إلى “مزاح ثقيل” (في إشارة إلى تلميحات جنسية)، وفي حال لم تتجاوب ولو بالحد الأدنى مع المزاح فإنها تخسر فرصة الدعم الذي سيرميه “المازح” لاحقًا عبر البث المباشر.

لا يمكن تعميم المخاوف الاجتماعية على جميع العاملات في هذه التطبيقات، إذ رصد فريق “سيريا انديكيتور/ عنب بلدي” العديد من الفتيات في تطبيق “بيغو لايف” على سبيل المثال يعرضن وجوههن في البث المباشر، ويطلبن قدرًا معينًا من “الفاصوليا” لإجراء مكالمة مصورة عبر تطبيق “سنابشات”، عقب انتهاء البث.

بعد العديد من المحاولات المتعثرة لإجراء مقابلة بصفة صحفية مع العاملات في تطبيق “لامور”، قرر فريق التحقيق إجراء اتصال فيديو (داخل التطبيق) مقابل مبلغ مالي، مع فتاة تسمي نفسها “كوكو”، بينما قالت خلال المكالمة إن اسمها مها.

بدت “كوكو” أو مها “محترفة” تراعي تسلسل خطوات أي مكالمة عبر تقنية الفيديو مع الزبائن في هذا التطبيق، ظهرت بكامل زينتها وكأنها ذاهبة لقضاء سهرة خاصة في مكان فاخر.

بدأت “كوكو” العمل في “لامور” منذ شهور، واكتسبت خبرة في التعامل مع “الرجال الباحثين عن قضاء ليلة مسلية”.

تؤكد الشابة أنها لا تحمل أي مشاعر شخصية “للزبائن”، تقول: “هو مجرد اتصال عابر، سينتهي وأبحث عن آخر (…) أنا امرأة متزوجة، ولدي حياتي الخاصة، لن أحمل مشاعر شخصية عبر تطبيق مراسلة”.

ترويج شبكي وانتشار في الجامعات

يجري استدراج الشابات للعمل داخل هذا النوع من التطبيقات بطرق مختلفة، أكثرها شيوعًا مواقع التواصل الاجتماعي، ولا سيما “فيس بوك”، إذ تنشر حسابات يديرها مجهولون إعلانات لفرص عمل “من المنزل بمقابل مادي جيد للفتيات”.

أما الوسيلة التي تبدو شديد الفاعلية فهي تشبه آلية “التسويق الشبكي”، إذ تستقطب فتاةٌ فتاةً أخرى، وهذه بدورها تستقطب واحدة جديدة، وهكذا.

تبلغ كريستينا (اسم مستعار) 21 عامًا من العمر، وهي طالبة جامعية في محافظة حماة، تعرفت إلى تطبيق “لامور” من خلال صديقتها، وهي طالبة جامعية بدورها، تقول كريستينا إنها دخلت عالم “لامور” من دون فكرة واضحة عمّا يدور في كواليسه، وحاولت كسب المال بعيدًا عن الجنس الإلكتروني، لكن عملها لم يتجاوز في التطبيق أسبوعين، وسرعان ما قررت تركه.

لقطة تظهر تطبيق “بيغو لايف” (سيريا انديكيتور/ عنب بلدي).

تؤكد الشابة أن هذه التطبيقات تنتشر “بشكل كبير” بين طالبات الجامعات، وأنها اكتشفت أن إحدى صديقاتها تُساعد في الترويج لـ”لامور” بسبب علاقة تجمعها بأحد الوكلاء الذي صار “خطيبها” لاحقًا، من دون أن يحول بينها وبين ممارسة الدعارة الإلكترونية داخل التطبيق، أو عبر مكالمات خاصة في تطبيقات التواصل المباشر مثل “واتساب” و”ماسنجر” وسواهما.

حاول أحد مُعدي التحقيق التواصل مع تلك الصديقة، زاعمًا أنه يبحث عن عمل في التطبيق عبر خطيبها الوكيل، فطلبت إيداع مبلغ 500 ألف ليرة سورية لدى أحد مكاتب الصرافة في محافظة حماة، في خطوة أولى قبل إجراء أي تواصل.

يُشكل طلب التحويل المالي المباشر إحدى وسائل الكسب “غير الرسمي”، فقد تقرر إحدى المشتغلات داخل التطبيق التواصل مع أحد “الزبائن” عبر وسائل أخرى، وتطلب في هذه الحالة المال بطرق مختلفة.

لقطة تظهر تطبيق “بيغو لايف” (سيريا انديكيتور/ عنب بلدي).

دورة المال

يعتمد “الكسب الرسمي” من التطبيقات على سياسة “التارغت”، فيجب على كل من يعمل في أحد التطبيقات تحقيق رصيد معين من النقاط شهريًا، ليستطيع تسييل رصيده في شكل عملات نقدية.

تختلف تسمية هذه النقاط بين تطبيق وآخر، فمثلًا في “بيغو لايف” تسمى “فاصوليا”، ويكتسبها منشئ المحتوى عبر هدايا يتلقاها من جمهوره، و”داعميه” من خلال خاصية البث المباشر، ويمكن أيضًا تحصيل رصيد من خلال المكالمات التي تُجرى داخل التطبيق.

خلال حديثنا مع “كوكو” قالت إنها لا تمانع خلعَ ملابسها أمام الكاميرا، لكنها لن تفعل ذلك قبل مرور خمس دقائق من بدء المكالمة، لأنها تكسب أموالها عبر قضاء أطول وقت ممكن في اتصال مصور، بالتالي تهدف دائمًا لإطالة مدة الاتصال.

بالطبع يجب على “الزبون” في هذه الحالة الدفع، فلإجراء اتصال داخل التطبيق ينبغي إنفاق رصيد يتناسب مع طول المكالمة.

وبرغم استعدادها للذهاب بعيدًا في تلبية طلبات “الزبون”، تتمسك الشابة بعدم الكشف عن شخصيتها بشكل كامل، فهي تتعامل مع كامل أجزاء جسدها على أنها من أدوات العمل، وينطبق هذا على شفتيها، لكنها ترفض أن تُظهر من وجهها سواهما، كما أنها تعوّل على تقنية الخصوصية التي يوفرها التطبيق، وتمنع التقاط صور من داخل التطبيق نفسه.

ترتبط العاملات في هذه التطبيقات مع الشركة الأم بوكلاء محليين، وهؤلاء هم المسؤولون عن تحديد “التارغت الشهري” لكل عامل/ـة.

في الحالة السورية، ومع قيود وعوائق التحويلات المالية الخارجيّة، يعتبر الوكيل، المقيم خارج سوريا بشكل رئيس، مسؤولًا عن إيصال الأموال لأعضاء “فريقه” داخل سوريا عبر حوالات السوق السوداء، مقابل اقتطاع نسبة مئوية من المبلغ الكامل.

مها قالت إنها تجني مبلغًا يتراوح بين 200 و500 ألف ليرة سورية شهريًا (35 دولارًا بالحد الأقصى)، بينما قالت نهى إنها كانت تجني 30 دولارًا مع بداية عملها في تطبيق “سول شيل”، لكن أرباحها وصلت بعد عامين من العمل إلى 300 دولار شهريًا.

ورغم أن هذه المبالغ تظل زهيدة بحساب الدولار، فإن قيمتها بالليرة السورية تتجاوز متوسط الرواتب بأشواط، في ظل تهاوي قيمة الليرة، إذ يبلغ سعر الدولار الواحد 14700 ليرة سورية، وفق موقع “الليرة اليوم” المتخصص برصد أسعار الصرف وقتَ تحرير هذا التحقيق.

ووفق موقع “Salary Explorer” المتخصص برصد متوسط الدخل الشهري للأفراد حول العالم، فإن متوسط دخل الموظف داخل سوريا يبلغ 149 ألف ليرة سورية (نحو 10 دولارات و15 سنتًا)، ويعتبر الراتب مرتفعًا في حال وصل إلى 663 ألف ليرة (نحو 45 دولارًا) بحسب الموقع نفسه.

اشتراكات تطبيق لامور وتكاليف الشحن⁩ (لقطة شاشة – سيريا انديكيتور/ عنب بلدي)

ما آلية الدعم؟

تعتمد آلية الدعم في التطبيقات على دفع أموال حقيقية مقابل شراء “عملات افتراضية” داخل التطبيق نفسه، يمكن استخدامها لشراء أيقونات تُهدى لمنشئي المحتوى عبر هذه المنصات.

في حالة تطبيق “Bigo live”، يجب على الراغب بدعم منشئ محتوى أن يشتري عملة تعرف باسم “جواهر” (Diamonds)، أصغر باقة منها (عبارة عن 192 جوهرة) ثمنها خمسة دولارات أمريكية، تدفع عن طريق “كريديت كارد”، أو “ماستر كارد” أو “فيزا كارد”.

لقطة تظهر أسعار الجواهر بالليرة التركية (سيريا انديكيتور/ عنب بلدي)

يختلف سعر الباقة، وعدد “الجواهر” فيها تبعًا للبلد الذي يقيم فيه الشاري، وهو ما تُظهره آليات الشراء في التطبيق نفسه، وينطبق على باقي التطبيقات المشابهة أيضًا.

بعد شراء عدد من الجواهر، يمكن التوجه إلى خاصية تقديم الهدايا لشراء أيقونة وإهدائها لمنشئ المحتوى، شرط أن يكون متاحًا على خاصية البث المباشر، وتختلف أسعار هذه الأيقونات متدرجة من “جوهرة” واحدة، وصولًا إلى أبهظها ثمنًا 39999 “جوهرة”، وهي أيقونة على شكل سفينة “تايتانيك”.

صورة من أحد التطبيقات تظهر الهدايا التي يتم شراؤها (سيريا انديكيتور/ عنب بلدي)

الهدية نفسها تُترجم في حساب منشئ المحتوى على شكل “فاصوليا”، وهذه تشكل “تارغت” صاحب الحساب، الذي يختلف باختلاف عمر الحساب، كما تختلف الرواتب الشهرية تبعًا لمكان إقامة منشئ المحتوى.

وبمعزل عن أرقام “الفاصوليا” و”الجواهر”، تفرض الوكالة على منشئ المحتوى أن يفتح بثًا مباشرًا لمدة 30 ساعة شهريًا على الأقل، على ألا يتجاوز البث اليومي ثلاث ساعات، ويُعد هذا شرطًا أساسيًا لتحصيل الراتب الشهري كاملًا، إلى جانب تحقيق “تارغت الفاصوليا” المطلوب شهريًا.

“مبالغ خيالية”

تدور داخل هذه التطبيقات كتل مالية هائلة، ورغم أن المستخدمين يتعاملون معها في صورة أيقونات ورموز، فإن ثمنها في الأصل يُسدد بالدولار الأمريكي.

أحد أهم مصادر هذه العملات هم “الداعمون”، وقد يُنفق واحدهم مبالغ خيالية.

باسل، شاب سوري يقيم في أوروبا، ويدير حسابًا في تطبيق “بيغو لايف” يصنف بأنه من أكبر الحسابات في التطبيق، من حيث الدعم، وتلقي الدعم، أكد لفريق التحقيق، أن السنوات الثلاث الماضية التي تزامنت مع تردي الأوضاع المعيشية في سوريا، زادت إقبال السوريات على هذه التطبيقات.

لا يمكن رصد البثوث المباشرة لتلك الفتيات عند البحث داخل التطبيق في منطقة سوريا، إذ غالبًا ما يستعملن تطبيقات تظهر مواقعهن الجغرافية في دول الخليج، للعثور على “داعمين ثابتين” ينحدرون من تلك الدول.

يشبّه باسل هذه الآلية بـ”التبني”، ويربطها بأمثلة للعديد من الفتيات يعرفهن بشكل جيد في التطبيق، يشرح أن الفتاة تبحث عن شخص غني يستخدم التطبيق يوميًا، ويرسل إليها هدايا تفوق ما يجب عليها جمعه لتحقيق “التارغت” الخاص بها، وفي المقابل ترفض هي التعامل مع شبان آخرين في التطبيق.

غاية “الداعم” ليست واضحة، فهناك من يبحث عن علاقات افتراضية، وهناك من يبحث عن “وجاهة إلكترونية”، بطريقة تُذكر بمن يغدقون الأموال على الراقصات في المرابع الليلية، وقد ينفق “داعم” واحد داخل أحد التطبيقات أكثر من عشرة آلاف دولار خلال ساعات معدودة.

لا يمكن استبعاد احتمال استخدام هذه التطبيقات لتبييض الأموال، أو لسداد ثمن مواد محظورة، عبر هرميّة معينة، غير أن إثبات هذه الفرضية بشكل موثّق ينطوي على تعقيدات كثيرة، يسعى فريق “سيريا انديكيتور/ عنب بلدي” للتدقيق فيها في تحقيق منفصل.

وكلاء “يُشغّلون” الفتيات ويتحكمون بالمال

يشكل الوكلاء حلقة أساسية في دورة المال داخل التطبيق، إذ يحصل هؤلاء من إدارة التطبيق على حقوق تشغيل منشئي المحتوى (وقد يسمون: المذيعين والمذيعات)، ويكونون صلة الوصل بينهم وبين التطبيق.

يحظى الوكيل بنسبة من راتب كل من يعمل في وكالته تتراوح في تطبيق “سول شيل” الصوتي بين 10 و17% تقريباً. (لقطة شاشة – سيريا انديكيتور/ عنب بلدي).

تطلب بعض التطبيقات إيداع مبالغ تأمين قد تصل إلى 20 ألف دولار لكل وكيل، لتضمن ألا يسرق رواتب من يعمل معه، لأنه المسؤول عن تسلم المستحقات، ومن ثم تحويلها إلى أصحابها، خاصة في حالة سوريا.

ويحظى الوكيل بنسبة معينة من راتب كل من يعمل في وكالته، وفي تطبيق “سول شيل” الصوتي، تراوح هذه النسبة بين 10 و17% تقريبًا.

عادة ما توافق التطبيقات على من يتقدم بطلب للعمل بصفة “وكيل”، في حال طبق الشروط المطلوبة، وعلى رأسها ضمان تشغيل عدد معين من منشئي المحتوى (معظم الوكلاء يفضلون النساء)، ودفع مبلغ التأمين.

ويلعب الوكلاء دورًا في تأمين الداعمين للفتيات، لأنه يضمن بالتالي استمرار عمله وربحه، وفي حال “لم يؤمّن العدد الكافي من الداعمين فإن الفتيات يلجأن إلى وكالات أخرى”، وفق نهى.

ممثلون معروفون “على الخط”

بعد محاولات متكررة للتواصل مع وكلاء في تطبيق “Bigo live”، وافق مسؤول واحدة من كبرى الوكالات العربية، وهو سوري الجنسية، على التحدث إلى معدي هذا التحقيق بشرط عدم ذكر اسمه الصريح، أو اسم وكالته، وطلب الإشارة إليه باسم “أبو المجد”.

في الوكالة التي يديرها ينشط العشرات من أصحاب كبرى الحسابات على مستوى سوريا، ومن بينهم فنانون وممثلون سوريون، نتحفظ عن ذكر أمثلة لتجنب كشف هوية الوكالة، أو مديرها.

وتبحث بعض الوجوه السورية المعروفة عن مردود مادي داخل “Bigo”، وهم ممثلون من كلا الجنسين، اعتاد السوريون مشاهدتهم على شاشة التلفاز في الأعمال الدرامية، ويظهرون في الكثير من الأحيان في تحديات بينهم، يفوز منهم من يحصل أكبر قدر من الدعم.

الممثل السوري يزن السيد، سبق وقال في برنامج “في فخ“، إنه تقاضى خلال شهر واحد ما يعادل 200 مليون ليرة سورية من نشاطه على “Bigo Live”.

ظهور الفنانين على هذه التطبيقات لاقى انتقادات، خاصة أنه لا ضوابط في البثوث المباشرة، خصوصًا فيما يتعلق بالكلام والتصرفات أو اختيار المشاركين، كما هو الحال في الأعمال الدرامية.

ويظهر في بثوث “Bigo” ممثلون مشهورون منهم ديمة بياعة، ليليا الأطرش، سوسن ميخائيل، يزن السيد، وليد حصوة، جيني إسبر، عبير شمس الدين، ليث المفتي، جيهان عبد العظيم، رنا الأبيض، وغيرهم.

ينحدر “أبو المجد” من ريف حلب، ويقيم في تركيا. قال لفريق التحقيق إنه يدير هذه الوكالة منذ سنوات. يصف نفسه بـ”صلة الربط بين الشركة والمذيع أو منشئ المحتوى”، إذ تبدأ هرمية العمل من مقر شركة “Bigo live” في سنغافورة، وتعتمد على الوكلاء لتحويل الأموال إلى منشئي المحتوى، وفق كلامه.

يتطلب عمل الوكيل مجموعة من الشروط بحسب “أبو المجد”، أولها أن يكون مقيمًا خارج سوريا، بسبب عدم وجود بنوك سورية تسهّل التعاملات المالية، وأن يملك حساباً تجاريًا لتسلم الأموال بالدولار الأمريكي حصرًا.

لا تهتم الشركة بالطريقة التي قد تصل عبرها الأموال لمنشئ/ـة المحتوى عبر الوكيل، ما يهمها هو أن تصل هذه الأموال، ولو اقتطعت منها أجور التحويل، وحتى لو جرى تحويلها عبر السوق السوداء، كما يحصل في حالة سوريا.

هرميّة وتوزيع مسؤوليات

يُفصّل “أبو المجد” في شرح هرمية عمل التطبيق، ويشير إلى أن الوكيل يحتاج إلى مجموعة من “الأدمنز” (قد يُسمون المديرين، أو المشرفين) للإشراف على محتوى “المذيعين” أو الأفراد المنتسبين للوكالة التي يديرها، وتضم “أكثر من 3000 عضو”، فمع كثرة المنتسبين يغدو من الصعب عليه تنسيق العمل بمفرده، بالتالي يحتاج إلى مساعدين، وهم “الأدمنز”.

يتلقى “الأدمن” راتبًا شهريًا (يختلف بين وكالة وأخرى)، لقاء جهده في التواصل مع المذيعين والمذيعات، وتنسيق العمل مع “الوكالة”، والإشراف على المحتوى، ويهتم بشكل خاص بـ”التحديات”، وعمليات تبادل الدعم بين المذيعين.

التحدي عبارة عن بث مباشر يتنافس خلاله مذيعان أو أكثر، ويفوز الطرف القادر على تحصيل أكبر قدر ممكن من الدعم أو الهدايا ضمن مدة البث المحددة سلفًا، يُصدر الفائز “حكمًا” ويلتزم الخاسر بتنفيذه على الهواء، وحين تكون الخاسرة فتاة فكثيرًا ما يتضمن تنفيذ الأحكام إيحاءات جنسية، أو حركات “إغراء” من قبيل: “طفي الضو واشلحي”، “ادلقي ماء على جسمك وارقصي”، انبطحي على الأرض ومصي إصبعك”…

أما “تبادل الدعم” فهو إقراض بعض أفراد الوكالة لبعضهم الآخر عددًا من “الفاصوليا” بغرض إكمال “التارغت” الشهري.

سوريا ليست “وحيدة”

من خلال الرصد الذي أجراه فريق “سيريا انديكيتور/ عنب بلدي” داخل التطبيقات بعد الاشتراك فيها، وتجريب مزاياها، ومتابعة الفتيات وبثوثهن، والتواصل مع بعضهن، بدا جليًا أن استخدام قسم من “المذيعات” لها بغرض ممارسة “الدعارة الإلكترونية” لا يقتصر على سوريا، بل يروج في دول عربية عديدة، أبرزها مصر، ولبنان، والعراق، ودول أخرى مثل تركيا، وروسيا، وأوروبا، ودول أمريكا اللاتينية وغيرها.

ينقسم “الزبائن” ومستخدمو التطبيقات الذكور إلى أنواع أيضًا، ويتقاسمون مجموعة واسعة من الغايات، بدءًا بالحصول على “خدمات جنسية افتراضية”، مرورًا بمن يبحثون عن التسلية وملء الوقت فقط، ولا يتطرقون إلى أي أحاديث جنسية، ولا يميل هذا النوع من مرتادي التطبيقات إلى صرف أموال فيها، ووصولًا حتى إلى من يزعمون البحث عن “عرائس”، ومن يتصيّدون فتيات لـ”استثمارهنّ” لاحقًا في ممارسة الدعارة الواقعيّة.

يتنوع “الزبائن” من مستخدمي التطبيقات الذكور بين من يبحث عن “خدمات جنسية افتراضية” أو التسلية وملء الوقت فقط. (تعبيرية – سيريا انديكيتور/ عنب بلدي)

من “بيغو لايف” إلى استغلال جنسي واقعي

تعرفت نور (اسم مستعار لسيدة مطلقة عمرها 27 عامًا) إلى “خطيبها” السابق عبر تطبيق “بيغو لايف” قبل عامين.

بدأت علاقتهما باتصال داخل التطبيق لم يتضمن سوى “أحاديث عامة، ونكات لطيفة”، تلته بضعة اتصالات سارت وفق روتين متكرر: غزل، ومزاح، وتلميحات، ثم تصريح برغبته في ممارسة الجنس معها، ولكنه كان يتقصّد إنهاء الاتصال دائمًا قبل أن تخلع كامل ملابسها مختلقًا أعذارًا مختلفة.

قرر أخيرًا “مصارحتها” بأنه يشعر تجاهها بـ”عاطفة حقيقية”، وهذا يجعله مترددًا في دفعها إلى خلع ملابسها أمام الكاميرا.

نجحت تلك الطريقة في استمالتها، خاصة أنها كانت قد بدأت تشعر نحوه بشيء من “الألفة والإعجاب”.

انتقل التواصل إلى مستوى جديد من الغزل العاطفي بعدما أعطته رقم هاتفها وراح يراسلها عبر تطبيق “واتساب”، وبعد بضعة أسابيع اتفقا أن يلتقيا واقعيًا.

في اليوم المحدد جاء الشاب إلى دمشق (حيث تقيم) قادمًا من بيروت كما كانت تظن (اكتشفت لاحقًا أنه كاذب، وكل ما يجمعه بلبنان زيارات بين وقت وآخر، ورقم هاتف كان يستخدمه للتواصل معها).

التقيا في شقة قال إنها لصديقه، وأمضيا بضع ساعات مارسا الجنس خلالها. تكررت بضعة لقاءات مشابهة، تركت العمل في التطبيق وأغلقت حسابها، بعدما أقنعها بأنه سيتقدم لخطبتها رسميًا من أهلها الذين يسكنون إحدى قرى ريف حماة.

تقع فتيات ينشطن في البث على التطبيقات ضحية عنف جنسي نتيجة علاقات مع ذكر باحثين عن الجنس. (تعبيرية – سيريا انديكيتور/ عنب بلدي)

“تغير كل شيء” حين فوجئت في إحدى المرات بوجود شاب آخر معه قال إنه صديقه صاحب الشقة، وسيتناول العشاء معهما ثم يغادر، لكن الأمور تطورت لاحقًا لتجد نفسها في أحضان الصديق تحت تأثير الكحول والحشيش.

إثر تلك الواقعة غرقت نور في دوامة بضعة أسابيع، مارست الجنس خلالها مع عدد من “أصدقائه” بعدما كشف عن وجه آخر وهدّد بفضحها.

لا تعرف نور إن كان “القدر قد أنقذها”، كل ما تعرفه أن الشاب انقطع فجأة عن التواصل معها قبل نهاية العام الماضي، رغم أنها كانت قد وافقت على أن يسافرا معًا إلى بيروت لقضاء “سهرة راس سنة من العمر”.

تقول إنها حاولت التواصل معه مرارًا لكن جميع أرقامه كانت “خارج الخدمة”، قبل أن تقرر بدورها تغيير رقم هاتفها، ومكان سكنها، وتقرر مواصلة حياتها “بالطريقة التي تعجبها”.

القانون السوري لا يجرّم “الدعارة الإلكترونية”

لم تجرم القوانين السورية “الدعارة الإلكترونية” بشكل مباشر، وفق ما يؤكده المحامي والمحقق الدولي أنور المحيميد.

وبرغم إصدار القانون رقم 20 للعام 2022 القاضي بـ”إعادة تنظيم القواعد القانونية الجزائية للجريمة المعلوماتية” التي تضمنها المرسوم التشريعي 17 للعام 2012، فقد كان “الهدف المباشر للقانون تكريس قمع حرية التعبير وملاحقة المعارضين والمنتقدين لسلطة النظام السوري، وليس تطوير التشريعات لمجاراة التطور المتسارع في عالم الإنترنت”، كما يرى المحيميد.

ومع وجود مراكز الشركات المالكة لهذه التطبيقات في دول أجنبية، يغدو من الصعب ملاحقتها حتى ولو توفرت النيات، ومن جهة أخرى قد لا تكون هذه الشركات مخالفة لقوانين الدول التي أُنشئت فيها، وبالتالي من شبه المستحيل أن تلاحق قضائيًا، على أن هذا الأمر لا يشمل “الوكلاء” والمروجين على سبيل المثال.

كذلك، يوضح المحيميد أن أي محاولة للملاحقة قانونياً قد تضع “الدعارة الإلكترونية” في خانة “الجرائم المخلة بالأخلاق والآداب العامة”، ولكن العملية ستصطدم بأن “الأركان الجرمية غير مكتملة، خاصة أن الجرائم التي ينص عليها قانون العقوبات مرتبطة بالفعل المادي المباشر على جسم الغير، الأمر الذي يستحيل هنا مع وجود كل طرف في مكان مختلف”.

بدورها، تؤكد القاضية السورية السابقة، شذى كيلو لـ”سيريا انديكيتور/ عنب بلدي” عدم وجود نص يجرّم “الدعارة الإلكترونية” في القانون السوري، بل يعتمد القضاة على اجتهادات خلال التعامل مع هذا النوع من القضايا.

كيلو، التي كانت سابقًا “قاضية نيابة عامّة” وتقيم حاليًا في فرنسا، تشرح أن المتهم بقضية ذات صلة بمثل هذا الشأن غالبًا ما تُطبق عليه المواد المتعلقة بـ”التعرض للآداب والأخلاق العامة”.

تنصّ المادة 517 من قانون العقوبات السوري للعام 1949، المعدّل بالمرسوم التشريعي رقم 1 للعام 2011، على أنه “يعاقب على التعرض للآداب العامة بإحدى الوسائل المذكورة في الفقرة الأولى من المادة 208 بالحبس من ثلاثة أشهر إلى ثلاث سنوات”. أما المادة 518 من القانون نفسه فتنص على أنه “يعاقب على التعرض للأخلاق العامة بإحدى الوسائل المذكورة في الفقرتين الثانية والثالثة من المادة 208 بالحبس من ثلاثة أشهر إلى ثلاث سنوات وبالغرامة من 30 ليرة إلى 300 ليرة”.

وتختص المادة 208 بشرح وسائل “العلنيّة”، فتحددها بـ:

1 ـ الأعمال والحركات إذا حصلت في محل عام أو مكان مباح للجمهور أو معرض للأنظار، أو شاهدها بسبب خطأ الفاعل من لا دخل له بالفعل.

2 ـ الكلام أو الصراخ سواء جُهر بهما أو نُقلا بالوسائل الآلية بحيث يسمعهما في كلتا الحالين من لا دخل له بالفعل.

3 ـ الكتابة والرسوم والصور اليدوية والشمسية والأفلام والشارات والتصاوير على اختلافها إذا عرضت في محل عام أو مكان مباح للجمهور أو معرض للأنظار أو بيعت أو عرضت للبيع أو وزعت على شخص أو أكثر.

لم يُقدم القانون تعريفًا للآداب، أو الأخلاق العامة، وتُرك تقدير الأفعال التي تنتهكها لاجتهادات القضاء. فيما تعتبر محكمة النقض السورية أن “جريمتي المساس بالآداب العامة، والمساس بالأخلاق العامة، تجمعهما فكرة واحدة هي: حماية الشعور العام من أن يتأذى من الجرأة على القواعد والآداب والفضائل التي تعارف الناس على احترامها”، لكن واحدتهما تمتاز عن الأخرى من حيث وسائل العلنية، فـ”إذا كانت الوسائل بالأعمال والحركات كانت الجريمة من نوع التعرض للآداب العامة، وإذا كانت بالكلام والصراخ أو بوسائل التعبير الأخرى من كتابة ورسم وما شابه ذلك كانت الجريمة من نوع التعرض للأخلاق العامة”، وفق ما يشرحه موقع “الموسوعة القانونية المتخصصة“، المتخصص بالقانون السوري.

تحويل “ضحايا” إلى “مجرمات”

تخضع اتهامات الدعارة في سوريا إلى “محددات وشروط لا بدّ من وجودها لوصف الجرم أو تحديده”، وفق ما يشرحه المحامي السوري حسان الشحف لـ”سيريا انديكيتور/ عنب بلدي”.

يوضح الشحف أن “الخدمات الجنسية الإلكترونية” لا تصنّف “دعارة”، إذ يُعد التماس بين الأطراف ضروريًا لتوجيه تهمة ممارسة الدعارة.

يُمكن تصنيف الترويج لخدمات جنسية عبر منصات البث المباشر، ثم تقديم هذه الخدمات سرًا بعد تبادل الأرقام مثلًا على أنه “اتجار بالبشر”، بحسب ما يشرح الشحف.

غير أن هذا التصنيف لا يُطبق دائمًا، إذ وصلت قضايا من هذا النوع إلى القضاء السوري، وأفضت إلى اتهام نساء متورطات فيها بـ”الإخلال بالآداب العامة”، كما وجهت اتهامات إلى أخريات بممارسة الدعارة عبر الإنترنت.

ليس الاختلاف تصنيفيًا شكليًا هنا، بل ينطوي على نقلِ النساء اللواتي جرى استدراجهن أو إغراؤهن للعمل في تلك التطبيقات من خانة الضحايا في حال تطبيق قانون مكافحة الاتجار بالبشر، إلى خانة “المجرمات” في حال تطبيق قانون العقوبات.

ينص “قانون مكافحة الاتجار بالبشر” في المادة الرابعة من الفصل الثالث على أنه “يعد اتجارًا بالأشخاص، استدراج أشخاص، أو نقلهم، أو اختطافهم، أو ترحيلهم، أو إيواؤهم، أو استقبالهم، لاستخدامهم في أعمال أو لغايات غير مشروعة، مقابل كسب مادي أو معنوي، أو وعد به، أو بمنح مزايا، أو سعيًا لتحقيق أي من ذلك أو غيره”، كما ينص بوضوح على “عدم الاعتداد بموافقة الضحية” في جميع الحالات.

محتوى فاضح يخالف “اتفاقية المستخدم”

في البند السادس من اتفاقية المستخدم المنشورة على الموقع الرسمي لتطبيق “Bigo live” منعت الشركة المالكة للتطبيق (مقرها سنغافورة) التورط في المواد الإباحية وعرض “الأجزاء الحساسة من الجسم” بأي شكل من الأشكال.

لم يحدد البند طبيعة “الأجزاء الحساسة” باعتبارها تتفاوت بين ثقافة وأخرى، وبلد وآخر، فيما رصد فريق “سيريا انديكيتور/ عنب بلدي” عبر التطبيق محتوى قائمًا على استعراض أجزاء من الجسد بغرض الحصول على دعم مالي.

من بين الحسابات التي وثقنا نشاطها في هذا السياق حسابٌ لفتاة باسم مستعار (نتحفظ عليه لتحاشي الترويج له) يقوم محتواها بالكامل على استعراض الجزء السفلي من جسدها من منطقة الفخذين حتى أخمص القدمين، وتطلب دعمًا بعملة البرنامج (فاصوليا أو بينز)، مقابل قضاء “سهرة” مع صاحب أكبر دعم.

ويتسابق المتفرجون على المحتوى لتقديم الدعم، طمعًا بـ”السهرة” التي تعد بها صاحبة الحساب، وهي فتاة سورية مجهولة الهوية، لم يظهر وجهها إطلاقًا خلال البث المباشر، أو حتى عبر خاصية التسجيلات المصورة التي تنشرها في الحساب.

يُظهر الموقع الجغرافي للحساب أن مديرته تقيم في سوريا، دون تحديد المحافظة على وجه الخصوص، وهو ما يعزز صحّته سوء شبكة الإنترنت خلال البث المباشر الذي يتقطع، وتتفاوت جودته، بين حين وآخر.

كذلك، وثّق فريقنا تسجيلات مصورة لبعض منشئات المحتوى عبر خاصية “فيديو” التي تشبه خاصية “ريلز” في تطبيق “إنستجرام”، معظمها ذو طابع إباحي يقوم على إظهار أجزاء من الجسد، أو استخدام أدوات عشوائية للإيحاءات الجنسية، وهو ما يخرق البند السابع من قوانين الاستخدام في التطبيق نفسه.

وفي البند الأول من فقرة “المخالفات العامة” حَظَر تطبيق “Bego Live” التدخين، لكن تدخين السيجارة أو النرجيلة منتشر بين منشئي ومنشئات المحتوى، بحسب ما وثقه فريق التحقيقات بالصوت والصورة.

الخوارزميات “تحب” التعري

“ثمة تغيرات كبيرة في معايير التعري ضمن التطبيقات على وسائل التواصل الاجتماعي بشكل عام، وليس فقط في التطبيقات التي يتناولها هذا التحقيق”، وفق ما يراه عبيدة أبو قويدر، وهو خبير أردني في تكنولوجيا وأمن المعلومات.

أبو قويدر قال لـ”سيريا انديكيتور/ عنب بلدي“، إن مفهوم التعري اختلف اليوم عن السابق، فالظهور أمام الكاميرا بملابس فاضحة لم يعد مرتبطًا بالتعري، وقد تكون مقدمة المحتوى “موديل” وتعرض ملابس سباحة، لذا لا يمكن تصنيف ما تقدمه تحت خانة التعري أو حجبه لأنه يشكل انتهاكًا للمعايير.

يشير أبو قويدر إلى دور الخوارزميات في ترويج المحتوى الذي يجذب أكبر عدد من المستخدمين النشطين، إذ يشكل الاحتفاظ بهم فرصة للربح المادي عن طريق الإعلانات، ويشكل التعري حجر زاوية هنا.

يؤكد الخبير في أمن المعلومات أن حجب المحتوى الفاضح من المنصات سهل جدًا إذا رغب القائمون عليها، فـ “المنصات نفسها تحجب جزءًا من المحتوى المتعلق بفلسطين وسوريا مثلًا، بناء على التوجه السياسي، بالتالي هي قادرة على حجب أي محتوى آخر لا ترغب به”.

كيف ردت “Bigo live”

من بين الشركات الواردة أسماؤها في التحقيق، أجابت شركة “JOYY Inc” المالكة لـ”Bigo live” عن أسئلة طرحها فريق التحقيق حول جدية ضبط المحتوى عبر منصتها، والرقابة المفروضة على المحتوى الجنسي، أو المحتوى المصور القائم على العري.

وقالت الشركة، إن نظامها الأساسي “يأخذ أي ادعاءات بشأن محتوى أو سلوك غير لائق على محمل الجد”، وإنها تولي سلامة ورفاهية مستخدميها أهمية قصوى وخاصة “الفئات الضعيفة مثل القاصرين”.

وأضافت أنها برغم “شروط الاستخدام الصارمة التي تحظر مثل هذه الأنشطة”، تدرك وجود حالات “لانخراط أفراد في سلوك محظور”، ولمكافحة ذلك، تنظم الشركة ما سمّته “عملية إشراف على المحتوى متعددة الخطوات على مدار 24 ساعة طوال أيام الأسبوع”.

تشرح إدارة الشركة في ردّها على أسئلة “سيريا انديكيتور/ عنب بلدي” أن عملية الإشراف مصممة لتحديد المحتوى العام غير المناسب باستخدام “مزيج من تكنولوجيا إدارة الذكاء الاصطناعي المتطورة”، ومن فحص المحتوى “بواسطة فريق مكون من 6000 مشرف على مستوى العالم لتحديد المشكلات المتعلقة بالانتهاكات وتصحيحها بسرعة”.

يُمثل تحديد عمر المستخدم “تحديات تقنية” وفق “Bigo live”، ويوفر التطبيق للمستخدم الجديد إمكانية تحديد عمره عند إنشاء الحساب، ويعتمد أيضًا “أساليب تحليل المحتوى وتحليل اللغة أو العبارة التي يستخدمها الأشخاص”.

رد شركة “JOYY Inc” المالكة لـ”Bigo live” عن أسئلة طرحها فريق التحقيق حول جدية ضبط المحتوى عبر منصتها، والرقابة المفروضة على المحتوى الجنسي. (سيريا انديكيتور/ عنب بلدي)

 

الشركة غير صادقة

تتنافى تأكيدات شركة “JOYY Inc” المالكة لـ”Bigo live” مع حقيقة احتواء التطبيق على حسابات لمستخدمين قاصرين من الجنسين.

على سبيل المثال، تمكن فريق التحقيق دون ذكاء اصطناعي من توثيق حساب لفتاة قاصر تنحدر من محافظة طرطوس السورية، بدأت مشوارها في المنصة منذ نحو ثلاث سنوات، ولا تزال مستمرة فيه حتى اليوم، علمًا أن عمرها كان في أيار الماضي 17 عامًا، وفق ما قالته خلال بث مباشر.

تُعد تقارير المستخدمين محورية و”لا تقدّر بثمن” في نهج الإشراف الذي وصفته الشركة بـ”الشامل”، لأنها “تقدم رؤى مهمة تساعد في تحديد سوء السلوك ومعالجته على الفور”، وبالتالي “تعزيز الالتزام بالحفاظ على منصة آمنة لجميع المستخدمين.

وأضافت الشركة أنها تتعاون “مع وكالات إنفاذ القانون والسلطات التنظيمية لمعالجة أي أنشطة غير قانونية أو انتهاكات لشروط الخدمة”.

أما الشركة المُشغلة لتطبيق “SoulChill“، فلم توفر آلية للتواصل معها عبر موقعها الرسمي، ولذلك لجأنا إلى التواصل مع خدمة العملات من داخل التطبيق، ولم نحصل على رد حتى ساعة نشر هذا التحقيق.

ولم نجد من الضروري التواصل مع شركتي “Likee” و”Tango” لأنهما تتبعان لشركة “Bigo” نفسها، وفق ما أدرجته عبر موقعها الرسمي.

شركة “مليارية”

JOYY Inc“، هي شركة تكنولوجيا عالمية مقرها في سنغافورة، وتملك العديد من التطبيقات والمواقع الاجتماعية، منها “Bigo”، و”Likee” لمقاطع الفيديو القصيرة، و”Hago” للشبكات الاجتماعية المتعددة اللاعبين، ومنتج للمراسلة الفورية، وغيرها.

تعمل الشركة من خلال قطاعين هما “BIGO”، والمنتجات الأخرى.

يتكون قطاع “BIGO” من العديد من منصات الترفيه الاجتماعي، بما في ذلك “Bigo Live” و”Likee” و”imo” وغيرها، في حين يتكون قطاع جميع المنتجات الأخرى بشكل أساسي من منصات “Hago” و”Shopline” ومنصات مخصصة للبث المباشر الصوتي.

يتيح “Bigo Live” لمستخدميه مشاركة لحظات حياتهم، وعرض مواهبهم، والتواصل الاجتماعي، والتواصل مع مستخدمين آخرين، في حين تمكن “Likee” المستخدمين من اكتشاف وإنشاء ومشاركة مقاطع الفيديو القصيرة بسهولة، باستخدام أدوات إنشاء الفيديو، مثل المرشحات والمؤثرات الخاصة، والتغذية الشخصية المدعومة بالذكاء الاصطناعي.

وتوفر “Hago” ألعابًا تدمج المزايا الاجتماعية، مثل غرف الدردشة المتعددة المستخدمين بالصوت والفيديو وألعاب الحفلات التفاعلية الافتراضية ثلاثية الأبعاد.

بلغ مؤشر إيرادات شركة “JOYY Inc”، على موقع فضائية “CNBC” الأمريكية، 2.249 مليار دولار أمريكي وقت إعداد هذا التحقيق، في حين بلغت قيمة الشركة السوقية 1.991 مليار دولار.

 

فريق التحقيق:

محررون: خالد جرعتلي – حسن إبراهيم

محتوى بصري ودعم فني: عبد المعين حمص

مشرف محتوى وصياغة: صهيب عنجريني

إشراف: علي عيد

مقالات متعلقة

  1. لأول مرة.. سجين يشنق نفسه في القصر العدلي بدمشق
  2. مذنبات أم ضحايا.. عاملات جنس سوريات يتحدثن عن تجربتهن في تركيا
  3. حلب.. مدينة غرقى بمخدرات "حزب الله" وبيوت دعارة بإشراف أمن النظام
  4. للمرة الثانية خلال أسبوع.. إعدام امرأة بتهمة "الإفساد والدعارة"

تحقيقات

المزيد من تحقيقات