على وقع عملية زولينغن

المجتمع السوري بألمانيا يطلق صرخة رفض للجريمة والإرهاب

سوريون يتضامنون مع عائلات ضحايا عملية زولينغن في ألمانيا - 31 من آب 2024 (عنب بلدي/ حسن إبراهيم)

camera iconسوريون يتضامنون مع عائلات ضحايا عملية زولينغن في ألمانيا - 31 من آب 2024 (عنب بلدي/ حسن إبراهيم)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – حسن إبراهيم

مرّت حادثة الطعن في مدينة زولينغن غربي ألمانيا، التي أدت إلى مقتل ثلاثة أشخاص وإصابة ثمانية آخرين، بمرارة على الشارع الألماني ومجتمع اللاجئين وخاصة السوريين، بعد معرفة أن المنفّذ سوري الجنسية وتبني تنظيم “الدولة الإسلامية” للعملية.

أفرزت الحادثة تداعيات في أروقة السلطة ولدى بعض الأحزاب المعارضة لوجود اللاجئين أو الداعية لتقليص أعدادهم، لكنها عكست حب السوريين للسلام، ورفضهم الإرهاب والعنف، ورغبتهم بالحياة في بقعة جغرافية ولو كانت مؤقتة تقيهم ويلات النزوح والعنصرية والانتهاكات، وتصحيح الصورة المشوهة عنهم والتي خدشتها الظروف خلال 13 عامًا.

وقعت الحادثة في بلد رحّب واحتضن نحو مليون سوري، وتركت مخاوف من نظرة سلبية ونمطية أكثر تجاههم، فخرجت أصوات لسوريين عبر مواقع التواصل الاجتماعي منددة بما حصل، ونظمت وقفات تضامنية مع ذوي الضحايا، ودقائق صمت على أرواح الضحايا.

طعن عشوائي

وقع الهجوم في 23 من آب الماضي، ضمن ساحة حيوية وسط مدينة زولينغن، حيث أقيم “مهرجان التنوع” بمناسبة الذكرى الـ650 لتأسيس المدينة، ونفذه رجل طعن بشكل عشوائي العديد من الزوار المحتفلين، بسكين كان يحملها، وأدى إلى مقتل ثلاثة أشخاص وإصابة ثمانية آخرين.

بعد يوم، سلم المنفّذ، وهو سوري الجنسية يبلغ 26 عامًا، نفسه للسلطات الألمانية، وتبنى تنظيم “الدولة الإسلامية” الهجوم، لتعقبه تحركات من كبار المسؤولين لزيادة عمليات الترحيل، واعتزام إطلاق حزمة من الإجراءات المتعلقة بسياسة اللجوء والأمن.

ينحدر المنفّذ من مدينة دير الزور، وكان يعيش بسكن للاجئين في زولينغن، ودخل الاتحاد الأوروبي عبر بلغاريا في عام 2022، وتقدم بطلب اللجوء في مدينة بيليفيلد الألمانية.

وطالت الانتقادات مكتب الهجرة المركزية في بيليفيلد، لأنه اتخذ إجراءات غير كافية لتحديد مكانه وإقناعه بالعودة إلى بلغاريا، إذ كان من المفترض أصلًا أن يتم ترحيله إلى بلغاريا عام 2023، وفق اتفاقية “دبلن”.

إدانة واستنكار من السوريين

في 31 من آب الماضي، نظم ناشطون سوريون وعرب وقفة إنسانية في ألمانيا، تضامنًا مع أسر ضحايا عملية زولينغن، في مكان حادثة الطعن، وذلك بعد دعوات عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

الملاكم السوري المقيم في ألمانيا حيدر وردة، قال لعنب بلدي، خلال الوقفة التضامنية، إن “المجرم لا يمثل إلا نفسه ولا يمثل السوريين”، مضيفًا أن الشعب الألماني احتضن السوريين ووقف إلى جانبهم، في وقت تخلت دول عربية عنهم.

ولفت إلى ضرورة التضامن مع الشعب الألماني، وإدانة أي عمل إجرامي يستهدف هذا البلد الذي احتضن اللاجئين، ومواساة ذوي الضحايا.

ويرى وردة أن السوريين أثبتوا خلال السنوات الماضية للشعب الألماني أنهم بنّاؤون، وقدّموا أطباء ومهندسين وعمالًا وخبرات في معظم المجالات، قائلًا إن “القتل والإجرام محرّم في جميع الأعراف والديانات، والقاتل لا يمثل السوريين”.

الشاب عز الدين، أحد المشاركين في الوقفة التضامنية، قال لعنب بلدي، إن الشعب السوري اكتوى بنيران المنظمات الإرهابية، ولجأ إلى ألمانيا من ويلات الحرب والقصف والدمار والموت، لينقذ ما تبقى من حياته ومستقبله، بحثًا عن مكان يشعر فيه بأنه “إنسان فقط”.

وأعرب الشاب عن استنكاره للحادثة، مضيفًا أنه وصل إلى ألمانيا منذ نحو عام، ورأى أن من واجبه التضامن والوقوف إلى جانب ذوي الضحايا، وإيصال رسالة ود إلى الشعب الألماني وهذا البلد على ما قدموه للاجئين واندماجهم في مجتمع جديد.

وأصدر سوريون بيانًا مشتركًا متداولًا عبر مواقع التواصل الاجتماعي حمل عدة أسماء لكتّاب وباحثين وروائيين وناشطين، للتضامن غير المحدود مع عائلات الضحايا الأبرياء، وتمنيات الشفاء العاجل للجرحى، ومعاقبة منفّذي الجريمة والذين ساعدوا عليها أو دعموها.

وذكر البيان أن السوريين لجؤوا إلى ألمانيا بحثًا عن الأمان أولًا، بعد أن عانوا من “إرهاب الطغيان والدكتاتورية والتطرّف الإسلامي وميليشياته المسلحة، وما عانوه من قتل ممنهج وسجن وتعذيب وإخفاء قسري وتدمير وتشريد”.

وجاء فيه أن السوريين جاؤوا بحثًا عن الحرية والكرامة وحقوق الإنسان والديمقراطية، وعن آفاق أكثر تقدّمًا في التعليم والعمل لهم ولأطفالهم، وأن الموقف الأسلم ضد هذه الأفعال هو التأكيد على قيم التعايش.

الباحثة في علم الإعلام الاجتماعي ليلاس دخل الله، المقيمة في ألمانيا، ترى أن حادثة الطعن في زولينغن أثرت بشكل سلبي على الشارع والمجتمع الألماني، وتزيد من الأحكام المسبقة والتعميم حول اللاجئين، وتعمّق الفجوة بين المهاجريين والمواطنين.

وقالت الباحثة لعنب بلدي، إن الوقفات التضامنية مهمة لأنها تعكس رفض اللاجئين لهذه الجرائم، وتلفت إلى ضرورة معاقبة المجرمين في أي مجتمع.

تدابير لتشديد قوانين اللجوء

عقب حادثة زولينغن، أعلنت وزيرة الداخلية الألمانية، نانسي فيزر، ووزير العدل، ماركو بوشمان، في 29 من آب الماضي، عن تفاصيل حزمة من الإجراءات المتعلقة بسياسة اللجوء والأمن، والتي وصفاها بأنها “إجراءات واسعة النطاق”، تهدف إلى تحسين السيطرة على الهجرة وتعزيز الأمن الداخلي.

من بين الإجراءات الجديدة التي من المقرر أن يصوت عليها البرلمان الألماني، حرمان اللاجئين من حق اللجوء إذا سافروا إلى بلدانهم الأصلية دون سبب إنساني مقنع، مثل حضور جنازة أحد الأقارب.

وتشمل التدابير الأخرى حظر حمل السكاكين في وسائل النقل العام (المسافات البعيدة)، وتوسيع صلاحيات الشرطة الاتحادية لتفتيش محطات القطار واستخدام أجهزة الصعق الكهربائي (التايزر)، كما سيتم إقرار حظر كامل للسكاكين في الفعاليات العامة مثل المهرجانات والمعارض والأسواق.

بالإضافة إلى ذلك، سيتم منح المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين (BAMF) صلاحية استخدام البيانات البيومترية من الإنترنت للتحقق من هوية المهاجرين، وستُشكّل “قوة مهام دبلن” من الحكومة الفيدرالية والولايات لتسهيل ترحيل اللاجئين المسجلين في دول أوروبية أخرى.

جو إيجابي للاجئين

تعد ألمانيا من الدول التي رحبت باللاجئين السوريين على أراضيها، ومنحتهم حق العمل والوصول إلى الفرص التعليمية والمهنية، وقدمت لهم دورات اندماج ومشورات قانونية ومساعدات عدة.

ويقدّر عدد اللاجئين السوريين في ألمانيا بنحو 972 ألف لاجئ حتى نهاية عام 2023، وفق المكتب الإحصائي الاتحادي في ألمانيا، بينما يبلغ عدد سكان ألمانيا نحو 82 مليون نسمة.

وتقدم، في عام 2023، أكثر من 351 ألف شخص بطلب اللجوء في ألمانيا، وتقدّر نسبة المتقدمين السوريين بـ31.3%.

وبذلك تصدّرت سوريا الطلبات الأولية لعام 2023، بأكثر من 102 ألف طلب، بنسبة زادت نحو 45% على عام 2022، وفق المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين في ألمانيا (BMAF).

في نيسان الماضي، قال المفوض الاتحادي لدمج اللاجئين في سوق العمل، دانييل تيرزينباخ، إن حوالي 70% من الرجال السوريين لديهم وظائف، وأضاف، “لا يزال أمامنا الكثير من أجل اللحاق بالركب عندما يتعلق الأمر بإدماج المرأة”.

نجاح

شكرًا لك! تم إرسال توصيتك بنجاح.

خطأ

حدث خطأ أثناء تقديم توصيتك. يرجى المحاولة مرة أخرى.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة