مطبّل ومهاجم.. انقسام سوري عنوانه إيران

  • 2024/09/01
  • 1:40 م
وسائل المواصلات العامة وسيارات الأجرة تحت جسر "الرئيس" بدمشق- 26 من تشرين الأول 2023 (عنب بلدي / سارة الأحمد)

وسائل المواصلات العامة وسيارات الأجرة تحت جسر "الرئيس" بدمشق- 26 من تشرين الأول 2023 (عنب بلدي / سارة الأحمد)

عنب بلدي – حسام المحمود

بعدما انقسم الشارع السوري إبان انطلاق الثورة السورية في 2011، بين جمهور معارض للنظام مطالب بالتغيير السياسي ورحيل رئيس النظام السوري، بشار الأسد، وفئة متمسكة بالسلطة الحالية وتواليها وتدافع عنها، وما أفرزه ذلك من “تحزّب” جماهيري كان محصورًا نسبيًا بين فئتين من شعب واحد، برزت خلال الأشهر القليلة الماضية حالة تباين في الرؤى بالمعسكر المقرب من النظام بشأن الموقف من إيران، حليفة الأسد والداعم الأبرز إلى جانب روسيا، لبقائه على رأس السلطة.

حالة التباين هذه برزت من خلال مجموعة من الناشطين المؤيدين للنظام السوري، وجاءت مترافقة بموجة متواصلة من التصعيد الإسرائيلي والقصف الذي لا يكاد يتوقف من سلاح الجو الإسرائيلي على مواقع داخل سوريا.

بشار برهوم، وهو ناشط من أبناء الساحل السوري، يدافع بشراسة في تسجيلاته المصورة عن النظام السوري، يرى أن كل من يتعامل مع إيران خائن على كل المستويات، وأن إيران عدوة، وإسرائيل معتدية، وأن قاسم سليماني هجّر من السوريين أكثر مما هجرت إسرائيل عام 1948 من الفلسطينيين، داعيًا الناس للابتعاد عن أي إيراني قد يلتقونه.

برهوم قال في اتصال عبر الفيديو مع قناة “المشهد” نهاية نيسان الماضي، إنه يمثل نبض الشارع السوري وليس الحكومة، وتحدث أيضًا عن دور مشبوه لإيران في سوريا، معتبرًا أن غزة كشفت اللثام وأظهرت الوجه الحقيقي لما يسمى بـ”الثورة الإسلامية الإيرانية”، وأن المشروع الصفوي أخطر من المشروع الإيراني.

وعلى الضفة الأخرى، فهناك أصوات سورية موالية للنظام أيضًا، تبدي تمسكًا بالدور والحضور الإيراني، وترى في العلاقة بين دمشق وطهران “صداقة” لا تغوّلًا وتمددًا استعماريًا كما يرى الفريق الأول، كالناشط علاء محمد، والممثل السوري معن عبد الحق الذي هاجم بشار برهوم واتهمه بالعمالة لإسرائيل لاستهداف الإيرانيين في سوريا.

مؤشرات فتور

ما عزز بروز هذه الأصوات مؤخرًا هو الحرب الإسرائيلية المتواصلة على قطاع غزة منذ 7 من تشرين الأول 2023، مخلفة أكثر من 40 ألف قتيل فلسطيني، ومتسببة بنزوح نحو 80% من 2.2 مليون فلسطيني يقيمون في القطاع الذي تدمرت مساحات واسعة منه بالكامل.

الحرب المستعرة في القطاع المحاصر منذ 17 عامًا قابلها دعم إيراني كثيف، لكن بالتصريحات والتهديد والوعيد، فلم توقف شعارات “الموت لإسرائيل” صاروخًا أو قنبلة أو قذيفة من آلاف سقطت على غزة، كما تتأثر هذه الأصوات بملامح تغيير في العلاقات الرسمية بين إيران والنظام السوري، في الوقت الذي تبدو به إيران عثرة أمام مشروع ما يرغب النظام في إتمامه، أو علاقات سياسية مقطوعة يرغب في وصلها، إلى جانب أن العلاقة مع إيران مسألة تتطلب تغييرًا في التعاطي، وفق ما ورد في المبادرة الأردنية التي طالبت النظام بجملة من التغييرات وعرضت عليها أمورًا أخرى.

ومن مؤشرات هذه التغييرات، ما ذكرته صحيفة “الشرق الأوسط“، في 6 من أيار الماضي، ومفاده أن إيران تشتبه في استعداد رئيس النظام السوري، بشار الأسد، لعقد صفقة محتملة مع الغرب ضدها.

وأضافت الصحيفة أن إيران شعرت بهذا التقارب بين الغرب والأسد، بسبب اتخاذ الأخير موقفًا معتدلًا نسبيًا بشأن الصراع في قطاع غزة، مشيرة إلى أن مؤشرات وجود صدع بين طهران ودمشق، ظهرت بعد قصف إسرائيل القنصلية الإيرانية بدمشق مطلع نيسان الماضي، ما تسبب بمقتل ثلاثة ضباط إيرانيين كبار، بينهم اللواء محمد رضا زاهدي، القيادي في الحرس الثوري الإيراني.

وكانت صحيفة “الجريدة” الكويتية نشرت تقريرًا نقلًا عن المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، يفيد أن الأجهزة الأمنية الإيرانية رفعت تقريرًا للمجلس بشأن احتمال ضلوع النظام السوري في تسريب معلومات لإسرائيل، أسهمت في اغتيال كبار القادة الإيرانيين في سوريا.

الانقسام يرتبط بالعنف

حالة التجاذب والانقسام في الموقف حيال طبيعة هذه العلاقة تلقي بظلالها على المجتمع السوري المحكوم بوجود إيراني متواصل في بعض المناطق، وما يرافقه من محاولات استيطان في الأحياء والمناطق السكنية، بالإضافة إلى نقل الطقوس الدينية من “دور العبادة” إلى الطرقات والشوارع العامة، وفرضها على السكان الأصليين في بيئتهم.

الباحثة الاجتماعية عائشة عبد الملك، أوضحت لعنب بلدي أن هذا النوع من الانقسام قد يتبدى على الأرض أكثر من خلال تشكل جماعات أو كيانات غير منسجمة في ولاءاتها وفق المصالح التي تحركها.

الباحثة أشارت أيضًا إلى أن طول فترة إقامة عائلات إيرانية في سوريا أسهم في نشأة أطفال إيرانيين في سوريا، وبعد فترة من الاختلاط قد تحدث حالة ألفة أو تقبل أو تقارب مع هذه الفئة، ما يجعل فئة من السكان تميل لهذه المجموعة أو تلك، لأسباب منها تقاطع المصالح، والانتماء المذهبي، وهذا من شأنه توليد بلبلة ونزاعات في المجتمع تولد تخوفًا لدى الشخص من دخول حي تغلب على سكانه فئة الموالين للوجود الإيراني مثلًا، أو يقيم به إيرانيون.

وبحسب مقالة صادرة عن مركز “حرمون للدراسات المعاصرة”، لحمزة رستناوي، فالانقسام الاجتماعي ما قبل الثورة كان يتجلى بين مؤيدين للسلطة لأسباب تتعلق بالمنشأ الطبقي وأسباب انتهازية نفعية، أو أسباب تتعلق بالطموح والمكانة الاجتماعية، لكن الطرف المعارض يضم معارضين بخلفيات مختلفة.

وإذا لم يكن الانقسام السياسي هو المعلم الأبرز في سوريا قبل 2011، فذلك لغياب الحرية والمفهوم الحديث للمجتمع السياسي، ليطغى حينها أكثر الانقسام الطائفي والقومي والمناطقي، ما جعل الانقسام السياسي في الحالة السورية وإلى حد بعيد انعكاسًا لهذه الانقسامات الثلاثة السابقة، وفق المقالة.

وفي 2011، بدا الانقسام السياسي حاضرًا في البلدة والقرية والحي، بين قوى شابة متحمسة للتغيير السياسي وهي قوى غير مؤدلجة لكنها غير محصنة ضد الأدلجة الإسلامية، وقوى تدافع عن بقاء النظام، لأسباب قد تكون مصلحية ضيقة، وهي غالبًا تسعى لتجنيب البلدة النتائج الكارثية المتوقعة للصراع.

كما أن حدود الانقسام السياسي لا تتطابق مع حدود الانقسام الهوياتي (الطائفي أو القومي أو العائلي)، فالسياسي متغير وفق الظروف والمصالح، لكن الانتماء الهوياتي من الصعب تغييره، كما تتعلق حالة الانقسام السياسي في المجتمع بمستوى العنف، وكلما زادت درجة العنف المستخدم في الصراع، بدا الانقسام السياسي أكثر وضوحًا.

وعلى مدار 11 شهرًا ماضية، خلال الحرب على غزة، شنت إسرائيل غارات غير منقطعة على مواقع سورية وأخرى في لبنان، إلى جانب استهدافها السفارة الإيرانية وتدميرها على رؤوس من فيها من قياديين إيرانيين، واغتيال قياديين في “حزب الله” اللبناني، وإسماعيل هنية في إيران، لتتراوح الرود من “محور المقاومة” بين قصف لا يوقع قتلى يستهدف مواقع غير مأهولة إسرائيلية، وبين وعيد بالرد لا يتكافأ مع حجج الاستهداف، وهو ما يفسر نقطة ارتباط زيادة الانقسام بمستوى العنف.

مقالات متعلقة

سوريا

المزيد من سوريا