شروط تركية أوسع مقابل “مرجعية” الأسد لتطبيع العلاقات

الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وبشار الأسد - 10 حزيران 2010 (رويترز)

camera iconالرئيس التركي رجب طيب أردوغان وبشار الأسد - 10 حزيران 2010 (رويترز)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – حسام المحمود

منذ شهرين تقريبًا، تحدث الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، عن “إمكانية تطوير العلاقات” مع “السيد الأسد” وفق تعبيره، ليدشن مسارًا جديدًا حمل كثيرًا من التصريحات الرسمية والتحليلات السياسية و”التكهنات الإعلامية” بمكان وزمان لقاء محتمل بين أردوغان ورئيس النظام السوري، بشار الأسد، قبل نفي رسمي لسيل من الإشاعات والتوقعات التي انصبت في هذا الإطار، ليواصل الملف حضوره السياسي بالتصريحات، دون تطور سياسي يجمع ممثلي الطرفين على الطاولة.

في 25 من آب الماضي، ألقى رئيس النظام السوري، بشار الأسد، كلمة أمام مجلس الشعب، مع بداية الدور التشريعي الرابع، أفرد خلالها حيّزًا ليس قصيرًا تطرق خلاله لهذا المسار وطبيعته، وأسباب الفشل في تحقيق أي تقدم بهذا الإطار، من وجهة نظره.

الأسد ذهب في كلمته بعيدًا، وانتقل من لغة “إمكانية اللقاء أو العناق أو العتاب أو تبويس اللحى” التي تحدث بها في تموز الماضي، إلى اتجاه أكثر تفصيلًا في المسار العالق منذ محاولة إحيائه قبل أشهر، فأشار إلى تعامل جدي وبإيجابية مع المبادرات التي طُرحت بشأن العلاقة مع تركيا، مشيرًا إلى أن الوضع الراهن المتأزم عالميًا وانعكاساته تدفع للعمل بحركة أسرع من أجل “إصلاح ما يمكن إصلاحه”.

واعتبر الأسد أن الرغبة الصادقة في استعادة العلاقات الطبيعية تتطلب أولًا إزالة أسباب تدمير هذه العلاقة، والتراجع عن السياسات التي أدت إلى الوضع الراهن، مشيرًا إلى أنها متطلبات لنجاح العملية لا شروط، مع التأكيد على عدم التنازل عن أي حق من الحقوق في أي ظرف من الظروف.

وبرأي الأسد، فإن أي عملية تفاوض بحاجة إلى مرجعية تستند إليها لتنجح، ومن أسباب عدم وصول اللقاءات السابقة إلى نتائج هو غياب المرجعية، إذ اعتبر أنها تستند إلى عدة أشياء، منها ما يتفق عليها بين الأطراف المختلفة، وقد تستند إلى القانون الدولي، أو ميثاق الأمم المتحدة، أو إلى عدد من العناوين التي تهم كل طرف من الأطراف.

وفي معرض حديثه عن الشروط التركية للتطبيع، لخّصها الأسد في ملف اللاجئين، ومسألة مكافحة الإرهاب، دون تطرق إلى مسألة الانتخابات الحرة والتوصل إلى دستور جديد في سوريا، وهو ما ذكرته أنقرة أكثر من مرة، قبل أن تضيف وتعدّل في صياغة هذه الشروط، إذ اكتفى بمقاطعة هذين الشرطين مع الانسحاب التركي ومكافحة الإرهاب أيضًا.

وبحسب رأيه، فعندما يجري الاتفاق على هذه العناوين، يجب أن يصدر بيان مشترك من خلال لقاء بين مسؤولين في الطرفين، بمستوى يحدد لاحقًا، ليتحول هذا البيان إلى ورقة تشكل مبادئ تكون قاعدة لإجراءات يمكن أن تتم لاحقًا بالنسبة لتطوير العلاقة أو الانسحاب أو مكافحة الإرهاب أو غيرها من العناوين التي تهم الطرفين.

الأسد اعتبر أن أهمية هذه المرجعية تكمن في تنظيم المفاوضات، وتمنع المناورة أو المزاجية من أي طرف، وتشكل أداة يستند إليها أصحاب المبادرات وتساعدهم على النجاح في مساعيهم، نافيًا رفض عقد لقاءات مع الجانب التركي قبل الانسحاب من سوريا، بذريعة العمل بشكل “منهجي وواقعي”، وأن المهم وجود أهداف واضحة، مع التشديد على فكرة السيادة.

المربع التركي

رؤية الأسد لمسار التطبيع قرأتها الصحافة التركية كمؤشر أقوى على إمكانية عقد لقاء بين الأسد وأردوغان، قبل أن تقدم أنقرة بشكل أكثر تفصيلًا صورة عن توقعاتها من التطبيع مع النظام السوري، إذ نقلت قناة “CNN TURK” التركية، في 28 من آب الماضي، عن مصادر في الخارجية التركية أن إعادة العلاقات إلى ما كانت عليه قبل 2011، تتلخص في أربعة عناوين رئيسة.

وبحسب ما ذكرته القناة التركية حينها، فلدى أنقرة أربعة توقعات رئيسة من التطبيع، يتمثل الأول في تطهير سوريا من “العناصر الإرهابيين” حفاظًا على سلامة أراضيها.

التوقع الثاني هو قيام سوريا بتحقيق مصالحة وطنية حقيقية مع شعبها في إطار قرار مجلس الأمن الدولي “2254”، على أساس المطالب والتوقعات المشروعة لشعبها، والعودة إلى المفاوضات الدستورية، والتوصل إلى اتفاق مع المعارضة.

ويشمل التوقع الثالث تهيئة الظروف اللازمة لعودة اللاجئين بشكل آمن وكريم، أما التوقع الرابع فهو استمرار تدفق المساعدات الإنسانية إلى مناطق سيطرة المعارضة دون انقطاع.

وبحسب المصادر ذاتها، فإذا ساد التفاهم وتنفيذ مقاربات واقعية، فسيتم تمهيد الطريق لخطوات يمكن أن تسهم في رفاهية سوريا وأمن دول الجوار، والاستقرار الإقليمي، مع التأكيد على أن هذه الصورة لن تتغير بالنسبة لتركيا، والحوار الذي سيقيمه النظام مع المعارضة يجب أن يكون مثمرًا بالنسبة لأنقرة، أي أنه من غير الوارد قيام تركيا بتغيير جذري أو التراجع عن علاقتها مع المعارضة السورية.

ولتوضيح التوقع الرابع المتعلق بتدفق المساعدات إلى الشمال، بيّنت المصادر أن موضوع الهجرة متشابك مع المساعدات الإنسانية، وعندما يتعذر تقديم المساعدات الأممية سيكون هناك خطر هجرة، لذا من المهم مرور المساعدات عبر تركيا، واستمرار عبورها.

الانشغال الروسي قد يؤثر

التصريحات التركية لم تقف عند هذا الحد، إذ نقلت وسائل إعلام تركية، في 29 من آب، عن الإحاطة الأسبوعية لوزارة الدفاع، أن الوجود التركي في سوريا يمنع تقسيم الأراضي السورية، وإنشاء “ممر إرهابي” هناك.

وأضاف المتحدث باسم وزارة الدفاع، “نريد أن نرى سوريا ديمقراطية ومزدهرة، وليس سوريا التي تعاني عدم الاستقرار، وتهيمن عليها المنظمات الإرهابية”.

أوضح الخبير الاستراتيجي والباحث غير المقيم في معهد “ستيمسون” بواشنطن عامر السبايلة، لعنب بلدي، أن الرغبة الأساسية في التطبيع لدى الطرفين غير موجودة، وهي أقرب لفكرة تكتيك وتحصيل مصالح من هذه الخطوة، وهذا يفسر الدفع العراقي والروسي للقاء والتحفيز لعقده، ما يعني أنها ليست فكرة تركية- سورية، وقد يكون التكتيك التركي بما يتعلق بالسياسة التركية مهمة له هذه الخطوة، لكن بالنسبة للنظام السوري، فلا فوائد قريبة من هذه العلاقة.

الخبير الاستراتيجي رجّح أن تخفت أهمية فكرة التقارب في الفترة الحالية، في ظل الانشغال الروسي بالحرب مع أوكرانيا بعدما بدأت القوات الأوكرانية، في 6 من آب الماضي، توغلًا بريًا في الأراضي الروسية، وسيطرت على عشرات القرى والبلدات.

كما أن النظام السوري يدرك أن هناك مصالح سياسية لتركيا في سوريا، ويمكن أن يستغلها النظام لمحاولة إنهاء فكرة المعارضة، لكن ما يبدو فعلًا أن النظام غير معني في الوقت الراهن بهذه المسألة، ولا يرغب أن تكون هذه الجزئية أهم الأوراق التي تقدمها تركيا، ما سهّل على تركيا العودة إلى المربع الأول في التصعيد والتمسك بثوابت لإنعاش العلاقات مع النظام، وفق الباحث.

وحول إمكانية أن يدفع مناخ التصريحات الحالية المتبادلة إلى لقاء بين أردوغان والأسد، استبعد السبايلة إمكانية التوصل لاتفاق كبير في الفترة الحالية، مع احتمالية عقد هذا اللقاء في وقت معين من باب التكتيك، لكن في ميزان مصالح الطرفين، فإن فكرة اللقاء وعودة العلاقات دون مكتسبات حقيقية تطغى على المشهد.

وفي 14 من آب الماضي، أكد وزير الدفاع التركي، يشار غولر، الشروط الدستورية والانتخابية لتركيا فيما يتعلق بالتطبيع مع النظام السوري، قائلًا إن “الإدارة السورية” (في إشارة إلى النظام) تتصرف وكأنها لا تريد فترة من السلام، مؤكدًا ضرورة تبني دستور شامل لسوريا.

الوزير التركي أكد أن أنقرة لا يمكنها مناقشة الانسحاب من سوريا إلا بعد قبول دستور جديد وإجراء انتخابات وتأمين الحدود، وأضاف موجهًا الحديث للنظام، “أجرِ انتخابات حرة، ومن يصل إلى السلطة نتيجة لذلك، نقول نحن مستعدون للعمل معه”، وفق ما نقتله وسائل إعلام تركية.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة