خبيران: خطاب يخالف سياسة رفع الدعم وبيع المؤسسات العامة

الأسد يعود إلى “العباءة” الاشتراكية أمام مجلس الشعب

بشار الأسد متحدثًا عن الاشتراكية والدعم خلال كلمته أمام مجلس الشعب- 25 آب 2024 (رئاسة الجمهورية/ فيس بوك)

camera iconبشار الأسد متحدثًا عن الاشتراكية والدعم خلال كلمته أمام مجلس الشعب- 25 آب 2024 (رئاسة الجمهورية/ فيس بوك)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – يامن مغربي

ألقى رئيس النظام السوري، بشار الأسد، خطابًا في مجلس الشعب بدمشق في 25 من آب الماضي، تحدث خلاله عن الاشتراكية، وعدم التخلي عنها في البلاد.

حديث الأسد عن النمط الاقتصادي الذي يشكّل أحد ثلاثة شعارات لحزب “البعث” الحاكم في سوريا (وحدة- حرية- اشتراكية)، يتزامن مع تغييرات فرضها واقع الحرب في البلاد، والأزمة الاقتصادية التي تحيط بها منذ سنوات، بالإضافة إلى التحركات الأخيرة بما يخص التشاركية بين القطاعين العام والخاص، وبيع الأصول المملوكة للدولة لشركات يعود بعضها بشكل مباشر للأسد نفسه، أو لزوجته أسماء الأسد، وكذلك للحلفاء، روسيا وإيران.

الأسد قال في خطابه، إن “الخيارات الصعبة لا تعني الانقلاب على سياساتنا ولا تعني الانقلاب على التزامات الدولة تجاه المواطنين، ونحن لن نخلع عباءتنا الاشتراكية”.

منذ وصول حزب “البعث” إلى السلطة بانقلاب عسكري في 1963، اتبع سياسات اشتراكية تفاوتت حدتها وفق الأطراف الحاكمة ضمن الحزب نفسه، حتى وصل حافظ الأسد بانقلاب آخر على رفاق دربه في 1971، وثبّت السياسات الاشتراكية التي اعتمدت عمليًا على دور فاعل للقطاع العام، ولكن دون تطبيق المبدأ بشكل كامل.

الأسد الأب ورغم الشعارات التي تبناها حزبه حول الاشتراكية، بقي على اتصال مع تجار دمشق وحلب والفعاليات الاقتصادية الخاصة، ثم بدأ الواقع الاقتصادي بالتغير مع وصول بشار الأسد إلى سدة الحكم في عام 2000.

لكن الاشتراكية عمليًا لم تأتِ بالتزامن مع وصول “البعث” إلى السلطة فقط، وتشير دراسة نشرها “المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات” في آذار 2022، إلى أن سوريا تبنت هذا النهج في إدارة شؤونها السياسية والاقتصادية منذ 1963، ضمن ملكية الدولة لوسائل الإنتاج والإدارة والتعاونية الاقتصادية.

تحركات النظام لا توحي بالاشتراكية

عمليًا بدأ بشار الأسد مع وصوله إلى الحكم بالاتجاه لسياسات اقتصادية أكثر انفتاحًا ضمن “اقتصاد السوق الاجتماعي”، عبر السماح بدخول البنوك والمدارس الخاصة، وتحرير بعض أسعار المواد مع الحفاظ على دعم المواد الأساسية كالمحروقات والخبز وغيرهما، أي أن سوريا استمرت ضمن نهج اشتراكي وإن لم يطبق بشكل كامل.

فرض اقتصاد الحرب واقعًا اقتصاديًا جديدًا على النظام السوري، عقب توجيه موارد الدولة للمجهود العسكري، ارتبط بعمليات خصخصة وبيع لمشاريع اقتصادية تعود ملكيتها للدولة، سواء عبر تأجير المواني واستخراج الفوسفات، وكذلك الاستثمار في مطار “دمشق الدولي”.

وترافقت هذه التحركات مع إعلانات مستمرة حول رفع الدعم الحكومي عن شرائح من المواطنين، شمل المحروقات والخبز والغاز المنزلي.

وبالتالي فإن حديث الأسد أمام مجلس الشعب أن سوريا “لم تخلع العباءة الاشتراكية” يأتي مخالفًا للواقع الاقتصادي للبلاد في الظروف الراهنة على الأقل، ويرى الباحث بالاقتصاد الدكتور فراس شعبو في حديثه لعنب بلدي، أن سوريا لم تكن تطبق الاشتراكية بحذافيرها.

ومع وصول الأسد الابن للسلطة، انتقل إلى اقتصاد السوق الاجتماعي، الذي لم يناسب الحرس القديم (المسؤولون في عهد حافظ الأسد) نوعًا ما، لأن بعض الأفراد تقاسموا الكعكة الاقتصادية وتحاصصوا مع الدولة وهو أمر غير مستحب بالنسبة للنظام.

ويرى شعبو أن حديث الأسد عن الاشتراكية يأخذ منحى سياسيًا لا اقتصاديًا، ويعبر عن عودة حزب “البعث” إلى الواجهة من جديد وقيادته للدولة والمجتمع.

وركز الأسد خلال الأعوام الماضية على عودة حزب “البعث” إلى الواجهة السياسية، وأظهر اهتمامًا واضحًا بانتخاباته الداخلية الأخيرة، وأجرى عدة تغييرات في صفوفه.

من جهته، قال الباحث الاقتصادي زكي محشي لعنب بلدي، إن الاقتصاد السوري ليس اشتراكيًا لا قولًا ولا فعلًا، هو “رأس المال عبر المحسوبية” وإعادة التموضع لمصلحتها مع استثمارات كبيرة ريعية لبعض الشخصيات.

التوظيف العام متوقف منذ زمن بعيد ورواتبه قليلة حتى خط الفقر، ويتم تحرير الأسعار بما في ذلك المدعومة منها التي تباع بالسعر “الحر”.

الاشتراكية في سوريا

أوضحت دراسة نشرها “المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات”، في آذار 2022، أن سوريا تبنّت نهجًا اشتراكيًا في إدارة شؤونها السياسية والاقتصادية منذ عام 1936، وهو نظام يقوم على ملكية الدولة لوسائل الإنتاج والإدارة والتعاونية الاقتصادية.

ومع وصول حافظ الأسد إلى السلطة عام 1970، جرى تخفيف القيود المفروضة على المشاريع الفردية والقطاع الخاص، إلا أن ذلك لم يساعد كثيرًا في تنشيط الدورة الاقتصادية بالبلاد، بسبب الفساد واستمرار بعض القيود البنيوية المثبطة للاستثمار.

وفي ثمانينيات القرن الماضي، وجدت سوريا نفسها معزولة سياسيًا وفي خضم أزمة اقتصادية خانقة، بحسب الدراسة، إذ انخفض فيها نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة 22% بين عامي 1982 و1989، كما أسفرت عمليات التأميم الواسعة للمعامل والمصانع والأراضي عن هروب جزء كبير من رأس المال الوطني إلى الخارج، بينما ظهرت طبقة رأسمالية حكومية استفادت من الفساد وغياب الحريات الاقتصادية لتكوين ثروات كبيرة.

وقد أدت هذه العوامل إلى تدهور الوضع المعيشي وارتفاع معدلات الفقر والبطالة، لا سيما في فئة الشباب، وتراجعت القطاعات الصناعية والزراعية وانخفضت مساهمتها في الناتج المحلي الإجمالي إلى مستويات غير مسبوقة.

مع انتهاء الحرب الباردة وتوقف المساعدات الخارجية، طبّقت الحكومة السورية بدءًا من عام 1990 سلسلة من الإصلاحات الاقتصادية، شهد في ظلها الاقتصاد السوري نموًا قويًا طوال التسعينيات، وانعكس ذلك على نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي خلال الفترة بين 2000 و2010، إذ تضاعف متوسط دخل الفرد السوري من قرابة 1200 دولار أمريكي في عام 2000، إلى نحو 2800 دولار في عام 2010.

وألحق سوء إدارة الأزمة التي اندلعت بعد بدء الثورة السورية عام 2011 خسائر كبيرة بالاقتصاد السوري، قدّرت لجنة الأمم المتحدة للشؤون الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا) قيمتها بنحو 442 مليار دولار في نهاية عام 2020.

سوريا غير قادرة على هذا النمط

تعتمد الاشتراكية من الناحية الاقتصادية على ملكية عامة للدولة التي تسيطر على الموارد الطبيعية والإنتاج، بما في ذلك المؤسسات والآلات والمصانع المنتجة للسلع، مع توفير الدولة لنظام رعاية اجتماعية وشبكات أمان اجتماعي، من الغذاء وحتى الصحة والتعليم.

كما تتخذ الدولة في النظام الاشتراكي جميع القرارات المتعلقة بالإنتاج والتوزيع، في محاولة لتوزيع الثروة الوطنية بمساواة بين أفراد المجتمع الواحد، وتأتي هذه التعريفات ضمن المفهوم الواسع للاشتراكية، الذي يحوي مئات النظريات الاقتصادية والتعريفات المختلفة، وترتبط كذلك بتوجه الدولة نفسه.

وفق التعريف الواسع للاشتراكية، وبمقارنته مع الظروف الاقتصادية للمناطق التي يسيطر عليها النظام السوري اليوم، وبعد حديث بشار الأسد حول الاشتراكية يظهر سؤال: هل سوريا قادرة على هذا النمط من الاقتصاد في الظروف الحالية بما يتضمن توزيع الثروة وزيادة الدعم.

بحسب الباحث زكي محشي، فإن سوريا اليوم سوريا تعيش ضمن “اقتصاد الحرب”، وليست لديها القدرة على أن يكون اقتصادها وفق نهج الاشتراكية الذي يحتاج للدعم وإلى مؤسسات عامة قوية، بينما تضمن خطاب بشار الأسد الأخير خطوات لرفع الدعم، وهو ما تتجه له “الدولة”، فالموازنة لا تكاد تتحمل حتى رواتب الموظفين.

كما أن الخزينة لا تتحمل نتيجة سياسات الهدر والفساد والسرقة وعدم تحمل المسؤولية.

وما يحصل اليوم هو إعادة توزيع الموارد لمصلحة “رأسمالية المحاسيب”، وحتى في حال أرادوا الخصخصة فهي لا تتم بشكل تدريجي ولن تباع مؤسسات القطاع العام لأنها خاسرة، وفق محشي.

ورغم أن الاشتراكية تفرض على الدولة التوجه لتأمين المواطنين عبر شبكات الدعم الاجتماعي، وتلعب دورًا مهمًا في أساسيات المعيشة اليومية، من التعليم والصحة والسلع الغذائية، فإن خطوات النظام السوري تسير بعكس هذا الأمر، وهو يتجه لسحب يده من الخدمات الأساسية المقدمة.

وفق شعبو، فإن الدولة اليوم تتبع سياسة النأي عن المواطن تمامًا ليغرق وحده، وليست لديها القدرة حتى على تقديم الخدمات الأساسية في البنى التحتية كالكهرباء، هي فقط “بروباغندا إعلامية”.

وتابع الباحث أن خطاب الأسد “يمكن اعتباره دون قيمة على الأرض لأن الواقع عكس كلامه تمامًا”، مضيفًا أنه حتى إن أراد الأسد تحويل سوريا لاشتراكية فلا قدرة لديه على القيام بالواجبات المطلوبة منه، وبالتالي لا يمكن أن يُتبع النموذج الاقتصادي الاشتراكي في سوريا خلال الوقت الحالي.

وفق أرقام الأمم المتحدة، يحتاج 15.3 مليون شخص في سوريا إلى مساعدات إنسانية، و85% من الأسر غير قادرة تمامًا أو بشكل كافٍ على تلبية احتياجاتها الأساسية.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة