بيومهم الدولي
تحرك حقوقي مستمر لكشف مصير المختفين قسرًا في سجون النظام
رغم مضي أكثر من 13 عامًا على بدء الثورة السورية، ما زال مصير آلاف المعتقلين في سجون النظام السوري مجهولًا، والذين أصبحوا في عداد المختفين قسرًا، في وقت تواصل جهات حقوقية الضغط للكشف عن مصيرهم ومحاسبة نظام الأسد على جرائمه.
“الشبكة السورية لحقوق الإنسان” أصدرت اليوم، الجمعة 30 من آب، تقريرها السنوي الـ13 حول ظاهرة الاختفاء القسري في سوريا، بمناسبة اليوم الدولي لضحايا الاختفاء القسري الذي يوافق 30 من آب من كل عام.
أكثر من 100 ألف مختفٍ قسرًا
ذكرت “الشبكة السورية” أن ما لا يقل عن 113218 شخصًا، بينهم 3129 طفلًا و6712 سيدة، لا يزالون قيد الاختفاء القسري على يد أطراف النزاع في سوريا منذ آذار 2011 حتى آب 2024.
وتتحمل قوات النظام السوري المسؤولية الكبرى عن ضحايا الاختفاء القسري بنسبة 85%، حيث يوجد في سجونه ما لا يقل عن 96321، بينهم 2329 طفلًا، و5742 سيدة (أنثى بالغة).
وأشار التقرير إلى أنه في عام 2024، استمر النظام السوري في استخدام الاختفاء القسري كوسيلة رئيسة للقمع والسيطرة وأداة للابتزاز المادي للضحايا وذويهم، حيث استهدفت عمليات الاختفاء القسري منذ مطلع عام 2024 لاجئين تمت إعادتهم قسريًا من لبنان.
كما استهدفت هذه العمليات اللاجئين الذين عادوا من الأردن عبر معبر “نصيب” جنوبي درعا، ومطار “دمشق الدولي”، واقتيد معظمهم إلى مراكز الاحتجاز الأمنية والعسكرية في محافظتي حمص ودمشق.
ومنذ مطلع عام 2024، وثقت “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” اعتقال ما لا يقل عن 156 شخصًا من اللاجئين الذين أُعيدوا قسرًا من لبنان، من بينهم 4 أطفال و3 سيدات، وأصبحوا في عداد المختفين قسرًا.
سلاح بيد النظام
استخدم النظام السوري الاختفاء القسري كأداة استراتيجية لترسيخ وتعزيز سيطرته والقضاء على خصومه، وقد تم تطبيق هذه الاستراتيجية بشكل مدروس ومباشر وموجه ضد جميع المشاركين في الثورة السورية، وفق تقرير “الشبكة”.
ولم تكن ظاهرة الاختفاء القسري تمارس بشكل معزول أو عشوائي، بل كانت جزءًا من منظومة قمعية متكاملة، إذ نُفذت بشكل منظم وشاركت في تخطيطها أعلى مستويات الدولة والمنظومة الأمنية، وتورطت في ارتكابها كافة الأجهزة الأمنية والعسكرية، إضافة إلى تورط الجهاز القضائي، الذي لم يقم بدوره في حماية حقوق المختفين قسرًا، بل كان أداة مساعدة في تسهيل وتغطية عمليات الاختفاء القسري.
لا تعلم إسلام (32 عامًا) مصير زوجها الذي اعتُقل على أحد حواجز النظام في درعا منذ عام 2014، ورغم محاولاتها مراجعة السجلات المدنية وزيارة بعض السجون، إلا أنها لم تحصل على أي معلومة تحدد مصير زوجها.
وقالت إسلام لعنب بلدي، إنها عندما تسمع عن خروج معتقل تحاول التواصل معه، للبحث عن أي معلومة عن مصير زوجها ولكن دون فائدة، مضيفة أنها فقدت الأمل بأن يكون زوجها على قيد الحياة، وتنتابها موجات من الاكتئاب في المناسبات التي تجمعها بذكريات مع زوجها بعد مرور عشرة أعوام على اعتقاله.
وقال مدير “الشبكة السورية لحقوق الإنسان”، فضل عبد الغني، لعنب بلدي، إن الإخفاء القسري للمعتقلين ساعد النظام في الإفلات من العقاب، في ظل عدم اعترافه بوجود معتقلين لديه، وبنفس الوقت استخدم الأسد الإخفاء القسري كسلاح لترهيب السوريين، وردعهم عن الخروج ضده، إذ إن إبقاء المعتقل في مصير مجهول، يجعل ذويه في حالة توتر وتعب نفسي وتفكير مستمر حول مصير ابنهم، هل مات أم ما زال على قيد الحياة.
وبمناسبة اليوم الدولي للاختفاء القسري، أصدر “الائتلاف الوطني السوري” بيانًا اليوم، أكد فيه أن نظام الأسد استخدم الإخفاء القسري سلاحًا في حربه على السوريين الذين ثاروا طلبًا للحرية عام 2011، وذلك “ضمن منهج إجرامي وحشي يقوم على القتل والإرهاب والتغييب، محاولًا ثني السوريين عن مطالبهم المحقة”.
وأضاف “الائتلاف” أن الأعداد الكبيرة للمختفين قسرًا لدى نظام الأسد، تعكس “الوحشية المفرطة” للأسد تجاه السوريين، وفشل آلية المجتمع الدولي في تعامله مع الملف السوري، إذ لم يستطع الكشف أو الإفراج عن مختفٍ واحد لدى نظام الأسد، على الرغم من فداحة ما يتعرضون له من تعذيب وانتهاكات جسيمة وفق مئات التقارير والأدلة.
ضغط من أجل المحاسبة
على الرغم من عدم وجود أي بوادر أمل في الكشف عن مصير عشرات آلاف المختفين قسرًا في سوريا، وبعد عجز العديد من المبادرات عن تحقيق أثر واضح في الملف، لا تزال منظمات حقوقية تواصل الضغط للكشف عن مصير المختفين قسرًا في سجون النظام.
وقال فضل عبد الغني، إن “الشبكة” تعمل على توثيق حالات وعمليات الاختفاء القسري، وأنشأت قاعدة بيانات مركزية تحتوي على المعلومات والأدلة الخاصة بالاعتقال التعسفي والاختفاء القسري في سوريا، وجمعت عشرات الآلاف من البيانات والوثائق التي دعمت عمليات التحقيق والتحليل التي تقوم بها، أو التي تقوم بها الآليات الأممية والدولية فيما يخص الاختفاء القسري، بهدف مواصلة الضغط من أجل محاسبة مرتكبي هذه الجريمة.
وأضاف عبد الغني، أن النظام السوري لم يفِ بأي من التزاماته في أي من المعاهدات والاتفاقيات الدولية التي صدق عليها، كما أنه أخلّ بعدة مواد في الدستور السوري الذي وضعه هو، فقـد اسـتمر توقيف مئات آلاف المعتقليـن دون مذكـرة اعتقـال لسنوات طويلة، ودون توجيـه تهم، وحظـر عليهم توكيل محامٍ والزيارات العائلية، وتحوّل 68.25% مـن إجمالي المعتقلين إلى مختفين قسـرًا، ولـم يتـم إبلاغ عائالتهم بأماكن وجودهم، وفي حال كررت العائلة الاستفسار لدى الأفرع الأمنية عن مصير ابنها، ربما يتعـرَّض من يقـوم بالسؤال لخطر الاعتقال.
كما سجلت “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” ما لا يقل عن 1634 شخصًا، بينهم 24 طفلًا، و21 سيدة، و16 حالة من الكوادر الطبية، لمختفين تم تسجيلهم على أنَّهم متوفون في دوائر السجل المدني، وذلك منذ مطلع عام 2018 حتى آب 2024، حيث لم يُذكَر سبب الوفاة، ولم يسلم النظام الجثث للأهالي، ولم يُعلن عن الوفاة وقت حدوثها.
“آلية دولية”
في حزيران 2023، أنشأت الجمعية العامة للأمم المتحدة “مؤسسة مستقلة” من أجل الكشف عن مصير آلاف المفقودين في سوريا على مدى 12 عامًا، بناء على طلب متكرر لأهاليهم وللمدافعين عن حقوق الإنسان.
المؤسسة الأممية حملت اسم “الآلية الدولية لكشف مصير المفقودين في سوريا”، حيث أقرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة، بعد تصويت حظي بموافقة 83 عضوًا ورفض 11 آخرين.
تنص الآلية على إنشاء مؤسسة بتمويل أممي ضمن ميزانية محددة، وتضم موظفين بمختلف التخصصات، ومحققين في الإخفاء القسري، ومهمتهم جمع المعلومات من المصادر المفتوحة، والخاصة مع التركيز على البيانات التي قدمها أهالي المختفين، وتكليف مختصين بالبحث في الصور المسربة لضحايا التعذيب.
وقال مدير “رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا”، دياب سرية، لعنب بلدي، إن النظام السوري يصر على رفض الاعتراف بإخفاء السوريين من خلال تسييس ملف الإخفاء القسري والاعتقال، للحد من أثر أي خطوات تسهم بالكشف عن مصير آلاف المحتجزين في مراكز الاعتقال التابعة له، لذا تحاول الآلية الدولية تجاوز هذا التسييس من خلال استمرار التأكيد على أنها “محايدة”، وهدفها إنساني تجاه جميع أطراف النزاع.
ويرى سرية أن الآلية الدولية التي أقرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة، تعد نافذة أمل للكشف عن مصير آلاف المختفين قسرًا في سوريا، رغم عدم توقع تجاوب سريع، أو أثر على المدى المنظور.
ما الاختفاء القسري؟
منذ عام 2011، يحيي العالم سنويًا في 30 من آب ”اليوم الدولي لضحايا الاختفاء القسري”، بعد أن أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة اعتمادها “الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري” في كانون الأول 2010.
وعرّف الإعلان المتعلق بحماية جميع الأشخاص من الإخفاء القسري الذي اعتمدته الجمعية العامة في قرارها عام 1992 بأنه: “القبض على الأشخاص واحتجازهم أو اختطافهم رغمًا عنهم أو حرمانهم من حريتهم على أي نحو آخر على أيدي موظفين من مختلف فروع الحكومة أو مستوياتها أو على أيدي مجموعة منظمة، أو أفراد عاديين يعملون باسم الحكومة أو بدعم منها، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، أو برضاها أو بقبولها، ثم رفض الكشف عن مصير الأشخاص المعنيين أو عن أماكن وجودهم أو رفض الاعتراف بحرمانهم من حريتهم، ما يجرد هؤلاء الأشخاص من حماية القانون”.
تهدف “الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري” التابعة للأمم المتحدة إلى منع الاختفاء القسري المحدد في القانون الدولي.
وتعرف المادة “2” الاختفاء القسري من الاتفاقية بأنه الاعتقال أو الاحتجاز أو الاختطاف أو أي شكل من أشكال الحرمان من الحرية يتم على أيدي موظفي الدولة، أو أشخاص أو مجموعات من الأفراد يتصرفون بإذن أو دعم من الدولة أو بموافقتها، ويعقبه رفض الاعتراف بحرمان الشخص من حريته أو إخفاء مصير الشخص المختفي أو مكان وجوده، ما يحرمه من حماية القانون.
ويقع على عاتق الدولة اتخاذ التدابير الملائمة للتحقيق في التصرفات المحددة بالمادة “2”، التي يقوم بها أشخاص أو مجموعات من الأفراد يتصرفون دون إذن أو دعم أو موافقة من الدولة، وتقديم المسؤولين إلى المحاكمة.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :