عام على شرارة القتال في دير الزور.. أين “أبو خولة”

القائد السابق لمجلس دير الزور العسكري التابع لقسد أحمد الخبيل الملقب أبو خولة (تعديل عنب بلدي)

camera iconالقائد السابق لمجلس دير الزور العسكري التابع لقسد أحمد الخبيل الملقب أبو خولة (تعديل عنب بلدي)

tag icon ع ع ع

مرَّ عام على اندلاع شرارة الأحداث الأمنية في محافظة دير الزور شرقي سوريا، بعد أن اعتقلت “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) قائد “مجلس دير الزور العسكري” التابع لها، أحمد الخبيل، أو “أبو خولة” كما يعرف في المحافظة التي ينحدر منها.

ما تبع اعتقال “أبو خولة” من انتفاضة عشائرية ضد “قسد” لا تزال المنطقة تعاني آثاره حتى اليوم، إذ نشأ تكتل عشائري عسكري، مجهول القوام وغير معلن التبعية، يهاجم مقرات ونقاطًا عسكرية لـ”قسد” بشكل يومي، وتتهمه الأخيرة بتلقي الدعم من النظام السوري وإيران.

وشهدت دير الزور تطورات متسارعة عقب اعتقال “أبو خولة”، إذ تفاقمت الأوضاع الأمنية، لكن “قسد” لم تعد تشكيل “المجلس العسكري” الذي كان يعتبره سكان المنطقة ذات الطبيعة القبلية مظلة تؤمن بعض حقوقهم، رغم الانتهاكات التي تنسب للخبيل بحق أبناء المنطقة.

ولا يزال بعض سكان المنطقة، ممن تواصلت معهم عنب بلدي، يعتقد أن غياب المجلس العسكري فتح الباب أمام “تسلط” سلطات المنطقة على أبنائها.

وشهد ريف دير الزور الشرقي والشمالي معارك مسلحة استمرت لأكثر من شهر بين مقاتلين من “المجلس العسكري” مدعوم بالعشائر العربية من جهة ضد “قسد”، تركزت في أرياف دير الزور الشمالية والشرقية، وانتهت بسيطرة “قسد” على المنطقة.

ومع بداية نهاية المواجهات التي أسفرت عن اعتقال أحمد الخبيل، قال مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة، إن المواجهات في أرياف دير الزور الشمالية والشرقية بين “قسد” والمقاتلين المحليين، أسفرت عن 69 قتيلًا و96 جريحًا.

ونقل “المكتب” عن تقارير، أن الوضع الإنساني في المناطق المتضررة “مأساوي” إذ يعاني مئات الأشخاص من نقص المياه والغذاء وحليب الأطفال والأدوية وإمدادات الطاقة.

وأشار إلى أن آلاف الأشخاص، معظمهم من النساء والأطفال والمسنين، عبروا نهر الفرات إلى المناطق التي تسيطر عليها قوات النظام السوري على الضفة الغربية هربًا من المعارك الدائرة شرق الفرات.

“أبو خولة” مجهول المصير

اعتقلت “قسد” أحمد الخبيل، في 27 من آب 2023، بعد أن دعته مع قادة “المجلس العسكري” لاجتماع في محافظة الحسكة، ووضعت القادة الآخرين تحت إقامة جبرية ريثما تتخلص من ارتدادات الاعتقال في محافظة دير الزور.

وفي 30 من الشهري نفسه، أعلنت “قسد” عن عزل “أبو خولة”، وذلك عبر بيان نشرته في موقعها الرسمي قالت فيه إن قرار العزل جاء بعد “شكاوى قدمها الأهالي، وسكان دير الزور بحقه”، دون الإشارة إلى قيادة الصف الأول في “المجلس العسكري” المحتجزين لديها في الحسكة.

وأضاف البيان أن قرار العزل جاء بناء على أمر اعتقال صادر عن النيابة العامة في شمال شرقي سوريا، بسبب ارتكابه “العديد من الجرائم والتجاوزات المتعلقة بتواصله والتنسيق مع جهات خارجية معادية للثورة”.

واتهمته أيضًا بارتكاب “جرائم جنائية بحق الأهالي وتجارة المخدرات”.

ووجه البيان اتهامات لقائد “المجلس” تضمنت سوء إدارة الوضع الأمني في دير الزور، ودوره السلبي في زيادة نشاط خلايا تنظيم “الدولة الإسلامية”، واستغلال منصبه في “مصالحه الخاصة والعائلية بما يخالف النظام الداخلي لـ”قوّات سوريا الديمقراطية”.

اليوم ومع مرور عام، لايزال مصير “أبو خولة” مجهولًا، ووفق معلومات حصلت عليها عنب بلدي من أحد أقاربه، لم يعرض الخبيل لمحاكمة، وهو يعاني من وضع صحي غير مستقر.

ووفق قريب “أبو خولة” لم تسمح “قسد” لأفراد عائلته بزيارته منذ لحظة اعتقاله قبل عام، مشيرًا إلى أن عمل “المجلس العسكري” شبه معلق بالرغم من أن “قسد” وضعت “أبو علي فولاذ” قائدًا عامًا لـ”المجلس” خلفًا للخبيل كوضع مؤقت، دون إعلان رسمي.

وأضاف المصدر، الذي تحفظ على ذكر اسمه لأسباب أمنية، أنه لا يوجد أي انتشار فعلي لـ”المجلس العسكري” على الأرض منذ عام، ولا يظهر “المجلس” إلا في اجتماعات القيادة العامة لـ”قسد”.

دير الزور “تغيّرت”

رغم الانتهاكات التي تنسب لـ”أبو خولة” و”المجلس العسكري” في دير الزور قبل أكثر من عام، يعتقد بعض سكان المنطقة أن غياب “المجلس” عن المحافظة ترك سكانها دون غطاء، فقد كان الخبيل يسهّل عمل الصحفيين المحللين مثلًا، ويسهم بتقديم بعض الخدمات للمنطقة.

عمر الخطاب، صحفي من مدينة دير الزور، يرى أن أبرز نتائج اعتقال الخبيل هو تصاعد نفوذ كوادر “حزب العمال الكردستاني” (PKK) في إدارة شؤون المحافظة، حيث باتت كوادر الحزب تسيطر بشكل شبه كامل على القرارات المصيرية، ما أثار حفيظة القبائل العربية التي تشكل الغالبية المطلقة من سكان المنطقة.

عمر، المقيم في مناطق سيطرة “قسد” بدير الزور، قال لعنب بلدي إن المنطقة شهدت تدهورًا حادًا في الأوضاع الاقتصادية والخدمية، ما أسهم في تفاقم الأزمة المعيشية للسكان.

وتحت حالة التذمر من قبل سكان المنطقة، والهجمات التي تعاني منها “قسد”، لم تصل إلى أي نتيجة فيما يتعلق بإعادة هيكلة “المجلس”، كما لم تفِ بأي من وعودها التي طرحتها للإصلاح، عقب المواجهات التي نجمت عن اعتقال الخبيل في دير الزور.

وفي تشرين الأول 2023، وعدت “الإدارة الذاتية”، وهي المظلة السياسية لـ”قسد”، بإصلاحات في محافظة دير الزور على خلفية المواجهات العسكرية ، وحددت مدة ستة أشهر لإنجاز تلك الإصلاحات، لكنها لم تطبق على أرض الواقع رغم مرور نحو عام على إطلاق هذه الوعود.

وعقدت “الإدارة” في دير الزور حينها مؤتمرًا أطلقت عليه اسم “تعزيز الأمن والاستقرار نحو تطوير وترسيخ التشاركية بدير الزور”، طرحت وعودًا أبرزها إعادة هيكلة “مجلس دير الزور العسكري”.

وفي الوقت الذي تحاول “قسد” إبراز اسم “المجلس” على أنه حاضر في ساحة المحافظة مجددًا، وأنه لا مشكلة داخلية لديها، لم تتمكن حتى اليوم من إنجاز إعادة الهيكلة، ويبقى الفصيل الذي كان يسيطر على أجزاء من دير الزور، ويمثل عشائر المنطقة، مقوّض النفوذ.

الصحفي عمر الخطاب، قال إن استمرار تهميش المكون العربي في دير الزور، وتصاعد التوترات في المنطقة، قد يؤدي في نهاية المطاف لعودة المواجهات إلى المنطقة، خصوصًا مع محاولات النظام السوري استغلال المظلومية العربية للتجييش ضد “قسد” في دير الزور.

وأضاف أن سكان المنطقة يعولون حتى اليوم على تدخل التحالف الدولي لضبط سلوك كوادر “العمال الكردستاني”، الذين بتحكمون بمفاصل القرار في المنطقة، ويهمّشون أبناءها من العرب، في حين لا يزال التحالف حتى اليوم إما محايدًا، أو داعمًا لموقف “قسد”.

الخبيل متهم بانتهاكات

لم يحظَ أحمد الخبيل بشعبية بسبب سمعته الإيجابية بين سكان المنطقة، ولكنه استفاد من بعض الروابط العشائرية لتعزيز نفوذه بالمناطق التي تسيطر عليها “قسد” من محافظة دير الزور.

وتنسب العديد من الانتهاكات للخبيل، أو “أبو خولة”، أبرزها كان قضية اغتصاب شابتين في كانون الأول 2022، وهما زوجة وشقيقة أحد عناصر “المجلس” وأجبرت الشابتان لاحقًا على نفي الاتهامات التي وجهت للخبيل باغتصابهما تحت التهديد، وفق ما قاله أحد أقاربهما لعنب بلدي.

حينها أصدرت “الإدارة الذاتية” بيانًا قالت فيه إن جريمتي قتل حدثتا بـ”ظروف غاية في الوحشية” بحق الفتاتين ازدهار نبيل مهنا، ونجلاء عبد الحكيم فتيح، مشيرة إلى أن قوى “الأمن الداخلي” (أسايش) باشرت بالتحقيقات التحري لكشف ملابسات هذه الجريمة.

التحقيقات لم تفض إلى نتيجة حتى اليوم، رغم مرور نحو عامين على وقوعها.

وعقب انتشار الأنباء عن الجريمة التي اتهم فيها قادة بـ”مجلس دير الزور” اندلعت احتجاجات ضد المجلس” غربي دير الزور، واستمرت لأسبوعين، في حين قال “أبو خولة”، عبر تسجيل مصوّر، إن لا علاقة له بمقتل فتاتين بدير الزور، واعتبر أن ما تداولته وسائل إعلام “مغرضة” حول الأمر اتهامات غير صحيحة.

وأشار إلى أن “المجلس” أطلق تحقيقًا حول الجريمة، لمعرفة من يقف خلفها.

ونشرت شبكة “نهر ميديا” المتخصصة بتغطية أخبار المحافظة، تسجيلًا مصورًا بعد وقوع الجريمة، تظهر مسلحين يحتجون في دير الزور، ويتهمون “مجلس دير الزور” بالوقوف خلف قتل الفتاتين.

المسلحون تطرقوا أيضًا خلال التسجيل المصوّر إلى أن “المجلس العسكري” مسؤول عن تصفية شباب من أبناء المنطقة، ونسب عمليات التصفية لتنظيم “الدولة الإسلامية” الذي ينشط في المنطقة.

تداعيات أمنية لا تزال حاضرة

لم تنقطع هجمات المجموعات المسلحة القبلية عن دير الزور، واستهدفت بمعظمها مواقع عسكرية لـ”قسد” في المنطقة، كان أكبرها في 7 من آب الحالي، عندما اندلعت اشتباكات عرفت بأنها الأوسع بين الجانبين.

يقود هذه المجموعات ذات الطابع العشائري إبراهيم الهفل، وهو شخصية عشائرية تتهم بالتبعية للنظام وإيران، صار يعرف بكونه يقود القوات العشائرية، بعد اعتقال الخبيل.

وكانت المجموعات العشائرية مدعومة بقوات من “الدفاع الوطني” و”لواء الباقر” المدعوم إيرانيًا شرقي دير الزور، وبغطاء مدفعي من قوات النظام السوري المتمركزة على الضفة الغربية لنهر الفرات.

وعلى خلفية هذه الأحداث، فرضت “قسد” حظرًا للتجول، انعكس على الوضع المعيشي لسكان المنطقة، وأغلقت المعابر المائية التي تربط مناطق سيطرتها، بمناطق سيطرة النظام على الضفة المقابلة للنهر.

وفي 15 من آب، علق مكتب تنسيق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية (OCHA) على اشتباكات دير الزور شرقي سوريا، التي أثرت على وصول المساعدات والخدمات الأساسية للمدنيين في محافظتي دير الزور والحسكة.

وذكرت “OCHA” أن دير الزور شهدت اشتباكات عنيفة وعمليات قنص، ما أدى إلى مقتل 25 مدنيًا على الأقل وإصابة آخرين ونزوح أعداد كبيرة.

وأعاق إغلاق معابر نهر الفرات والاشتباكات “بشدة” وصول المدنيين إلى الخدمات الأساسية والمساعدات الإنسانية، وتقييد الوصول إلى الرعاية الصحية والمياه والغذاء بشكل كبير، ما أدى إلى ارتفاع الأسعار وتفاقم الظروف المعيشية القاسية، بحسب “OCHA”.


شارك في إعداد هذه المادة مراسل عنب بلدي في دير الزور عبادة الشيخ.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة