بداية؛ أشكر الصديق الصحفي الفلسطيني، ماجد كيالي، الذي اتصل بي، وأبدى حرصه علي، وعلى صداقتنا، وحاورني بكل احترام، وأكد أن موقفي الداعم للقضية الفلسطينية لا ريب فيه، وقال: ولكن مقالك فيه أخطاء معرفية. وعرض علي وجهة نظره التي تستحق الاحترام، بالطبع.
عندما أسمع أكثر من رأي يعارض رأيي، فإنني أمتلك من الشجاعة ما يكفي لمراجعته، وتصحيحه، والتراجع عنه إذا لزم الأمر، ولذلك سأوضح، أن ما أكتبه في “عنب بلدي”، أسبوعيًا، عمود صغير، 400 كلمة، وليس مقالة بحثية متخصصة، وقد اعتدت، فيما أكتب، طرح أفكار ربما كانت صادمة، ومنها دعوتي لإنهاء الصراع مع إسرائيل، وهذه ليست دعوة مجانية، أو انهزامية، أو عبثية، وإنما تدخل في باب النقد الذي أطلق عليه الصديق الدكتور حازم نهار، اسم “النقد التضامني”، بمعنى أنني واحد من أبناء هذه القضية، وأعرف حجم التضحيات والخسائر التي مني بها مجتمعنا (العربي والسوري)، والنزيف الاقتصادي والبشري الذي ما نزال نعاني منه، بسبب الصراع العربي الإسرائيلي، وأنا أخطأت حينما استخدمت في مقالتي، ضمير المخاطب، والصواب أن أستخدم ضمير “نحن السوريين”.. والصديق حازم اعترض على مصطلح “صلح”، والأفضل أن نسميه “تسوية”، لأن هذا ليس خلافًا عابرًا بين دولتين، بل صراع مستمر منذ ثلاثة أرباع القرن، مع إسرائيل التي تحتل أراضينا، وتستوطنها، وتتوسع باستمرار، وأوضح أن التسويات، عادة، تُحسب فيها موازين القوى، والأوراق التفاوضية، وأن القوة، أو العنف، جزء من القضية، وليس كلها..
صديق آخر، لا يريد ذكر اسمه، أوضح لي أن إسرائيل هي التي ترفض السلام، وحينما قلت له إن رئيس منظمة التحرير ياسر عرفات، نفسه، وقع اتفاق سلام مع الإسرائيليين، في أوسلو 1993، أجاب: ولكن الإسرائيليين لم يلتزموا به، وما زالوا يقضمون الأراضي الفلسطينية.. وبما أنك تتحدث من منطلق “السوري”، وترى أن سوريا الآن في حالة يرثى لها، ولم يعد لديها رفاهية استمرار الصراع مع إسرائيل، أذكّرك بأن حافظ الأسد فاوض الإسرائيليين، زمنًا طويلًا، وكانوا على وشك توقيع اتفاقية سلام مع سوريا، ولكن القضية انتهت بقتل رابين 1995، لأن المجتمع الإسرائيلي، ومن خلال الصراع بين الليبراليين والمتطرفين، لم يتحمل فكرة السلام.
طيب، إلى أين سنصل من وراء هذه المساجلات؟ دعني ألخص القضية في هذين البندين.
أولًا- إن الأصدقاء الذين يعارضون الفكرة التي أتيت بها، يشتغلون على “سد الذرائع”. تقول له إن السادات وقع اتفاقية سلام وحصل على سيناء، يردون بأن السادات وجه ضربة قوية للقضية، وما فعله لم يكن إنجازًا جيدًا. تتحدث عن أوسلو، يقولون إن إسرائيل لم تلتزم. هل هذا يعني أن نواجه إسرائيل بالقوة، مع أنها تمتلك كل هذه الفوائض من القوة، ومن شهوة الحرب؟
ثانيًا- ما كتبتُه، رأي، والرأي يصيب ويخطئ، ولكن الغريب في الأمر ذلك الهجوم الشرس الذي أتعرض له منذ نشر المقالة، وبعض المهاجمين طوروا هجومهم وراحوا يشتمون الجريدة، ويطالبونها بحذف المقال، مع أنهم “ثوار” على نظام كان يراقب الصحف، ويمنع الرأي الآخر.