هل الصلح مع إسرائيل ممكن؟
عدنان علي
ما يلفت النظر في تفاعل الساحة السورية مع ما تشهده المنطقة من تطورات ساخنة، خاصة ما يرتبط بالحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وارتداداتها الإقليمية والدولية، هو وجود قدر من السلبية على المستوى الرسمي (نظام ومعارضة) مع تفاعل بالحد الأدنى، في حين انقسم المستوى الشعبي، وخاصة فئة المثقفين بين متعاطف بلا تحفظ مع المقاومة الفلسطينية (حركة حماس) والشعب الفلسطيني، أو مع تحفظ على “حماس”، بسبب علاقتها المفترضة مع إيران.
لكن، بالتوازي، بدأت تطفو أصوات خافتة حينًا، وصاخبة أحيانًا، لا تتورع عن كيل الشتائم والاتهامات للفلسطينيين وقضيتهم، بل وإظهار بعض التعاطف مع إسرائيل، تحت ذرائع شتى منها ما يتصل بعدم الرضى عن موقف طرف فلسطيني معين مما حدث في سوريا (ينطبق هذا على بعض المعارضين والموالين على السواء) أو بدعوى أن الأولوية هي للقضية السورية، ولا مجال للتعاطف مع غيرها، وهذا موقف في خلفيته عقود من متاجرة النظام في سوريا، والأنظمة العربية عمومًا، بالقضية الفلسطينية، وإهمال قضاياها الوطنية، والتمكين لأنظمتها الديكتاتورية، بذريعة التصدي للخطر الصهيوني.
وعلى هذه الأرضية، يحاول البعض تحويل هذه الانفعالات إلى موقف سياسي “عقلاني” يقوم على الاعتراف بموازين القوى على أرض الواقع التي تميل لصالح إسرائيل المدعومة بقوة من الغرب والولايات المتحدة خاصة. وفي ضوء عدم توفر مقومات المواجهة المتكافئة، فإن تكاليف المصالحة معها، تبقى أقل، ما يوفر الجهد والموارد للالتفات نحو القضايا الأكثر إلحاحًا على صعيد تحقيق السلام الداخلي، ودفع جهود البناء والتنمية.
قد يبدو هذا طرحًا منطقيًا للوهلة الأولى، لكنه في الحقيقة غير واقعي ببساطة لسببين:
الأول انه لا يوجد شريك إسرائيلي راغب بالسلام مع العنصر الأساسي في الصراع وهم الفلسطينيون، ودفع ثمن هذا السلام. وسياسة إسرائيل المعلنة، هي عدم الاعتراف بأية حقوق سياسية لهم، والاستيلاء على ما تبقى لديهم من أراض، ومحاولة دفعهم، سواء في غزة أم الضفة والقدس، للهجرة خارج أرض فلسطين، بدعوى أن لهم وطن موجود بالفعل، وهو الأردن.
والسبب الثاني أنه حتى بالنسبة للدول العربية الأخرى، فإن إسرائيل غير معنية بتحقيق السلام معها، وأقصى ما تريده هو تطبيع نفعي مع بعض، وليس كل، الدول العربية، التي تتوقع إسرائيل أن العلاقة معها مفيدة مثل السعودية والإمارات بهدف جذب استثمارات منها، وبناء تحالف سياسي وعسكري ضد إيران مثلًا، أو أية قوى أخرى، وهذا هدف أمريكي في الأساس، يتوخى أن تعتاش إسرائيل على حساب دول المنطقة الغنية، لتخفيف العبء المالي عن الولايات المتحدة.
وبطبيعة الحال، حتى لو أقامت كل الدول العربية علاقات طبيعية مع إسرائيل، وأنهت حالة العداء المفترضة، فإذا بقيت القضية الفلسطينية دون حل، لن يكون هناك سلام في المنطقة، وسيظل الفلسطينيون (أصحاب القضية) في حالة مواجهة مع إسرائيل ما يضع الدول العربية المطبعة مع إسرائيل في حرج مستمر كما هو حاصل اليوم مع أحداث غزة. وستحاول إسرائيل من جهتها، عزل الفلسطينيين، عن محيطهم العربي، وجر بعض العرب إلى صفها في اعتبارهم مصدر التوتر في المنطقة، وبذلك يكون الحلف المطروح مع إسرائيل ضد الفلسطينيين أيضًا.
ومن نافل القول، إن مثل هذا “السلام” أي التطبيع الرسمي بين إسرائيل والأنظمة العربية (وليس الشعوب) لا يحمل أية عوامل استقرار واستدامة، ويفتقر لأية عناصر ردع من جانب تلك الأنظمة حيال إسرائيل التي لا يخفى أن لديها أطماعًا حتى في أراضي بعض الدول العربية المجاورة للوصول إلى منابع المياه في سفوح جبل الشيخ وجنوب لبنان إلى نهر الليطاني وسهول حوران، وحتى جزء من أراضي سيناء، وستظهر هذه الأطماع، حالما يستتب الأمر لها داخل أرض فلسطين التاريخية، بين النهر والبحر.
وبالنسبة للعلاقة مع سوريا تحديدًا، فمن الثابت أن إسرائيل تواطأت مع إيران وروسيا لبقاء حكم الأسد، بغية استدامة الوضع السوري الراهن، حيث لا غالب ولا مغلوب، بل نظام ضعيف، لا يشكل أي خطر على إسرائيل، هاجسه الأوحد البقاء على كرسي الحكم، مع تكريس قناعة لديه بأن مفتاح البقاء في السلطة هو إرضاء إسرائيل، وهو ما اتضح جليًا في موقف النظام من حرب غزة، إذ اتخذ سياسة النأي بالنفس عما يجري، حتى لو كلفه ذلك الخروج من “محور المقاومة” الإيراني.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :