عنب بلدي – يامن المغربي
رفضت شعبة القضاء الإداري في مجلس الدولة بلاهاي، أعلى محكمة إدارية في هولندا، طلب لجوء تقدّمت به سيدة سورية، باعتبارها “لا تواجه خطرًا جسيمًا في حال عودتها إلى سوريا”.
قرار المحكمة الهولندية اعتمد على زيارات قامت بها السيدة إلى سوريا قبل تقديمها طلب اللجوء، وبقيت هناك لمدة تجاوزت الثلاثة أشهر.
القرار الهولندي الذي تزامن، وإن بشكل منفصل، مع تحركات الاتحاد الأوروبي للحد من استقبال اللاجئين والمهاجرين، جاء كذلك مع جدل متكرر بين السوريين في وسائل التواصل الاجتماعي، حول زيارات يقوم بها لاجئون حصلوا على جنسيات أوروبية إلى سوريا، وتحديدًا إلى مناطق يسيطر عليها النظام السوري.
وليس من الضروري أن تكون هولندا الدولة الوحيدة التي قد تصدر قوانين أو أحكامًا قضائية تتعلق بسحب الإقامات بذريعة الأمان في البلد الأم، وقد تحذو دول أخرى حذوها، خاصة مع تحركات الدنمارك قبل سنوات بهذا الصدد.
وفي نيسان الماضي، قررت التشيك وقبرص إرسال “بعثة لتحديد مناطق آمنة في سوريا”، تمهيدًا لطريق العودة المحتملة للاجئين “بشروط صارمة”.
عبر “فيس بوك” أو “يوتيوب“، تتوالى التعليقات من سوريين على منشورات أو مقاطع مصورة نشرها سوريون لتوثيق زيارتهم إلى سوريا بعد غياب سنوات، وسرعان ما تتبادل مختلف الأطراف، الموالية أو المعارضة، الاتهامات حول الزيارة وأسبابها.
يتمحور الجدل حول أسباب العودة وغياب المنطق بها، وبين من يدافع عن حق اللاجئ بزيارة بلده الأم، تحديدًا بوجود أسباب ضرورية أو قاهرة، يرى آخرون أن هذه الزيارات تضر بلاجئين آخرين تقدموا بالحصول على طلبات اللجوء ولم يبتّ بأمرها بعد، أو يرغبون بمغادرة سوريا.
وبالتالي فإن هذه الزيارات التي تستغلها أحزاب اليمين المتطرف الأوروبية لرفض اللاجئين، تصب في هذا المسار كذلك.
تخالف المنطق
“قبول طلب اللجوء يأتي لأسباب إنسانية أو سياسية، ومن يزور بلاده التي هرب منها لهذه الأسباب، فإنه ينسف فكرة أن سوريا بلد غير آمن، وبالتالي يؤثر على سوريين آخرين أيضًا”، قال خالد، سوري يقيم في هولندا لعنب بلدي.
وصل خالد (50 عامًا) إلى هولندا في 2022، بعد أن قامت زوجته بتقديم طلب “لمّ شمل” لعائلتها، ويرى في حديثه لعنب بلدي أن المنطق يفرض ألا يزور طالب اللجوء بلده الأصلي حتى بعد حصوله على الإقامة.
وإن كانت الحجة الرئيسة لطلب اللجوء هي تجنب الخطر وغياب الأمان في البلد الأم، فمن غير المعقول فعل هذا الأمر إلا في حالات نادرة وضرورية للغاية، كحالة وفاة أحد الوالدين، بحسب رأيه.
لا تتوفر إحصائيات حول أعداد السوريين ممن زاروا سوريا وتحديدًا مناطق النظام السوري بعد حصولهم على الإقامات أو الجنسية في بلد تقديم اللجوء، إلا أن هذه الزيارات يستغلها اليمين المتطرف الذي حصد مقاعد واسعة ضمن انتخابات البرلمان الأوروبي الأخيرة، في حزيران الماضي، لمناهضة وجود واستقبال اللاجئين.
وفي حين أشار خالد في حديثه إلى إمكانية الزيارة لأسباب قاهرة، يُظهر الجدل المنتشر وجود آراء أخرى تعارض حتى هذا النوع من الزيارات.
عصام (32 عامًا) حاصل على الجنسية الهولندية أيضًا، قال لعنب بلدي، إنه زار سوريا مرتين بعد حصوله على الجنسية الهولندية، وكانتا لغرض الاطمئنان على عائلته.
وأضاف، “أول الأسباب التي شجعتني على العودة كان عدم وجود مانع أمني، لست مطلوبًا للفروع الأمنية ولا للخدمة العسكرية الإلزامية”.
حصل عصام على تذكرة طائرة من أمستردام إلى بيروت، ومنها استقل سيارة أجرة خاصة إلى سوريا، ليكون بجانب عائلته خلال عملية قسطرة قلبية سيجريها والده.
وقال لعنب بلدي، “كان والدي مريضًا، أجرى عملية قلب مفتوح في 2007، وفي 2022، اضطر لإجراء عملية قسطرة والعملية كانت خطيرة بسبب ظرفه الصحي، ولا يمكنني ألا أكون بجانبه وبجانب والدتي، وكان هذا السبب الرئيس للزيارة”.
وأضاف أنه لو لم يكن الأمر كذلك لما فكر بزيارة سوريا نهائيًا، لأن الخروج نفسه كان نهائيًا لجيل رحل مبكرًا عن بلاده ولم يرَ منها شيئًا ولا حتى ذكريات جميلة، ولم يعلق بذاكرته سوى القصف والقتل والمعارك، بحسب رأيه.
دفع الشاب السوري الذي يعمل طباخًا مبلغًا قارب الـ10 آلاف يورو حتى يصل إلى سوريا، معظم النقود ذهبت لدفع “بدل الخدمة الإلزامية”، بما يقارب 7000 يورو، بالإضافة إلى مخالفات بقيمة 600 يورو، عدا عن سعر تذاكر الطيران والمصاريف الأخرى.
خلال المراهقة، زار عصام بيروت في رحلة عائلية قصيرة، ولدى عودته شعر بشوق لمدينته وتفاصيل يومه الروتيني، لكن هذه المرة كان الحال مختلفًا، “لم أشعر بأي شعور عاطفي تجاه سوريا خلال الزيارتين، بل شعرت بغربة أكبر”، قال لعنب بلدي.
وتشكل المبالغ التي يدفعها السوريون للنظام السوري مقابل حصولهم على أوراق ومستندات قانونية، مصدرًا اقتصاديًا مهمًا للأخير، وكذلك تعدّ مصدرًا للقطع الأجنبي، لم تغب هذه المعلومة عن ذهن عصام، الذي قال لعنب بلدي، إن النظام يحاصر السوريين من هذه البوابة ويستغلهم.
واضطر لدفع “بدل الخدمة العسكرية” مع تهديده إن وصل لسن الـ40 عامًا دون أدائها أو الدفع، بالحجز على أمواله في البلاد، كما أنه لا يوجد حل آخر ليلتقي بأهله في ظل صعوبة حصولهم على تأشيرة دخول إلى أوروبا.
اليمين يستغل الزيارات سياسيًا
“هذه الزيارات تؤدي إلى قرار رفض اللجوء”، قال خالد، مستشهدًا بحالتين لسيدتين زارتا البلاد وهما متقدمتان بطلبي لجوء، ما تسبب برفض الطلبين.
عند وصول طالب اللجوء إلى وجهته وتقديمه للطلب، وضمن الإجراءات القانونية، تجري معه السلطات المختصة مقابلة تستفسر خلالها عن جنسيته، وكيفية وصوله، والأسباب التي دفعته للخروج من بلده وطلب اللجوء، ثم يصدر القرار النهائي عن السلطات المعنية بقبول أو رفض الطلب.
وقال خالد، عند تقديم الطلب يتعرض طالب اللجوء لهذه الأسئلة، وبعد القبول يحصل اللاجئون على مساعدات مادية وسكن ويتعلمون اللغة، بالإضافة إلى حصولهم على التأمين الصحي والتعليم المجاني لأطفالهم، وبعضهم يستكملون دراستهم الجامعية إن استطاعوا الحصول على منحة دراسية من المنظمات الداعمة للاجئين.
وتساءل خالد، بعد هذه التفاصيل، أين المنطق في زيارة الإنسان لبلد خرج منه بعد أن أصبحت لديه إقامة في بلد اللجوء، هذا يؤثر بشكل مباشر على وضعية اللاجئين ومن يرغب بالخروج من سوريا كذلك، قال لعنب بلدي.
وأضاف أن التأثير أصبح واضحًا مع التحركات الأخيرة للحكومة الهولندية، سابقًا كان الأمر مقتصرًا على جدالات سياسية وتجاذبات بين الأحزاب، وهذه الزيارات تنسف فكرة أن سوريا بلد غير آمن، وبالتالي تؤثر على الجميع، بحسب وجهة نظره.
ونجح حزب “من أجل الحرية” وحزب “يمين الوسط” ومجلس الأمن القومي الوسطي وحزب “المزارعين”، في أيار الماضي، بالاتفاق على تشكيل حكومة ائتلافية، بعد حصولها على 88 مقعدًا من أصل 150 مقعدًا في البرلمان الهولندي.
ويأتي على رأس السياسيين اليمينيين في هولندا، خيرت فيلدرز، الذي عُرف كأحد أبرز المناهضين للاجئين والهجرة، ويتزعم حزب “من أجل الحرية”.
وجاء في تحليل نشره مركز “الهجرة والسياسة والمجتمع”، التابع لجامعة “أوكسفورد” في 4 من كانون الأول 2023، أن احتمال تنفيذ السياسات المتعلقة بالهجرة، والتي يقترحها فيلدرز، يعتمد بشكل مباشر على تشكيل الائتلاف الحاكم، وبالتالي تحقيق أجزاء من أجندة السياسي الهولندي.
وتشمل الأجندة، وفق التحليل، معارضة النفوذ الإسلامي داخل هولندا، وحظر المدارس الإسلامية والمساجد، وتقديم تصاريح عمل بشكل حصري لمواطني دول الاتحاد الأوروبي.
فيما يرى موقع “داتش نيوز” الهولندي، أنه يمكن للحكومة المقبلة أن تقيد الهجرة من غير طالبي اللجوء من دول الاتحاد الأوروبي، وهو ما سيمنع الأشخاص من القدوم للعمل في البلاد.
وكان على رأس برنامج فيلدرز الانتخابي، إغلاق الحدود أمام اللاجئين، وتغيير سياسة الهجرة التي انتهجتها الحكومات المتعاقبة.
والأمر لا يتعلق بهولندا فقط، بل يشمل كذلك عدة دول أوروبية تتخذ الخط نفسه، وإن كان بخطوات مختلفة.
بالنسبة لعصام، فإن وجود أهله في سوريا والوحدة الشديدة التي يشعر بها في هولندا، كانا الدافعين الوحيدين له لزيارة البلاد، وهذه الزيارة لا تعني أن له موقفًا مواليًا للنظام السوري، ويرفض تصنيفه كرمادي (أي لا يملك موقفًا واضحًا من النظام السوري).
وقال لعنب بلدي، “لست رماديًا، لدي موقف مما حصل، النظام دمر البلاد والناس جائعون، ومن حمل لواء المعارضة وقال سآخذ بحق الشعب لم يفعل، الناس لم تستفد شيئًا”.
ومع تحركات منظمات حقوقية سورية في أوروبا، أُبلغ عن وجود عناصر أمنيين تابعين للنظام أو أعضاء في ميليشيات ارتكبت انتهاكات بحق السوريين حصلت على حق اللجوء، وتتم محاكمتهم في الدول الأوروبية.
من يحق له الزيارة؟
تميز القوانين الأوروبية عمومًا بين أنواع الإقامات للمقيمين داخل دول الاتحاد، ووفق التصنيف يتضح بشكل قانوني من يحق له زيارة بلده الأم دون تعرضه لمساءلة قانونية وبين من لا يحق له ذلك.
المسؤولة في جمعية “اللاجئين والتعليم العالي” في فرنسا، ريتا كاتولة، أوضحت في حديث لعنب بلدي، أن طالبي اللجوء في دول الاتحاد يكونون أمام نوعين من الإقامة.
فإما أن يكونوا تحت الحماية الدولية، أو الحماية الفرعية، وتختلف وفق مسببات اللجوء وكذلك مدة الإقامة الممنوحة لكل نوع من أنواع الحماية، وكلتا الحالتين لا تسمح بزيارة البلد الأم.
فيما ينقسم القادمون عبر عملية “لمّ الشمل” إلى حالتين أيضًا، الأولى ترتبط بمقدم طلب اللجوء، وبعد الموافقة على طلبه يطلب لمّ شمل عائلته وعادة ما تأتي العائلات دون الكثير من الشروط.
أما الحالة الثانية فترتبط بمن وصل وحصل اللجوء ثم دخل سوق العمل، وقرر بعدها أن يتزوج في بلد ثالث، حينها يطلب لمّ الشمل وله شروط ترتبط بأن يكون لديه سكن ومرتب أو عائد مادي جيد وغيرها، وهاتان الحالتان يُسمح لهما بزيارة البلد الأم.
ولا تتضمن اتفاقية “دبلن” التي وقعت عليها دول الاتحاد الأوروبي نصًا واضحًا يمنع زيارة اللاجئ لبلده الأم، ويعود الأمر للقوانين المحلية والحكومات الوطنية في دول الاتحاد، إلا أن ذلك قد يؤثر بدوره على الوضع القانوني للاجئ.
وقد تنظر السلطات المحلية في هذه الحالة إلى أن اللاجئ لم يعد بحاجة للحماية الممنوحة له باعتبار أنه زار بلده مجددًا، وبالتالي تنتفي هذه الحاجة.
وفق كاتولة، فإن هناك دولًا أوروبية تمنح وثيقة سفر للاجئين لديها، لكن ذلك لا يعني إمكانية زيارة بلده الأم، باعتبار أنه تحت الحماية.
وتشير اتفاقية “جنيف” الخاصة باللاجئين، ضمن المادة “28”، إلى أن الدول تصدر للاجئين المقيمين على أراضيها بصورة نظامية وثائق سفر لتمكينهم من السفر خارج أقاليمها، ما لم تكن هناك أسباب قاهرة.
وجاء في المادة “32” من الاتفاقية، “لا تطرد الدولة لاجئًا موجودًا في إقليمها بصورة نظامية إلا لأسباب تتعلق بالأمن الوطني أو النظام العام”.
فيما تشير المادة “33” من الاتفاقية إلى أنه لا يجوز لأي دولة ضمن الاتفاقية أن تطرد لاجئًا أو ترده بأي صورة من الصور إلى حدود الأقاليم التي يمكن أن تكون حياته أو حريته مهددتين فيها بسبب عرقه أو جنسيته أو انتمائه إلى فئة اجتماعية معينة أو بسبب آرائه السياسية.
ولا يسمح بالاحتجاج بهذا الحق لأي لاجئ تتوفر أسباب معقولة لاعتباره خطرًا على أمن البلد الذي يوجد فيه أو لاعتباره يمثل، نظرًا إلى أنه سبق صدور حكم نهائي عليه لارتكابه جرمًا استثنائي الخطورة، خطرًا على مجتمع ذلك البلد.