خالد الجرعتلي | علي درويش | جنى العيسى
حرّكت الأخبار عن افتتاح معبر “أبو الزندين” شرقي محافظة حلب بين مناطق سيطرة “الجيش الوطني السوري” المدعوم تركيًا، ومناطق سيطرة النظام المدعوم روسيًا، المياه الراكدة منذ نحو خمس سنوات، وخلقت جدلًا تطور إلى مظاهر احتجاج من الرافضين لهذه الخطوة بين سكان مدينة الباب التي تستضيف المعبر.
الخطوة جاءت بموجب اتفاقي تركي- روسي، غابت عنه الأطراف السورية، فالمعارضة ترى أن الخطوة لا أبعاد سياسية لها، في حين يتجاهل النظام السوري عبر قنواته الرسمية قضية افتتاح المعبر، رغم مرور أكثر من شهر على إعلان عودة المعبر للعمل.
“أبو الزندين” الذي أوصد أبوابه عام 2020، استُخدم خلال تلك السنوات كنقطة لتبادل الأسرى والمعتقلين بين المعارضة والنظام، لكنه لم يأخذ يومًا شكل معبر رسمي، في حين يجري الحديث اليوم عن كونه معبرًا تجاريًا وإنسانيًا بين الضفتين.
ويتخوف أبناء شمالي حلب من افتتاح المعبر، إذ يرى بعضهم أن الخطوة بوابة لتطبيع مع النظام، أو لخروقات أمنية، وهو ما ترفضه مكونات المنطقة التي خرجت عن سيطرة النظام منذ أكثر من عشر سنوات، بعد مواجهات مع قوات النظام والميليشيات الرديفة له خاضها أبناء المنطقة ممن انضموا لـ”الجيش السوري الحر”، بعد عام 2011.
تناقش عنب بلدي في هذا الملف عبر مصادر، ومع خبراء وباحثين، آلية عمل المعبر، وتسيير الشحنات فيه، والمخاطر التي قد يشكلها على المنطقة، والمكاسب التي قد تحصل عليها ضفتاه مع بدء مرور الشحنات التجارية عبره.
كيف سيعمل “أبو الزندين”
مع موجة غضب عارمة أحدثها خبر افتتاح المعبر، رفضت مكونات المعارضة السورية الإجابة عن تفاصيل عمله، والجهة التي تديره، علمًا أن المنطقة يسيطر عليها “الجيش الوطني السوري”، وتديرها مظلته السياسية “الحكومة السورية المؤقتة”.
ولـ”الجيش الوطني” تاريخ طويل من الخلاف على إدارة المعابر، إذ تقتتل مكوناته باستمرار على إدارة معبر هنا، وحاجز هناك، في حيث تقف “الحكومة المؤقتة” عاجزة عن إيجاد حلول لهذه المشكلات.
وفي حال معبر “أبو الزندين”، تجاهل المكتب الإعلامي لـ”الحكومة المؤقتة” أسئلة طرحتها عنب بلدي حول آلية إدارة المعبر، والجهة المسؤولة عنها.
ورفض المجلس المحلي في مدينة الباب، وهي الجهة التي أعلنت إعادة فتح المعبر، الإدلاء بمعلومات حول التفاصيل نفسها، معتبرًا أن “الحكومة المؤقتة” هي المسؤولة عن توضيح هذه التفاصيل.
وتواصلت عنب بلدي مع الإدارة العامة للشرطة العسكرية التابعة لوزارة الدفاع في “الحكومة المؤقتة” (وهي الجهة المسؤولة عن إدارة المعبر)، لكنها تجاهلت الاستفسارات حول آلية عمل وإدارة “أبو الزندين”.
مصدر مطلع على آلية عمل المعبر قال لعنب بلدي، إن تجاهل الأسئلة عن إدارة المعبر وآلية عمله، يعود لعدم علم الجهات السورية أصلًا بهذه الآلية.
وأضاف المصدر الذي تحدث بشرط عدم ذكر اسمه لأسباب أمنية، أن “أبو الزندين” فُتح مجددًا باتفاق سوري- تركي، وأُبلغت المعارضة بتسهيل فتحه مجددًا دون اعتراض، من قبل تركيا التي لم تقدم توضيحات إضافية.
ولم تتضح تفاصيل آلية نقل الشحنات بين مناطق سيطرة المعارضة ومناطق سيطرة النظام، كما لم تتحدث أي جهة عن آليات التفتيش وطبيعة الشحنات التي ستنقل، والمخاطر الأمنية التي ستحيط بسائقي هذه الشاحنات في حال كانوا من سكان المنطقة التي تسيطر عليها المعارضة.
وحصلت عنب بلدي على معلومات من إداري في معبر “أبو الزندين”، مفادها أن بعض السيارات دخلت باتجاه مناطق النظام من شمالي حلب.
وأضاف المصدر الذي تتحفظ عنب بلدي على ذكر اسمه حفاظًا على سلامته، أنه في ساعة متأخرة من 20 من آب الحالي، دخلت بعض الشاحنات عائدة من الضفة التي يسيطر عليها النظام، بعد تفريغ حمولتها بالقرب من حاجز النظام (بطريقة القلب)، دون أن يتعرض سائقوها لأي ضرر.
وأضاف أن آلية عمل السيارات عبر المعبر ستكون بدخول شاحنة من شمالي حلب، وتفريغ حمولتها على الضفة الأخرى، لتُحمّل مجددًا في سيارة أخرى، وتكمل طريقها لعمق مناطق سيطرة النظام.
“أبو الزندين” غير مرتبط بـ”مصالحة”
مع محاولات الفريق القائم على إعداد التقرير، التواصل مع مسؤولين، وعاملين في “الحكومة السورية المؤقتة” للحصول على تعليقات رسمية حول افتتاح المعبر، أجاب وزير الدفاع في “المؤقتة”، حسن حمادة، عن جزء من الاستفسارات.
وقال الوزير حمادة لعنب بلدي، إن افتتاح المعابر سواء التجارية أو الإنسانية مع “مناطق العدو” هو شأن غير مرتبط بـ”مصالحة مع العدو الذي يسيطر على تلك المنطقة”.
وأضاف أن الحاضنة الشعبية والمؤسسات الرسمية متفقة على أن “لا مصالحة، وفق ثوابت الثورة السورية”.
الوزير أشار إلى أن هناك نقاط عبور مفتوحة مع “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، وهي العدو التقليدي لـ”الجيش الوطني” وتركيا، مضيفًا أن هذه النقاط لم تسفر عن مصالحة، بل لا تزال الجبهات مشتعلة دومًا مع “قسد”.
واعتبر وزير الدفاع في “الحكومة المؤقتة” أن المصلحة العامة للمدنيين في “المناطق المحررة” كانت تقضي بافتتاح معبر مع المناطق التي يسيطر عليها “PKK” (في إشارة إلى “قسد”) بهدف إدخال المواد اليومية اللازمة، وأيضًا تصدير الفائض الذي تنتجه المنطقة وخاصة الزراعية.
حمادة أشار أيضًا إلى وجود معبر خاص بـ”الشأن الإنساني”، كان الهدف من افتتاحه “لم شمل أفراد العائلات التي شردها نظام الأسد والأحزاب الإرهابية”.
وأكد الوزير أن نقاط العبور ليست مرتبطة بدوافع سياسية، إنما أهدافها إنسانية، وهو ما ينطبق على جميع “نقاط العبور” مع مناطق “العدو” باختلاف مسمياته.
واعتبر أن “الحكومة المؤقتة” لا تميز بين النظام و”قسد”، مشيرًا إلى أن “الحكومة” تعمل وفق ما تقتضيه مصلحة المدنيين.
المعابر الداخلية لـ”الحكومة المؤقتة”
تربط بين مناطق سيطرة فصائل “الجيش الوطني” وتلك التي يسيطر عليها النظام، و”قسد”، و”هيئة تحرير الشام”، معابر داخلية مختلفة ترسم الحدود الجغرافية لمناطق السيطرة هذه.
ويعتبر معبر “أبو الزندين” الوحيد الذي يصل مناطق سيطرة “الحكومة المؤقتة” بمناطق سيطرة النظام السوري.
يقع المعبر شرقي مدينة الباب بريف حلب الشرقي بالقرب من قرية الشماوية، التي تخضع لسيطرة النظام، ويعد معبرًا تجاريًا وإنسانيًا.
وترتبط مناطق سيطرة “قسد” التي تشكّل الجناح العسكري لـ”الإدارة الذاتية” في شمال شرقي سوريا مع مناطق سيطرة “الجيش الوطني” بعدة معابر هي: “الحمران”، وهو معبر تجاري يقع بالقرب من مدينة جرابلس، ويصل ريف حلب الشمالي بمدينة منبج في الريف الشرقي، ويُستخدم المعبر لنقل البضائع فقط، ويديره فصيل “الجبهة الشامية” التابع لـ”الجيش الوطني”.
وكذلك معبر “عون الدادات”، وهو معبر تجاري يقع في ريف مدينة جرابلس الجنوبي، يفصل بين مناطق سيطرة “المؤقتة” ومناطق سيطرة “قسد”، بالإضافة إلى معبر “الحلونجي” الإنساني ويبعد عن “عون الدادات” نحو سبعة كيلومترات، ويقع بريف جرابلس الجنوبي.
ويُتهم “الجيش الوطني” بتمرير وتهريب بعض المواد والأشخاص من خلال تلك المعابر مقابل الحصول على مبالغ، لكنه ينفي ذلك.
ومن الجهة الغربية لمناطق سيطرة “المؤقتة”، يوجد معبران داخليان، هما “دارة عزة- الغزاوية” المعروف أيضًا بـ”طريق دارة عزة”، ويصل مدينة دارة عزة في ريف حلب الغربي بمنطقة عفرين بريف حلب الشرقي.
والمعبر الثاني هو “دير بلوط- أطمة”، الذي يصل ريف إدلب الشمالي بريفي حلب الشمالي والغربي.
نقاط العبور ليست مرتبطة بدوافع سياسية وإنما إنسانية، وهذا ينطبق على جميع نقاط العبور مع مناطق العدو باختلاف مسمياته. إننا كثوار لا نميز بين نظام الأسد و”قسد”، فكلاهما عدو للثورة السورية، ونعمل وفق ما تقتضيه مصلحة المدنيين في المناطق المحررة.
حسن حمادة
وزير الدفاع في “الحكومة السورية المؤقتة”
النظام لم يعلّق
على الضفة الشمالية من معبر “أبو الزندين”، يقف أبناء مدينة الباب شرقي حلب، حيث المعبر، على الطرقات اعتراضًا على مرور الشاحنات، إذ أحدثت القضية صدى في المنطقة، في حين لم يعلّق النظام على الحدث، باستثناء بعض الأصوات التي لا تعبر عن موقف رسمي.
وبينما لم يرد اسم “أبو الزندين” في تصريحات صادرة عن أي هيئة أو جهة حكومية لدى النظام، كانت صحيفة “الوطن“، المقربة منه، مواظبة على تغطية التطورات، إذ نقلت، في 22 من آب الحالي، عن مصادر لم تسمِّها، أن أنقرة تدخلت لضبط “ميليشياتها”، في إشارة إلى “الجيش الوطني”، والاتفاق على إعادة النظر حيال المحتجين.
وأضافت أن توقف تسيير الشاحنات التجارية بين طرفي المعبر الداخلي، أعاد الهدوء إلى المنطقة التي يقع فيها “أبو الزندين”.
ولم يشهد “أبو الزندين” أي حركة تجارية، في 21 من آب، وفق ما أفاد به مراسل عنب بلدي في المنطقة.
أغلق المعبر بعد توجه عدد من السكان ومقاتلين محسوبين على “الجيش الوطني السوري” إلى المعبر، ومنعهم عبور الشاحنات من مناطق سيطرة المعارضة إلى مناطق سيطرة النظام.
تبع ذلك تعرض المعبر لقصف مدفعي مجهول المصدر هو الثاني من نوعه منذ إعادة افتتاحه، ما أدى إلى إصابة ثلاثة عناصر من الشرطة العسكرية بجروح.
وأظهرت تسجيلات مصورة محتجين ومسلحين منعوا شاحنات من دخول المعبر قبل قصفه.
صحيفة “الوطن” المقربة من النظام، اعتبرت أن خطوة أنقرة لإجبار المحتجين على قبول فتح المعبر، جاءت لـ”تحفظ ماء وجهها أمام الضامن الروسي” عبر إتمام افتتاح المعبر والمضي قدمًا في “تفاهمات” العاصمتين الروسية والتركية حول الملف السوري، منها فتح منافذ وطرقات دولية “تصب في مصلحة الدولتين والشعبين السوري والتركي”.
إغلاق وإعادة افتتاح.. صعوبات ومخاطر
قبل 18 من آذار 2020، كانت ترتبط مناطق ريف حلب التي تديرها “الحكومة المؤقتة” مع مناطق سيطرة النظام بثلاثة معابر هي “الحمران” و”عون الدادات” و”أبو الزندين”، إضافة إلى معابر أخرى كانت تصل إدلب مع مناطق سيطرة النظام.
أُغلقت المعابر الداخلية بين مناطق سيطرة المعارضة والنظام لعدة أسباب، منها العمليات العسكرية، وكذلك ما أفضت إليه تبدلات السيطرة الجغرافية على الأرض.
وكانت هذه المعابر تُستخدم لنقل البضائع التجارية بين مناطق السيطرة، إضافة إلى انتقال المدنيين، وعبرت خلالها قوافل التهجير من مختلف المناطق السورية إلى شمال غربي سوريا.
معابر ريف حلب “الحمران” و”عون الدادات” و”أبو الزندين”، أغلقتها “الحكومة المؤقتة”، في 18 من آذار 2020، أمام حركة التجارة ولاحقًا مرور المدنيين “لحرصها على سلامة المواطنين والوقاية من مخاطر انتشار فيروس كورونا”، بحسب ما صرحت به “الحكومة” وقتها.
استمر إغلاق المعابر ومنها “أبو الزندين” حتى افتتح مرة أخرى، في 18 من آب الحالي، علمًا أنه كان يستخدم خلال سنوات الإغلاق في حالات استثنائية كعمليات تبادل الأسرى.
معوقات جميعها أمنية
مهّد المجلس المحلي لمدينة الباب لافتتاح المعبر، في 26 من حزيران الماضي، بإعلانه افتتاحه بشكل تجريبي لـ48 ساعة تمهيدًا لاعتماده كـ”معبر تجاري رسمي”، وهو ما قوبل برفض شعبي.
الباحث المختص بالشأن العسكري في مركز “جسور للدراسات”، رشيد حوراني، قال، إن هناك معوقات تقف أمام افتتاح المعبر، وجميعها تتعلق بالجانب الأمني “الذي يعتبر العنصر الرئيس لاستمرار عمل المعبر وتدفق القوافل عبره”.
وأوضح حوراني لعنب بلدي، أن هذه الصعوبات لا تقتصر على جانب واحد، بل تشمل جانبين، الأول جانب النظام السوري ومحاولات الميليشيات الإيرانية تهديد المعبر والشاحنات باستهدافه ناريًا.
الجانب الثاني، هو الموقف الشعبي الرافض باعتبار افتتاحه يمثل خطوة تمنح اعترافًا تدريجيًا بالنظام في المنطقة، وهذا الموقف ينعكس عبر الاعتصامات التي قد تتطور إلى منع بالقوة، كما جرى في 1 من تموز الماضي، عند الاعتداء على الرموز التركية بسبب إعلان تركيا تقاربها مع النظام.
هذه الاضطرابات من طرفي مناطق السيطرة تؤثر بشكل كبير في المضي قدمًا بافتتاح المعبر، وقد تصل لإلغاء الأمر برمته، وفق الباحث.
وجاء إعلان افتتاح المعبر بشكل تجريبي في حزيران، وسط احتجاجات شعبية رافضة، وردود فعل غير مرحبة من قبل رجال دين مقيمين في الشمال السوري.
مفتي مدينة اعزاز شمال حلب، الشيخ محمود الجابر (أبو مالك)، استنكر مسألة فتح المعبر، ودعا لحساب الأرباح والخسائر جراء خطوة من هذا النوع.
وقال الجابر، “ماذا سنستورد من النظام؟ ماذا يملك؟ ليس لديه غاز أو بترول، هناك حمضيات تأتي من الساحل، فماذا سيقدم سوى (الكبتاجون) والمخدرات والفاسدين وغير ذلك”.
أيضًا عبد الزراق المهدي، وهو من أبرز الدعاة والشرعيين في الشمال، علق على فتح المعبر بأن له تداعيات خطيرة، فهو يعني استمرار “احتلال ميليشيات النظام وحلفائه” المناطق التي استولوا عليها مؤخرًا، وعدم وجود معركة ضد النظام في الوقت القريب.
يعني أيضًا افتتاح المعبر، حسب المهدي، إنقاذ النظام من أزمة خانقة، وهي غلاء الأسعار ونقص السلع والمواد، وخصوصًا المحروقات، وحتى الطحين والخبز.
عبد الرزاق المهدي علق مرة أخرى بعد يومين من فتح المعبر (20 من آب)، واعتبر أنه “منكر عظيم وخطر كبير (…) والحكم ينطبق على كل معبر سيفتح سواء في سراقب أو غيرها”، وفتحها “حرام ولا يجوز”، فالمستفيد الأكبر هو النظام وحلفاؤه والمستفيد الأصغر بعض التجار، والخاسر الأكبر هو الشعب.
الباحث رشيد حوراني، أرجع انقسام موقف فصائل “الجيش الوطني” إلى أمرين، الأول قربها وبعدها من الجانب التركي، ومحاولة أنقرة تعزيز نفوذ الفصائل المقربة منها على حساب فصائل أخرى أظهرت في مرحلة سابقة نوعًا من التعامل الندي مع الجانب التركي.
والأمر الثاني حجم استفادة الفصائل الاقتصادية من المعبر، وما توفره هذه الاستفادة من تقوية وانتشار لها.
ويمكن القول، وفق حوراني، إن هناك فصائل تناهض وتتحرك لمنع افتتاح المعبر، وهي ميّالة لـ”هيئة تحرير الشام” أو موالية لها، كـ”أحرار عولان” التي طالبت أن يكون لها دور في المعبر وإلا ستمنع افتتاحه، “لأن افتتاح معبر (أبو الزندين) قد يهدد مركز التجارة في مناطق سيطرة (الهيئة)، متمثلة بمدينة سرمدا”.
مخاطر اقتصادية محتملة
يتخوف الرافضون لافتتاح “أبو الزندين” من تنشيط تهريب المخدرات التي يصنعها النظام السوري وتسهيل عبورها إلى مناطق سيطرة المعارضة، رغم وجود معابر للتهريب تديرها الفصائل.
بينما يبدي بعضهم مخاوفهم من الفائدة المحتملة للنظام من المعبر، ناهيك بالفوائد التي قد تنعكس على المنطقة، إذ يرون أن فائدة النظام أكبر، وهو سبب كافٍ لمنع فتحه.
الباحث الاقتصادي في “مركز عمران للدراسات الاستراتيجية”، مناف قومان، قال لعنب بلدي، إن من بين المخاطر التي تحيط بافتتاح المعبر، هو احتمالية سحب النقد الأجنبي المتداول بمناطق شمال غربي سوريا إلى خزائن النظام بشكل أو بآخر.
وأضاف أن استيراد أزمات اقتصاد النظام بشكل أكبر مع مرور الوقت، هو أمر محتمل، ومن ثم مخاوف ارتباط ملفات سيادية مثل التعافي وإعادة الإعمار والاستجابة الإنسانية، بالنظام في دمشق.
وأشار قومان إلى وجود فوائد وإيجابيات لفتح المعبر لمصلحة الطرفين، على رأسها تعزيز الحركة التجارية ونقل البضائع بين الضفتين، سواء لمناطق المعارضة أو النظام.
وسيسهم “أبو الزندين” بطبيعة الحال في تقليل تكاليف النقل، والتي بدورها ستنعكس على انخفاض الأسعار وبالتالي ستفيد الناس، ومن ثم زيادة الإيرادات المالية من الرسوم الجمركية سواء لطرف النظام أو المعارضة.
ومن شأن ذلك، بحسب قومان، أن يسهم في تنشيط الاقتصاد المحلي من خلال خلق فرص عمل جديدة، وأخيرًا كسر معادلة الاعتماد على طرق التهريب غير الشرعية بين المنطقتين، وقوننة التجارة والتبادل.
واعتبر الباحث أن كل ما سبق يسهم في تحسين الخدمات العامة وإعادة تأهيل البنية التحتية من خلال تلك الإيرادات.
من بين المخاطر الاقتصادية انسحاب النقد الأجنبي المتداول بمناطق الشمال إلى خزائن النظام بشكل أو بآخر، إضافة إلى استيراد الأزمات الاقتصادية من النظام بشكل أكبر مع مرور الوقت، ومن ثم مخاوف ارتباط ملفات سيادية مثل التعافي وإعادة الإعمار والاستجابة الإنسانية بدمشق.
مناف قومان
باحث اقتصادي في مركز “عمران للدراسات”
تركيا أبرز المستفيدين
مناطق النظام والمعارضة قد تتأثر إيجابًا
خارج السياق السياسي، تشير المعطيات إلى أن إعادة فتح معبر “أبو الزندين” تحمل فائدة اقتصادية يصفها خبراء بـ”الكبيرة” قد تجنيها تركيا إلى جانب النظام السوري.
ولا تزال المعلومات المتعلقة بطبيعة الحركة التجارية الاقتصادية التي ستتم عبر المعبر غير محددة، وسط توقعات بأنها لن تكون ذات قيمة كبيرة بالنسبة لمناطق سيطرة المعارضة في شمال غربي سوريا ومناطق سيطرة النظام، بسبب قلة المعروض من المواد في الأسواق المحلية، ما يشير إلى عدم وجود فرصة كبيرة لتنشيط الأسواق.
وعلى نقيض ذلك، يعتقد مراقبون أن المنفعة الكبرى ستكون لتركيا كون فتح المعبر جاء وفق تفاهم تركي- روسي، الأمر الذي قد يؤمّن للشاحنات التركية طريقًا بريًا سريعًا نحو دول الخليج.
وعلى المدى الطويل، يجري الحديث عن أن افتتاح معبر “أبو الزندين” ما هو إلا خطوة أولى في طريق تطبيع اقتصادي تركي مع النظام، قد يحمل للأخير العديد من المكاسب المادية مستقبلًا.
تركيا في الصدارة
الحديث عن افتتاح “أبو الزندين” تناوله “المرصد السوري لحقوق الإنسان” (مقره لندن) قبل الإعلان الرسمي عن افتتاحه، وبالتحديد، في 13 من حزيران الماضي، وقال حينها نقلًا عن مصادر لم يسمِّها، إن القوات الروسية والتركية تحضر لافتتاح المعبر.
أيضًا نقلت وكالة “سنا” المحلية في اليوم نفسه عن مصدر وصفته بـ”المطلع” (لم تسمِّه)، أن اجتماعات بين الجانبين التركي والروسي أقيمت في المعبر نفسه، تهدف لإعادة تشغيله.
وأضافت أن افتتاح معبر “أبو الزندين” كمعبر إنساني، كان مطروحًا منذ مدة.
ويرى الخبير الاقتصادي، رضوان الدبس، أن تركيا تتصدر الأطراف المستفيدة من إعادة فتح المعبر، في إطار كونه متنفسًا لشاحناتها التجارية للعبور نحو الخليج العربي.
وفي الوقت نفسه، قد يستفيد النظام بشكل مباشر من رسوم عبور هذه الشاحنات التي ستمر بأراضيه من جهة، وبشكل غير مباشر عبر ما ستتركه هذه الشاحنات من أثر على تحريك السوق في أثناء مرورها من تكاليف إقامة مؤقتة للسائقين أو شرائهم للمحروقات وغير ذلك، بحسب رضوان الدبس.
الباحث المساعد في مركز “جسور للدراسات” المختص بالشؤون الاقتصادية، عبد العظيم المغربل، قال لعنب بلدي، إن الأطراف ستستفيد اقتصاديًا من إعادة فتح المعبر بحسب حجمها ومدى تأثيرها، بالتالي فإن تركيا ستكون مستفيدة من المعبر في حال تطورت حركة العبور إلى فتح طرق دولية قد تمكنها من تصدير بضائعها إلى مختلف دول الخليج.
وعلى الصعيد الداخلي، ستستفيد كل من مناطق سيطرة “الحكومة المؤقتة” والنظام بشكل متقارب، وفق ما يرى المغربل.
ويرى الباحث أن المصانع الموجودة في مناطق “المؤقتة” قد تتمكن من تصدير منتجاتها عبر مناطق سيطرة النظام، وتحقيق عائد مادي، وبالتالي خلق فرص عمل على أثر زيادة الطلب.
وأضاف لعنب بلدي أن النظام سيتمكن أيضًا من جلب مواد أولية مستخدمة في الإنتاج بمناطق سيطرته، أو حتى السلع التي يحتاج إليها، إلى جانب إمكانية فرض رسوم على البضائع التي تمر عبر مناطق سيطرته تجاه دول أخرى.
المعوقات.. عقوبات وشهادة المنشأ
حول معوقات الاستفادة الاقتصادية القصوى، يرى الباحث عبد العظيم المغربل أن العقوبات المفروضة على النظام يمكن أن تحد من الاستفادة من استيراد أو تصدير المنتجات الممنوعة بموجب العقوبات.
وأضاف أن غياب شهادة المنشأ في مناطق سيطرة المعارضة قد يدفع التجار لاستخدام شهادة منشأ صادرة عن النظام، إلى جانب أن إرسال بعض المنتجات من شمالي حلب نحو النظام قد يؤدي إلى ارتفاع أسعارها في مناطق سيطرة المعارضة بسبب انخفاض العرض، وفق تقديرات المغربل.
غياب شهادة المنشأ في مناطق سيطرة المعارضة قد يدفع التجار لاستخدام شهادة منشأ صادرة عن النظام، كما أن إرسال بعض المنتجات من شمالي حلب نحو النظام قد يؤدي إلى ارتفاع أسعارها في مناطق سيطرة المعارضة بسبب انخفاض العرض في منطقة المنشأ.
عبد العظيم المغربل
باحث في مركز “جسور للدراسات”
وضمن ندوة تحت عنوان “افتتاح المعابر مع النظام السوري.. المخاطر والفرص”، أجراها مركز “جسور للدراسات”، في 17 من تموز الماضي، رأى الخبراء أن افتتاح المعبر في هذا التوقيت له علاقة بحجم التبادل التجاري بين تركيا وسوريا، الذي كان يحقق قبل 2011 أرقامًا “مقبولة”، عادت للارتفاع بعد التدخل التركي في سوريا الذي زاد الصادرات التركية إلى سوريا.
جزء كبير من البضائع التركية يذهب لمناطق سيطرة النظام، وربما يفسح افتتاح المعبر المجال لوصول البضائع التركية إلى أسواق جديدة مثل لبنان، برًا.
من جانبه، قال الباحث الاقتصادي في مركز “جسور للدراسات”، خالد تركاوي، في تعليق له ضمن الندوة نفسها، إن تركيا هي المستفيد الأكبر من افتتاح المعبر، ثم المصانع العاملة في الشمال السوري التي بدأت إنتاج بضائعها، ولجأت لحلول الطاقة البديلة لدعم صناعاتها.
ويعتقد الباحث أن المصانع في شمالي حلب ستصدر بضائعها عبر معبر “أبو الزندين”، بالإضافة إلى إتاحة منتجات زراعية تطورت في المنطقة التي تجمع فيها نازحون من مخلف المناطق السورية.
ويرى تركاوي أن أقل المستفيدين من المعبر سيكون النظام الذي سيعجز عن التصدير، نتيجة لسوء الأوضاع الاقتصادية في مناطق سيطرته، وغياب المقومات الرئيسة للإنتاج كالكهرباء والمياه وغيرهما.
احتمالات تنشيط المنطقة
تشير المعطيات إلى أثر “محدود جدًا” لفتح معبر “أبو الزندين” على انتعاش المنطقة، ومدى استفادة السكان والمواطنين من التجار والفلاحين على اختلاف مناطق السيطرة، لعدة أسباب، يرى الخبير الاقتصادي، رضوان الدبس، أن أبرزها الوضع الاقتصادي الهش في مناطق النظام ومناطق شمالي حلب.
وقال الدبس لعنب بلدي، إنه في شمالي حلب تنتشر البضائع التركية بوفرة، ما قد يغلق الباب بوجه الاستيراد من مناطق النظام، في وقت تعاني فيه الأخيرة أيضًا من قلة المعروض في مختلف المواد الأساسية، وفق الباحث.
رضوان الدبس لم يستبعد حدوث تغييرات في النشاط الاقتصادي للمنطقتين، لكنها قد تظهر على المدى البعيد، مشيرًا إلى أن عودة التجارة عبر المعبر بشكل نظامي دون معوقات، قد توجه التجار نحو صناعات أو زراعات معينة مطلوب استيرادها بالنسبة لأحد الطرفين.
من جانبه، يعتقد الباحث المساعد عبد العظيم المغربل، أن حركة تصدير السلع وبيع المنتجات الصناعية والزراعية عبر “أبو الزندين” ستزيد من أرباح التجار والفلاحين، وتساعد في زيادة كمية النقود المتداولة في المنطقة.
الآثار قد تسهم في تحقيق تحسن طفيف بالمنطقة اقتصاديًا، وتحقيق بعض التحسن على صعيد التنمية، في حال تحديد عائد مادي للجهات المدنية في المنطقة، وفق المغربل، معتبرًا أنه رغم وجود معابر التهريب، ستكون الحركة التجارية أنشط في المعبر الرسمي، في حال لم تقع مشكلات أمنية.
ووفق تقرير تحليلي نشره موقع “كاندل للدراسات”، في 19 من آب الحالي، تهدف كل من المعارضة والنظام السوري إلى جملة مصالح تحققها من خلال إعادة فتح المعبر.
وتتمثل مصالح المعارضة بتحقيق انتعاش المدن الصناعية في شمال حلب وافتتاح أسواق جديدة لتصريف منتجاتها في مناطق النظام، ومفاوضة النظام على شهادة منشأ تخول الصناعيين تصدير بضاعتهم إلى الخارج، فضلًا عن تصدير الفائض من المنتجات الزراعية إلى مناطق النظام خاصة مادة القمح، وغيرها.
وتبرز مصالح النظام في هذا السياق من باب تخفيف الأزمة الاقتصادية التي تعانيها مناطق سيطرته، فضلًا عن تصدير المواد الغذائية والطبية والمواد الخام إلى مناطق سيطرة المعارضة، بالإضافة إلى استفادته من طرق الترانزيت وتحقيق أرباح مالية كبيرة عبر مرور القوافل التجارية من تركيا إلى الخليج.
التقرير التحليلي أشار إلى أن النظام قد يلجأ لإجبار الصناعيين في الشمال السوري على التسجيل في سجلات وزارتي التجارة والصناعة التابعتين للنظام، مقابل الحصول على شهادة المنشأ.
وربما يريد النظام بعد ذلك التفاوض مع الجانب التركي على تسلّم إدارة المعابر الخارجية مثل “باب السلامة”، بهدف فتح خطوط التجارة الدولية عبر طريق “M4” ثم إلى الأردن عبر معبر “نصيب” ومنها إلى الخليج، إذ سيستفيد النظام من الترانزيت وتستفيد تركيا من تصريف منتجاتها عبر البر إلى الخليج، بحسب التقرير.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :