الصحافة السورية المستقلة تتلمس “الخيار المدمّر”
علي عيد
منذ عام 2020، تحدثت “ورقة إحاطة” حول “الإعلام السوري المستقل في المهجر” عن تحولات في مقاربات “المانحين” لهذه الصحافة، قد تشكّل خطرًا على استمراريتها.
الورقة التي صدرت عن المؤسسة الدولية لدعم وسائل الإعلام (IMS)، تحدثت عن الظروف الموضوعية لعمل صحافة المنفى السورية المستقلة، والمرتبطة بالأوضاع في سوريا، وعلى رأسها الظروف الأمنية، واعتبرت أن التحول في توجهات “المانحين” سيكون “مدمرًا” إذا اختاروا التخلي عن هذا القطاع “قبـل الأوان”.
هل فات الأوان، هو سؤال المليون، أما الأثر المحتمل فهو ما لا يمكن تعويضه، والذي يشكّل الجائزة الكبرى لأعداء الديمقراطية، سواء في دمشق أو إدلب أو الرقة.
في السنوات الأربع الأخيرة، اعتبارًا من أزمة “كوفيد-19″، ثم مع بدء الحرب الروسية على أوكرانيا، وما خلّفته من تبعات اقتصادية، بدا واضحًا أن هناك اهتمامًا مختلفًا، وتحولًا في مزاج المانحين بالغرب على خلفيات سياسية، وأهمها صعود اليمين في الغرب، مستغلًا التضخم وارتفاع الأسعار الناتج عن أزمتي “كوفيد-19” وحرب أوكرانيا.
كانت أزمة اللاجئين نقطة فاصلة في التحول، إذ جرى التساهل في كل الخطوط الحمراء التي وضعت أمام التطبيع مع أنظمة سياسية قمعية بالشرق الأوسط، وفي مقدمتها النظام السوري، وأصبحت الأولوية لوقف الهجرة، وتثبيت السكان في بلادهم، ما يعني العمل على برامج دعم تخدم السلطة التي لطالما كانت سبب الحرب والدمار والهجرة.
هل يمكن لإعلام ترعاه السلطة أن يأخذ مكان الإعلام البديل، بالطبع يمكن، لكن ما لا يمكن حصوله هو أن نخلص إلى ظروف مختلفة عن تلك التي استمرت لعقود قبل 2011 في سوريا، وأدت إلى نتائج كارثية على المستوى العام.
بدأت التلميحات بأن هناك حالة “ملل” من الوضع السوري، ولكن هذه التلميحات وقد أخذت مكانها للتطبيق، تقف وراءها سياسات دول، لا مجرد توجهات لمنظمات وسيطة.
لعبت عدد من المؤسسات دور الميسر للمنح، لكنها أيضًا كانت خاضعة لضغط التحولات، وهي تصارع مع الجهات الأساسية الممولة لتجنب توقف برامج الدعم، وأهم المؤسسات التي اهتمت بالإعلام السوري، بحسب ورقة “IMS”، مؤسسة “كرييتف” الدولية، ومجلس البحوث والتبادل الدولي (IREX)، و”أكسيس ريسيرتش نولدج” (ARK)، ووسائل الإعلام عبـر التعاون والتحول (MICT)، ومنظمة دعم الإعلام الدوليـة (IMS)، و”إنترنيوز”، و”فري بريس أنليميتد” (FPU)، والمؤسسة الأوروبية من أجل الديمقراطية (EED)، ومعهد صحافة الحرب والسلم (IWPR)، وقناة فرنسا الدولية (CFI)، ومنظمات الخدمة التطوعية (COSV).
أما الجهات الأساسية للتمويل، والتي تخضع بدورها إما لضغط دافعي الضرائب وإما لتوجهات الحكومات، فهي الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID)، ومكتب وزارة الخارجية الأمريكية لعمليات الصراع وتحقيق الاستقرار، والمفوضية الأوروبية، والوكالة السويدية للتعاون الدولي من أجل التنمية (SIDA)، والوكالة الدنماركية للتنمية الدولية (Danida)، إضافة إلى تمويل توفره الحكومتان الفرنسية والبريطانية ومؤسسات المجتمع المفتوح (OSF) و”يونسكو”.
هذا العام بالتحديد، أصبحت صحافة المنفى تحت التهديد بالتوقف، خصوصًا أن بيئة عملها لا تتيح تطوير طرق لتوليد المال، وليس أمامها سوى خطة طوارئ تطلب فيها التحشيد لفرملة التحولات ما أمكن، وليس مضمونًا نجاح تلك الخطة، لكنها ضرورة ملحة.
إذا ما اعتبرنا أن الاتحاد الأوروبي يعتبر آخر الجهات الصامدة، والرافضة لتقبل حلول على أساس بقاء مسببات الحرب في سوريا كأمر واقع، دون تسوية سياسية، يمكن تركيز الجهد على هذه الجهة، على أساس أن الإعلام المستقل يبقى الشريك الموثوق في التنمية والتوعية وبناء السلام.
مغامرة كبيرة أن تتم التضحية بجهود نحو 12 عامًا من مراكمة الخبرة والبناء في مؤسسات إعلام المنفى السورية المستقلة، خصوصًا أن الحرب لم تنتهِ بعد، وهناك احتمالات كبيرة بأن تنشأ صراعات غير منتهية في مختلف المناطق عبر الجغرافيا السورية.
أهم موانع إنهاء المأساة السورية هو انعدام الإرادة السياسية للقوى الكبرى في العالم، وهذه القوى تشكل أطرافًا في صراعات أخرى تؤثر في العالم كما تؤثر في سوريا، إذ كيف يمكن أن ينتهي الحال إلى تسليم ببقاء سوريا بيئة عقيمة من الصحافة الحرة، وتحول ما يجري فيها إلى رواية يكتبها من تسبب بتدمير البلاد وتهجير نصف سكانها، وإذا حصل هذا فإن العالم بانتظار موجة أخرى من الحرب ليست أقل قسوة وضررًا.. وللحديث بقية.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :