خطيب بدلة
الموقف من الطائفية، في المجتمع السوري، أقرب ما يكون إلى الموقف من ممارسة الجنس خارج مؤسسة الزواج، غالبية الناس يسعون إليه، ويمارسونه في السر، ولكنهم يتعففون عن ذكره، أو الاعتراف به، في العلن، وعليه فإن المستمع لأحاديثهم يعتقد أنهم رهبان، ومَن يشهد أفعالهم، يجزم بأنهم يعيشون في ماخور!
تفسير ذلك، برأيي، أن ممارس هذا النوع من الجنس يخجل من فعلته، فإذا وُضع في مواجهة التساؤلات، يغمغم، ويراوغ، ويتهرب من إعطاء إجابات واضحة، والسياسي المعارض الطائفي مثله، يعرف أن صبغة الطائفية مخجلة، فيسارع للقول، عندما يتحدث في مقابلة تلفزيونية: معلوم أنني لست طائفيًا، ولكن الحقيقة يجب أن تقال، أن النظام الطائفي، العلوي، كان يستهدف أهل السنّة في كل مكان، قتل منهم مليونًا، وشرد أكثر من سبعة ملايين! ويسترسل الأخ الطائفي المحترم بالكلام، ويضيف: لا تنسوا أن الجماعات المذهبية الأخرى، دخلت، مع النظام العلوي، في تحالف أقليات، ضد الأكثرية السنّية، ناهيك بالدول التي تدعم النظام، وتسهم، هي الأخرى، في قتل أهل السنّة، وتهجيرهم.
الطائفيون، للأمانة، أنواع، أخطرُها، بلا شك، الطائفي المثقف، الذي يجيد الخطابة، وعنده مقدرة عالية على أسر الجماهير بكلامه، ومن فرط ذكائه، وحنكته، تراه يتجنب ذكر الطائفية صراحة في خطابه، بل يشرّق ويغرّب متحدثًا عن الثورة، والشعب، والحقوق المغتصبة، ويمرر في السياق معلومات يعرف أنها غير صحيحة، يغطي عليها بنبرته الخطابية، وحركات جسده، كقوله، مثلًا: عندما انطلقت ثورتنا المباركة، في سنة 2011، شاركت فيها مكونات الشعب السوري “كلها”، رجالًا ونساء، وكان مطلبنا الأساسي، كما يعلم القاصي والداني، الحرية، والكرامة، وإسقاط نظام الاستبداد، وإقامة مجتمع حر، كريم، مدني، ديمقراطي، موحد.
عندما يذهب ذلك الخطيب الطائفي المفوّه إلى داره، ويشاهد الفيديو الذي يتضمن مقابلته، يندهش من ورود كلمة “ديمقراطية” في حديثه، فيستغفر ربه، وينوي أن ينوه بهذا الخطأ، على المحطة نفسها، إذا استضافته مرة أخرى، وخلال ذلك يؤكد على المعلومات الكاذبة التي ذكرها في مداخلته، وأولاها مشاركة المرأة في ثورة 2011، وقوله إن “كل” مكونات الشعب السوري شاركت في الثورة، ويضيف: ولكن النظام وجه حربه الشرسة إلى مكون مذهبي معيّن، وهذا يتماشى مع تعصبه لمذهب معيّن آخر.
الطائفي الأكثر رفعة، وفخامة، وألمعية من كل الأنواع السابقة، هو ذلك المثقف المتمكن، الحويط، الذي يختبئ وراء قضية يتبناها ملايين الناس، كالقضية الفلسطينية، فهي، برأيه، ليست قضية دينية، ولا مذهبية، بل قضية تحرر وطني، وحقوق مغتصبة، وشعب مشرد، وعدوان إسرائيلي “غاشم” على النساء والأطفال، وبعدما ينتهي من هذه الديباجة، يبدأ بشن هجوم كاسح على المثقفين الآخرين، لأنهم يحكون على جرائم إسرائيل، مثله، ولكنهم ينظرون إلى الموضوع من مختلف جوانبه، فيتحدثون عن جرائم التنظيم الإسلامي الذي قتل أبناء بلده قبل أن يذهب للمقاومة، وأنه هو الذي أشعل هذه الحرب، وأن الطيار الإسرائيلي الذي يلقي القذائف، يستحيل أن يمد رأسه من شباك الطائرة، ويقول للرجال: ابتعدوا من طريقي، أريد أن أقتل نساء وأطفالًا فقط!