السويداء وصمود الجبل
إبراهيم العلوش
مرّ عام على انتفاضة السويداء التي تطالب بتطبيق القرار الدولي “2254”، المتضمن خلاص سوريا من نظام المخابرات والميليشيات الطائفية و”الكبتاجون”، ورغم الحواجز والتهديدات والاغتيالات، لا تزال السويداء وردة على رأس جبل الأمل.
في 17 من آب عام 2023، بدأت الاحتجاجات في السويداء على خلفية رفض التجنيد وغلاء المعيشة، ووراء ذلك كانت تداعيات مقتل الشيخ وحيد البلعوس وتشكيل تنظيم “رجال الكرامة”، وكذلك متاجرة النظام بالتخويف من “داعش”. وخلال أسبوع، وفي 24 من آب الحالي، امتدت الاحتجاجات لتشمل درعا وحلب وجميع أنحاء سوريا، وحتى في الساحل كانت الاحتجاجات مناسبة لارتفاع مطالب حركة “10 آب”، وبدأت مطالب السوريين تتجدد على أيدي أبناء السويداء، وصارت الشعارات تُحيي شعارات الثورة السورية التي اندلعت في آذار 2011.
توحد أبناء السويداء في مطالبهم الوطنية، ووقفوا خلف “رجال الكرامة” هاتفين “بشار.. ارحل بدنا نعيش بكرامة”، مؤكدين رفض استمرار هذا النظام، ورفض إرسال أبنائهم لقتل السوريين ولخدمة إيران وروسيا وعائلة الأسد التي باعت البلاد وهجّرت الناس من بيوتهم.
قبل عام خرجت السويداء لتمزق غطاء حماية الأقليات الذي استخدمه النظام لتخويف وتبرير القتل والقصف وانتهاك حقوق السوريين، وتعذيب أبنائهم ضمن المعتقلات النازية التي تديرها أجهزة مخابراته المتعددة الأشكال والأسماء، ولكن المتشابهة بالخيانة وانتهاك كرامة السوريين.
تصدى “رجال الكرامة” لحماية المنتفضين، وتحدوا نظام الأسد الذي لا يزال صامتًا أمامهم، رغم كثرة تهديدات أتباعه، ورغم تلاعبات مخبريه. لم ترهبهم حواجز الإرهاب التي استعملها سابقًا ضد كل السوريين، وصارت أجهزة المخابرات تعد إلى المئة قبل أن تعتقل أي محتج أو أيًا من أبنائهم، ولو كان موجودًا في دمشق أو اللاذقية. صار الناس يدركون ضعف النظام، وتداعي قواه، وفقدانه للقرار المحلي قبل القرار الخارجي، فلم يعد بشار الأسد إلا خادم سيدين، واحد في موسكو وآخر في طهران، بعد أن رفض أن يكون خادمًا للشعب السوري، وتعالى على المحتجين وانهال عليهم بتصريحات وضيعة لا تليق برئيس دولة، بل هي أقرب إلى أقوال رئيس مافيا إرهابية!
تتسلح السويداء بتاريخها منذ الثورة السورية الكبرى 1925، وتتسلح برفض السوريين القبول بشرعية النظام الذي انتهك كل قيم التعايش بينهم، وكل القوانين الدولية، فاللاجئون السوريون ورغم بؤس حالهم يرفضون العودة إلى بلد السجون والتعذيب والجوع الذي تديره ميليشيات إيران الإجرامية، وتحرسهم طائرات بوتين الذي يهدد العالم اليوم بسلاحه النووي، بعد أن تورط باستعمال السلاح الكيماوي مع نظام الأسد منذ سنوات.
السويداء اليوم تشكّل أملًا لكل السوريين، ورجال كرامتها هم جزء من رجال الثورة الذين تهمهم سوريا الحرة المستقلة، ولن تمر اتهامات النظام لأهل السويداء ولشيوخها بأنهم مجرد رجال طائفيين، ولن يمر تباكيه على وحدة الأراضي السورية بعد أن اقتطع أجزاء كبيرة منها للإيرانيين والروس، رغم رفض السوريين التضحية بأي شبر من بلادهم.
ولأن نظام الأسد لا يجيد استخدام السياسة بعد أن استسهل العنف كوسيلة لحكم سوريا، فقد جرّب الضغط على أهالي السويداء بترحيل عصابات “داعش” إلى الجبل بباصاته الخضراء، ورغم القتل والتوحش الذي مارسته هذه العصابات الإرهابية، فإن أهل السويداء لم تنطلِ عليهم اللعبة التي انطلت على بعض الدول، وعلى بعض الطوائف التي تحتمي بميليشيات الأسد وإيران خوفًا من البعبع الداعشي، الذي يتشارك النظام مع إيران في التجارة معه وفي إدارة توحشه.
جرّب النظام التهديد بالحواجز وبما تمارسه من ابتزاز، وجرّب عمليات الاغتيال، لكن حراك السويداء لم يتوقف، بل وسّع آفاقه عبر “وثيقة المناطق الثلاث” التي تعيد توحيد سوريا الممزقة، وفتح جناحيه لكل السوريين المنكوبين.
جرّب أيضًا إغراق السويداء بتجارة “الكبتاجون”، وحاول توطينها لدى بعض أنصاره في ريف السويداء، لكن الناس خرجوا من أجل لقمة الخبز، ومن أجل وقف الظلم وإنهاء نظام “البعث” المبني على كتابة التقارير الكيدية، وخرجوا من أجل المستقبل، وليس من أجل المخدرات، التي تشغل الأسد المتمول ببيع السموم والأوهام للناس.
لم يستطع النظام إلى اليوم أن يصدر بيانًا ضد حراك السويداء وضد مطالب أهلها، ورغم تبجحه بأنه انتصر وأن المؤامرة الدولية ضده انتهت، فإن حراك السويداء ينضم إلى شعلة الثورة السورية ويحييها، ويؤكد على الكرامة وعلى الخلاص من الاستبداد، وتطبيق القرار الدولي “2254” الذي ينص على إجراءات نقل السلطة وإنهاء معاناة السوريين، وبناء مستقبل يضمن السلام الداخلي ويضمن عودة سوريا إلى المنظومة الدولية في حفظ القانون الدولي الإنساني، ومحاسبة مجرمي الحرب الذين تورطوا بالدم السوري.
بعد الاغتيالات الغامضة لبعض عملاء النظام، مثل براء قاطرجي ولونا الشبل، تحوّل نظام بشار الأسد اليوم إلى كرة يركلها الروس والإيرانيون بأرجلهم، بعد أن فقد الشرعية بشكل علني، وهذا يؤهل حراك السويداء لأن يكون جامعًا لكل السوريين لخلق بديل عن نظام الإرهاب الذي مزق البلاد، وزرع الخوف فيها، وجعلها مركزًا لإنتاج وبيع المخدرات.
تحية إلى أهل السويداء وأهل الجبل الأشم في حراكهم الوطني، وتحية لكل من ينضم إلى هذا الحراك ويجعله نواة لخلاص السوريين، وبداية حقيقية لبناء مستقبلهم الذي يليق بكرامة الإنسان ومتطلبات حفظ كرامته.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :