عنب بلدي – علي درويش
تحولت الطائرات المسيّرة (دون طيار) من سلاح معتمد للرصد والمتابعة خلال العقدين الأخيرين من القرن الماضي إلى سلاح متعدد المهام بعد استخدامه في توجيه ضربات جو- أرض، وجو- جو، وأخيرًا تحولت إلى طائرات انتحارية (كاميكازي).
جيوش وميليشيات الدول المنتشرة على الأرض السورية (التحالف الدولي، تركيا، إيران، روسيا، وقوات النظام) جميعها استخدمت الطائرات دون طيار بمختلف أشكالها ومهامها، بينما بقي هذا السلاح بعيدًا عن متناول المعارضة باستثناء محاولات تصنيعه من بعض الفصائل والاستفادة من نسخه التجارية في الرصد والاستطلاع.
لكن في 20 من آب الحالي، ظهر أول استخدام للطائرات المسيّرة الانتحارية لدى فصائل “الجيش الوطني السوري” المدعوم من تركيا، في مشروع تدريبي نشرت صوره وزارة الدفاع في “الحكومة السورية المؤقتة”.
التدريبات شاركت بها “الوحدة 105 بيرق النصر” التابعة لـ”فرقة السلطان مراد”، وهي أحد أقرب فصائل “الجيش الوطني” إلى تركيا.
ما نوع المسيّرات لدى فصائل المعارضة
تواصلت عنب بلدي مع “الجيش الوطني” ووزارة الدفاع للاستفسار حول أنواع المسيّرات الموجودة في ملاك الجيش، لكنها لم تحصل على معلومات لحساسية الأمر.
مصادر خاصة من “الوطني” ذكرت لعنب بلدي أن “الجيش” لديه مسيّرات مصنعة محليًا أو معدلة لجميع المهام القتالية (مذخرة، استطلاع، انتحارية)، ويجري التدريب عليها من باب الإعداد لأي عمل عسكري.
الباحث السوري في شؤون الطائرات المسيّرة علي محمد، قال لعنب بلدي، إن “الجيش الوطني” يمتلك بعض الطائرات المسيّرة التي تعتبر طائرات هواة ذات أربع مراوح يقتصر استخدامها على مسافات بسيطة في الاستطلاع ورمي بعض القنابل.
يسيطر “الجيش الوطني” على أجزاء واسعة من ريف حلب الشمالي والغربي (منطقة عمليات درع الفرات وغصن الزيتون)، إضافة إلى مدينتي تل أبيض شمالي الرقة ورأس العين شمال غرب الحسكة (منطقة عمليات نبع السلام).
أثر محدود في العمليات العسكرية
الباحث في مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية”، نوار شعبان، قال لعنب بلدي، إن المسيّرات الانتحارية المعدّلة (تجارية أضيفت إليها قذيفة) لا تحدث فارقًا في حال جرت معارك ضد “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) والنظام.
وأوضح شعبان أن هذا النوع من السلاح ليس هجوميًا ولا دفاعيًا، إنما للتخريب والتشتيت والتشويش، ولا يساعد بتحقيق تقدم عسكري أو فارق فعلي إلا إذا جرى استخدام عدد كبير منه (20 إلى 30 مسيّرة) على خط اشتباك محدد.
وعند استهداف نقطة تموضع أو عدة نقاط في محور واحد بعدة مسيّرات انتحارية، تضطر نقطة أو عدة نقاط إلى تغيير مكانها، ويمكن أن تؤثر على خطوط الدفاع وتفرض عليها التراجع للخلف أو تغيير المنطقة الجغرافية، أو ترك المناطق العالية.
وتمنح المسيّرات التجارية المعدّلة إمكانية ضرب أهداف بعيدة دون أن يلحق بالمهاجم خطر، بحسب شعبان، الذي رجح استخدامها بضرب نقاط بعمق من كيلومترين إلى ثلاثة كيلومترات.
وتصل نسبة تحقيق الهدف إلى 50%، لأن “هذا النوع يزوّد ببطاريات أكبر مقارنة بحجمه ما يؤدي إلى زيادة سرعته، وبالتالي صعوبة في التحكم به، وسهولة إسقاطه”، بحسب شعبان.
تركيا مصدر محتمل موثوق
تركيا الداعمة لـ”الجيش الوطني” من الدول الرائدة في مجال صناعة الطائرات المسيّرة بمختلف أنواعها، وأثبتت طائراتها فعالية في عدد من مناطق الاشتباك مثل سوريا وليبيا.
شارك “الجيش الوطني” إلى جانب تركيا في ثلاث عمليات عسكرية داخل الأراضي السورية، هي عملية “درع الفرات” بريف حلب الشمالي عام 2016 ضد تنظيم “الدولة الإسلامية”، وعملية “غصن الزيتون” بريف حلب الغربي ضد “قسد” عام 2018، و”نبع السلام” شرق الفرات ضد “قسد” عام 2019.
رغم الدعم والمشاركة في العمليات لم تمد تركيا “الجيش الوطني” بطائراتها المسيّرة كي تكون ضمن أسلحته، بل كانت هي من تستخدمها.
ومن الممكن نظريًا للفصائل العسكرية في شمال غربي سوريا الحصول على أنواع مختلفة من الطائرات المسيّرة سواء من تركيا أو السوق السوداء، بحسب الباحث في شؤون الطائرات المسيّرة علي محمد.
ولكن هذا يحتاج إلى مبالغ كبيرة، ويترافق مع أخطار كبيرة تتعلق بالجودة والأمان والقانونية، ومن الضروري مراعاة هذه العوامل بعناية قبل اتخاذ أي خطوات للحصول على طائرات مسيّرة بهذه الطريقة.
ويرى الباحث علي محمد، أن تركيا قد تكون مصدرًا محتملًا للحصول على طائرات مسيّرة، خاصة إذا كان هناك تنسيق أو دعم غير رسمي من بعض الجهات.
ومع ذلك، “يعتمد هذا على الديناميكيات السياسية والعسكرية في المنطقة، إذ قد تكون هناك قيود على تصدير مثل هذه التكنولوجيا”، بحسب محمد.
وإذا حصل “الجيش الوطني” على طائرات من تركيا، من المحتمل أن تكون من الطراز التجاري أو العسكري الخفيف، مثل “Kargu”، المفيدة في مهام الاستطلاع والهجمات المحدودة.
وأي محاولة للحصول على طائرات مسيّرة من تركيا بشكل غير رسمي قد يؤدي إلى توتر دبلوماسي بين تركيا والجهات الأخرى الفاعلة في المنطقة (مثل روسيا، وإيران، والولايات المتحدة)، ما يؤثر على الاستقرار في شمال غربي سوريا.
وأنواع المسيّرات التي من الممكن الحصول عليها من السوق السوداء، “DJI Mavic” (تجارية) أو مسيّرات معدّلة للاستخدام العسكري، إلا أن هذه الطائرات “محدودة القدرات والموثوقية”، بحسب قول علي محمد.
فالطائرات المسيّرة من السوق السوداء قد تكون مستعملة أو معدّلة بشكل غير قانوني، ما يمكن أن يؤثر في أدائها، إضافة إلى أن ضمان الجودة والصيانة سيكون تحديًا، وينطوي على أخطار قانونية كبيرة، قد تؤدي إلى عقوبات أو مشكلات أمنية مع الجهات الفاعلة الأخرى في المنطقة.
“الفتح المبين” تسارع في التصنيع
ملف التصنيع العسكري المحلي عملت عليه فصائل “الجيش الحر” والفصائل “الإسلامية” منذ العام 2012، وأحدثت نوعًا من التقدم في بعض الأمور رغم العديد من التحديات.
لكن بعد مرور السنوات واقتصار سيطرة المعارضة على شمال غربي سوريا، لوحظ تراجع اهتمام “الجيش الوطني” في التصنيع مقارنة مع الجهود المبذولة من قبل غرفة عمليات “الفتح المبين”.
“الفتح المبين” تضم فصائل من “الجيش الحر” سابقًا إلى جانب فصائل “إسلامية”، وتعتبر “هيئة تحرير الشام” أكبر الفصائل في “الغرفة”.
“الغرفة” تعمل في إدلب وجزء من ريف حلب الغربي واللاذقية الشرقي وحماة الشمالي، لديها مسيّرات من النوع التجاري للرصد والاستطلاع إلى جانب جهود شبه معلَنة لتصنيع مسيّرات محليًا.
الباحث علي محمد ردًا على سؤال عنب بلدي حول تقييم تصنيع المسيّرات بين “الوطني” و”الفتح المبين”، قال إن “الفتح المبين” تظهر اهتمامًا واضحًا وتقدمًا في تصنيع الطائرات المسيّرة، مستفيدة من المبادرات المحلية والإبداع في استخدام الموارد المتاحة.
بالمقابل، “الجيش الوطني” يفتقر إلى المبادرة في هذا المجال رغم توفر المواد، ما يضعف من قدرته على التكيف مع التهديدات المتزايدة من الطائرات المسيّرة المعادية، وقد يُعزى هذا إلى نقص في الإرادة السياسية أو التنظيمية أو تركيز الفصائل على أولويات أخرى.
عدم استغلال موارد “الجيش الوطني” في تصنيع المسيّرات يمثل خسارة لفرصة تعزيز القدرات الدفاعية والهجومية، وربما يكون نتيجة لنقص الخبرات أو عدم وجود استراتيجية واضحة لتطوير هذا المجال.
وقد يشير اعتماد “الجيش الوطني” على الطائرات المسيّرة المستوردة أو المهربة، “إلى نقص في الثقة أو القدرة على تطوير طائرات محلية، ما يجعله أقل مرونة وأكثر عرضة للضغوط الخارجية”، وفق قول محمد.
أما الفصائل المنضوية ضمن غرفة “الفتح المبين” فتمكنت من تصنيع طائرات مسيّرة للاستخدامات الاستطلاعية والهجومية، رغم التحديات التقنية والمادية.
وتعمل على الاستفادة من الموارد المتاحة محليًا، مثل قطع الغيار التجارية والمواد الأولية، لتطوير طائرات مسيّرة قادرة على تنفيذ مهام متعددة، ما يعكس قدرة لدى الغرفة في التحايل على القيود اللوجستية والإمدادات، عدا عن أن تطوير طائرات مسيّرة يتطلب معرفة تقنية متقدمة.
ويبدو أن “الفتح المبين” تسعى لتوفير ذلك من خلال التعاون مع خبراء محليين أو من خلال اكتساب المعرفة من مصادر خارجية، “هذه القدرة على التعلم والتكيف تعد ميزة قوية”، بحسب تعبير الباحث علي محمد.