عزل طبيعي وبديل اقتصادي مستدام

سكان بريف القامشلي يعودون للبيوت الطينية

طوب من الطين معد للبيع في ريف القامشلي 20 من آب 2024 (عنب بلدي)

camera iconطوب من الطين معد للبيع في ريف القامشلي 20 من آب 2024 (عنب بلدي)

tag icon ع ع ع

القامشلي – مجد السالم

في ظل ارتفاع أسعار مواد البناء التقليدية مثل “البلوك” والخرسانة في الحسكة، اتجه سكان من الريف نحو الاعتماد على طوب الطين كبديل اقتصادي ومستدام.

ويعد بناء المنازل باستخدام طوب الطين من أقدم طرق البناء في المنطقة، لكن العودة إليه اليوم باتت نوعًا من الاستجابة للتحديات الاقتصادية، وتلبية الحاجة إلى حلول أكثر انسجامًا مع البيئة المحيطة شديدة الحرارة صيفًا والبرودة شتاء.

منسجمة مع الطقس

بعد أن بنى منزلًا من الأسمنت منذ نحو ست سنوات في قريته خويتلة بريف القامشلي، قرر محمد الحسين العودة مرة أخرى إلى بناء غرفة من الطين أشبه ما تكون بالمضافة أمام منزله الأسمنتي.

قال الستيني لعنب بلدي، إنه لم يستطع تحمل حرارة المنزل الأسمنتي خلال الصيف ولا برودته خلال الشتاء، فقد كان يتحول إلى زمهرير (شديد البرودة) في الشتاء وإلى “فرن” في الصيف.

ما فاقم الشعور بالحرارة انقطاع التيار الكهربائي في الريف، إذ لا تأتي إلا ساعة كل 24 ساعة، ويصبح من الصعب الاعتماد عليها في التغلب على حرارة المنزل الأسمنتي.

أضاف محمد أن للمنزل الطيني عزلًا حراريًا ممتازًا، ويكفي وجود مروحة تعمل بالبطارية للحصول على برودة مقبولة، خصوصًا إذا كانت الأرضيات أيضًا طينية ولم يُستعمل فيها الأسمنت أو البلاط.

وذكر أنه عند رش الأرضية بالماء مع تشغيل مروحة عادية، تصبح الغرفة باردة صيفًا، وفي الشتاء أقل منبع حراري يمكن أن يجعل العائلة تشعر بالدفء، فالهواء الساخن يبقى مدة أطول حتى بعد انطفاء المدفأة.

محمد ومثله العديد ممن قابلتهم عنب بلدي، عمدوا إلى بناء غرف طينية منعزلة عن بنائهم الأسمنتي، لمميزاتها العالية بالعزل الحراري في ظل شح وغلاء مصادر الطاقة من مازوت وكهرباء.

 ربع تكلفة المنزل الأسمنتي

لا يمكن مقارنة تكلفة الطوب المصنع من الطين مع ذلك الذي يُصنع من الأسمنت (البلوك)، فالأول رخيص جدًا، ومتاح للجميع، وهذا ما أكده وليد الحبيب (34 عامًا) من ريف القامشلي، الذي يمتلك ورشة لإنتاج وبيع طوب الطين، أو ما يعرف محليًا بـ”اللِبن”.

قال وليد، إن طوب الطين يُصنع من مواد خام محلية متوفرة ورخيصة، وهي التراب والتبن الذي يُخلط معه، ويُضاف إليهما الماء بكمية معينة، ثم تُترك الخلطة أو العجينة الناتجة “لترتاح” حتى اليوم التالي.

بعدها يُضاف إليها الماء مرة ثانية، وتُخلط المكونات وتُمزج جيدًا بالمجرفة، وتداس بالأقدام للحصول على طينة بقوام ومواصفات معينة تُستخدم مباشرة، إذ تُسكب في قوالب خشبية مستطيلة الشكل بأبعاد 40 بـ30 سنتمترًا، وسماكة معينة (تسمى الملبن)، وتُترك تحت أشعة الشمس لتجف مدة يومين أو ثلاثة أيام لتكون جاهزة للبناء بعدها.

ولا تحتاج صناعة الطوب الطيني إلى أي آلات أو أدوت كهربائية، بل يكفي توفر الماء والخبرة.

وعن الأسعار التي تباع بها طوبة الطين، ذكر وليد أنه لا يبيع بالدولار كما هو حال معامل “البلوك”، إنما بالعملة السورية، وهذا زاد من الإقبال على الطوب الطيني.

يبيع وليد كل ألف طوبة بمليون و300 ألف ليرة سورية (84 دولارًا)، في حين تباع كل ألف “بلوكة” (طوب أسمنتي) بـ450 دولارًا (6 ملايين و975 ألف ليرة سورية).

ويرى وليد أن الأسعار تقلل تكلفة بناء المنزل إلى أقل من الربع فيما لو كان مبنيًا من الأسمنت، لذلك هناك إقبال على هذا النوع من البناء في ظل الظروف الاقتصادية المتردية وانعدام فرص العمل في الريف.

أشكال متعددة

عشرات المنازل الطينية وربما المئات بناها محمد عباس (47 عامًا) من ريف القامشلي خلال العام الحالي والأعوام السابقة، وذلك منذ ممارسته مهنة العمارة أو ما يعرف محليًا بـ”المعمِّر”.

قال محمد لعنب بلدي، إن هناك إقبالًا على هذا النوع من الأبنية، والسبب هو غالبًا تكلفتها المنخفضة جدًا، فبعض الأهالي يبنون كامل منزلهم من الطوب الطيني.

وأضاف أن بعضهم الآخر يمتلك منزلًا أسمنتيًا، ومن ميسوري الحال، لكنه يطلب بناء غرفة منعزلة عن البيت تكون من الطوب الطيني.

وذكر أن هناك عدة أنواع من المنازل الطينية “المطوّرة” في الوقت الحالي، أو المنازل التي يدخل في بنائها الطوب الطيني إلى جانب “البلوك”.

فبعض المنازل تُبنى بشكل كامل من الطوب الطيني، وهذه تحتاج إلى صيانة دورية قبيل كل فصل شتاء، وبعضها الآخر تُبنى حتى الربع أو المنتصف (نصف ارتفاع الجدران) كي تكون الأساسات أقوى بـ”البلوك” ثم يكمل بناء باقي ارتفاع الجدران بالطوب الطيني.

والنوع الأخير وهو الأفضل، وهو عبر بناء كامل المنزل من طوب الطين ثم تُلف الجدران الطينية بجدار آخر من البلوك، وهذا النوع لا يحتاج إلى صيانة، كما أن عزله الحراري عالٍ جدًا، وفق محمد.

وبحسب محمد، فإن نوع التراب ومقدار التبن المضاف الذي يصنع منه الطوب له دور في مدى جودة ومتانة الطوبة، وأفضل أنواع الترب المستخدمة هي تلك المستخرجة من منطقة جنوب الرد أقصى ريف القامشلي الجنوبي بالقرب من الحدود العراقية، إذ تمتاز طوبتها بالمتانة العالية ولونها الذي يميل نحو البياض.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة