اللاذقية – ليندا علي
توشك العطلة الصيفية أن تنتهي، ولم تستطع رؤى وضع أي من طفليها بأي نشاط صيفي، نتيجة عجزها عن إيجاد واحد برسوم “منطقية”، فرسوم التسجيل في أقل نشاط تتجاوز مئات آلاف الليرات السورية شهريًا.
الخيار الأفضل للسيدة (31 عامًا) التي تقيم في حي المشروع السابع بمدينة اللاذقية، كان وضع طفليها في مركز أنشطة بالقرب من منزلها، فالدوام فيه يبدأ من الساعة التاسعة ويستمر حتى الثالثة ظهرًا، وهي فترة غيابها عن المنزل بعملها موظفة حكومية.
المفاجأة كانت بأن رسوم تسجيل الطفل الواحد 250 ألف ليرة سورية شهريًا (17 دولارًا أمريكيًا)، تتضمن بعض الأنشطة مثل الرسم، والموسيقا، و”الزومبا”، وهي أحد أشكال الرياضات التي تقوم على الرقص الإيقاعي الحركي.
كانت رؤى تحتاج إلى 500 ألف ليرة شهريًا، والدفع لمدة ثلاثة أشهر لكل من الطفلين، وهذا يفوق راتبها الذي لا يتجاوز 345 ألف ليرة، فعدلت عن الفكرة.
وقالت رؤى، إن مكتبة الأطفال العمومية التي يقع مقرها في المركز الثقافي بمدينة اللاذقية، كانت أجورها منطقية نوعًا ما قياسًا بباقي النوادي، ومع ذلك، فإن دفع 50 ألفًا أو 75 ألف ليرة لنشاط واحد لا تتجاوز مدته الساعة أمر مكلف جدًا.
وفي حال اختارت المكتبة، فإنها ستعاني من النقل، لأنها تقيم في ضاحية بسنادا، وملتزمة بدوامها الحكومي، ولا تستطيع دفع تكاليف سيارة أجرة لنقل الطفلين لا تقل عن 300 ألف ليرة شهريًا.
في النهاية، اضطرت رؤى لترك طفليها (7 و9 أعوام) لدى جارتها تعتني بهما مع أطفالها، مقابل هدية شهرية كما وصفتها، إذ تعطيها 100 ألف ليرة سورية من راتبها.
الأنشطة بنحو 1.5 مليون ليرة
حرم كثير من الأطفال في محافظة اللاذقية هذا العام من التسجيل في الأنشطة الصيفية نتيجة ارتفاع الرسوم، التي تتفاوت من مركز إلى آخر دون ووضوح آلية أو معيار التفاوت.
مراسلة عنب بلدي رصدت رسوم التسجيل في المراكز، خلال جولة بصفة أم تريد وضع أطفالها فيها، إذ تبيّن أنه في حال أرادت أم عاملة وضع طفل واحد في مركز معروف بحي الزراعة تتضمن أنشطته “النمذجة” و”الروبوتيك” والرسم واللغة الإنجليزية ودورات تقوية في الرياضيات واللغة العربية، فإن هذا سيكلف مليونًا و450 ألف ليرة شهريًا.
أما دورة “النمذجة” لوحدها فتتراوح بين 75 ألفًا و300 ألف ليرة شهريًا، والرسم بين 50 ألفًا و150 ألف ليرة شهريًا، ودورات الإنجليزية بين 100 ألف و300 ألف ليرة شهريًا، وكلها بمعدل ساعتين أسبوعيًا فقط.
وتعد الرسوم مرتفعة مقارنة بالرواتب الحكومية والمستوى المعيشي، إذ يبلغ الحد الأدنى للرواتب في مناطق سيطرة النظام نحو 279 ألف ليرة سورية (18 دولارًا أمريكيًا).
السباحة خارج الحسابات
شعرت جورجينا (38 عامًا) بالتقصير الكبير تجاه ابنها “آخر العنقود” كما تصفه، ففي حين نجحت بوضع إخوته الأكبر سنًا في دورات تعلّم السباحة خلال السنوات السابقة، عجزت عن هذا الأمر مع ابنها الصغير هذا العام.
وتبلغ رسوم التسجيل في دورة السباحة 450 ألف ليرة سورية، متضمنة أجور النقل، وبلغت أجور إحداها 550 ألف ليرة، لأن السعر يختلف باختلاف المدرب والمسبح.
وقالت جورجينا، وهي موظفة حكومية، إنها لم تسجل أيًا من أطفالها سوى بدورات السباحة لأنها محببة كثيرًا لدى الأطفال، وتعطيهم المتعة، وفي السابق لم تكلفها كثيرًا من المال قياسًا بأسعار اليوم.
وأضافت أنها حين اتصلت بالمدربين للتسجيل، أخبروها بأن الرسوم قابلة للتعديل والرفع في حال ارتفع سعر المحروقات أكثر.
ولا تستطيع جورجينا دفع 450 ألف ليرة شهريًا، من أجل ثلاث ساعات أسبوعيًا، فهذا “ظلم كبير” لكل أفراد العائلة (زوجان وثلاثة أطفال)، بحسب وصفها، لذا قررت نسيان الأمر.
ورغم ارتفاع رسوم الأنشطة الصيفية للأطفال، وحرمان معظم أطفال المحافظة منها، فإن هناك بعض الأطفال الذين نجحوا بالحصول عليها، وهذا ما يوضح مدى تغلغل الطبقية في المجتمع السوري، إذ باتت تشمل جميع مناحي الحياة فيه.
إلى جانب عدم قدرة أهالي الأطفال على التسجيل في الأنشطة الصيفية لأولادهم، يواجه قطاع التعليم في سوريا عمومًا مشكلات جراء نقص الكوادر التدريسية، وتهالك المقاعد والصفوف التي تحتاج إلى صيانة، إضافة إلى الضغوط النفسية التي يعيشها المعلمون والمعلمات، جراء الأوضاع المعيشية وتدني الدخل، ما يجعلهم يعزفون عن تدريس الطلاب بجدية ويلجؤون إلى الدروس الخصوصية.