هل نجحت “تحرير الشام” في تقييد حراك إدلب

  • 2024/08/18
  • 11:21 ص
مظاهرة إحياء للذكرى الـ13 لانطلاقة الثورة السورية في مدينة بنش شرقي إدلب والمطالبة بإسقاط "الجولاني" - 15 من آذار 2024 (عنب بلدي/ إياد عبد الجواد)

مظاهرة إحياء للذكرى الـ13 لانطلاقة الثورة السورية في مدينة بنش شرقي إدلب والمطالبة بإسقاط "الجولاني" - 15 من آذار 2024 (عنب بلدي/ إياد عبد الجواد)

عنب بلدي – علي درويش

تراجعت حدة المظاهرات ضد “هيئة تحرير الشام” صاحبة النفوذ في إدلب خلال الأسابيع الماضية إلى النصف تقريبًا، لتصبح حوالي عشر نقاط تظاهر بينما كانت تصل إلى 20 نقطة في مختلف مدن وبلدت إدلب.

بدأت الاحتجاجات، نهاية شباط الماضي، على خلفية ملف “العمالة” وما رافقه من اعتقالات نفذتها “تحرير الشام” ضد قياديين وعسكريين في صفوفها إلى جانب مدنيين، وعمليات تعذيب أدت إلى وفاة عدة أشخاص.

ويقود الحراك ناشطون مدنيون، ويؤيده عسكريون وشرعيون معروفون في إدلب، ويرتكزون على مطلب أساسي هو رفض سياسة التفرد بالقرار التي تنتهجها “الهيئة”.

نوعت “تحرير الشام” أساليب التعامل مع المظاهرات، فاستخدمت أسلوب الحوار ووعود الإصلاح تارة، وأسلوب القمع تارة أخرى عبر قوتها الأمنية، كاعتقال وتفريق المظاهرات بالقوة، ومحاولات منع حدوث تجمعات كبيرة للمتظاهرين.

ما أسباب التراجع

الباحث في الحركات الجهادية الدكتور عبد الرحمن الحاج أرجع، في حديث لعنب بلدي، انخفاض نشاط الحراك ضد “الهيئة” إلى ستة أسباب هي:

  • السياسات التي اتبعها قائد “تحرير الشام”، “أبو محمد الجولاني”، بالاستجابة إلى جزء من المطالب، لكن دون أن تمس موقعه وإمساكه بخيوط القوة.
  • تباين مصالح المتظاهرين وتركيز “الجولاني” على استثمار التناقض بينها، ففي حين يضغط على خصومه “الجهاديين”، فإنه يحاول التقرب وتحقيق مطالب الحراك الثوري المدني.
  • نجاح “الجولاني” في جعل خصومه على قناعة بأنه لن يتخلى عن موقعه، وأنه لا أحد يستطيع زحزحته بغير القوة.
  • انقسام الشارع تجاه الاحتجاجات ذاتها، إذ تسببت الاحتجاجات بفقدان الإحساس بالاستقرار والأمن، بينما كانت تأمل بالإصلاح أكثر من أملها بالتغيير الجذري.
  • استطاع “الجولاني” تفكيك خصومه داخل “الهيئة”، والقضاء على التمرد داخل صفوف القوات التابعة لها من خلال “جهاز الأمن” العام الذي ظهر أنه يمسك بالفعل بزمام الأمور ويشكل أساس قوة “الجولاني”.
  • وصول المتظاهرين عمومًا إلى قناعة أن “الجولاني” خيار إقليمي ودولي لضمان بقاء المقاتلين الأجانب والتنظيمات “الجهادية” المتطرفة تحت السيطرة واستمرار تفكيكها.

تقرير لمركز “جسور للدراسات” نشر، في 10 من حزيران الماضي، أشار إلى أن الحراك آخذ بالتراجع التدريجي بسبب سياسات “الهيئة” القائمة على المواجهة والاحتواء.

لكن ذلك لا يعني قدرة “الهيئة” على إنهاء الاحتجاجات، بحسب التقرير، لأن استعمال القوة والحل الأمني قد يدفع مزيدًا من الشرائح الاجتماعية إلى الانضمام للاحتجاجات أو على الأقل تقديم الحماية إليها بأساليب مختلفة، خاصة أن الأوضاع الاقتصادية والمعيشية المتردية يمكن أن تضفي مزيدًا من الاستياء على أداء “الهيئة” وسلوكها.

ويترافق ذلك مع غياب آفاق الحل السياسي الذي يُمكن أن يُعزز من حالة اليأس، ويدفع لموجات احتجاج أكبر تكون فيها “الهيئة” بموقع العاجز عن تقديم أي تحسن ملموس للواقع السياسي والاقتصادي والأمني.

الحراك متموج

الطبيب محمد فاروق كشكش، أحد منسقي الحراك الشعبي المناهض لـ”الهيئة”، يرى أن الحراك لم يتراجع، ويمر منذ بدايته بحركة تموجية يشتد وينخفض، ويجد أنه اشتد خلال الأسبوعين الماضيين بعودة بنش وتكتل بلدات منطقة حزانو شمالي إدلب إلى التظاهر.

وقال كشكش، لعنب بلدي، إن أسباب الانخفاض النسبي في بعض المناطق مثل مدينة بنش شرقي إدلب، تعود للقبضة الأمنية التي تجلت بتوجيه عناصر الألوية العسكرية إلى شوارع المدينة، ولكن “سرعان ما أفشل الحراك هذه الجهود الكبيرة للقوة العسكرية والأمنية بتماسك مكوناته، وعاد الزخم إلى حاله”، وفق كشكش.

أما في بعض المناطق الأخرى فزعيم “تحرير الشام”، “أبو محمد الجولاني”، لديه “فريق يجول على المناطق، يضغط على أهلها بترهيبهم وتخويفهم من الدماء”، وفق كشكش، لذا ينخفض نشاط الحراك نسبيًا ثم لا يلبث أن يعود، مثل أريحا وبنش.

مدينة بنش تعد أبرز المناطق النشطة من ناحية حركة المظاهرات وعدد المشاركين فيها منذ بدء الحراك، وشهدت عدة توترات نتيجة استخدام “الهيئة” القوى الأمنية لإيقاف المظاهرات، واعتقال عدد من الناشطين.

في 5 من تموز الماضي، أطلق أمنيون يتبعون لـ”الهيئة” النار على مظاهرة واعتقلوا بعض الأشخاص، وهو ما قوبل بهجوم أشخاص على مخفر بنش وحرق سيارة تتبع له.

تبعها توجيه “الهيئة” أرتالًا عسكرية إلى بنش، واتهام “إدارة الأمن العام” عناصر مسلحين تابعين للحراك بإثارة الفوضى.

وأصدر “الحراك الشعبي في بنش” حينها بيانًا رفض فيه أي شكل من أشكال العنف والتخريب لأي مرفق عام أو ملحقاته، وذكر أن ما حصل في مخفر بنش لا يمت للحراك بصلة، كما أن الاعتقال التعسفي من قبل “الأمن العام” هو فعل غير مبرر، محملًا “تحرير الشام” المسؤولية عن أفعال كهذه.

قوبل الانتشار الأمني في بنش بمظاهرات في عدة قرى وبلدات بإدلب تضامنًا مع بنش.

تصعيد آخر شهدته بنش وأجج غضب الأهالي، في 16 من تموز الماضي، كان إثر صدم سيارة لفتاة ضمن مظاهرة لـ”تحرير الشام”، ووجهت الاتهامات بتبعية السائق لـ”الهيئة”.

في اليوم التالي، توصلت “الهيئة” مع اللجنة المفوضة عن حراك بنش إلى اتفاق ضم عدة بنود، أبرزها الإفراج عن موقوفي مدينة بنش على خلفية الأحداث الأخيرة، وسحب الحواجز والقوى الأمنية من بنش، وتعليق جميع أشكال الحراك والتظاهر في المدينة لمدة ثلاثة أشهر، وعودة الحياة المدنية إلى طبيعتها.

خيارات الحراك

الباحث عبد الرحمن الحاج، رجح تراجع الحركة الاحتجاجية مع الوقت، خصوصًا إذا التزم “الجولاني” بوعوده، والوصول إلى نتيجة تبين أن مطلب الاحتجاجات الأهم وهو إسقاط “الجولاني” بحكم “المستحيل في الوضع الراهن”.

وسيؤدي التراجع المطرد للحركة الاحتجاجية إلى سؤال الجدوى من الاستمرار، ما سيفضي إلى توقفها في وقت قصير، بحسب الحاج.

يخالف محمد فاروق كشكش رأي الحاج بقوله، إن الحراك ماضٍ ولن يتوقف، ودخلت إليه في الآونة الأخيرة طبقة بدأت تقتنع بعجز “الجولاني” عن إنجاز الإصلاحات الموعودة.

ولا بديل أمام الحراك إلا “السير حتى بلوغ أهدافه التي باتت أقرب من أي وقت مضى”، بحسب كشكش، وذلك لعدة أسباب، هي مرور ستة أشهر على وعود الإصلاح دون رؤية أي شي حقيقي على أرض الواقع.

وصمود الحراك كل هذا الزمن رغم القبضة الأمنية والاعتقالات، ووضوح الرؤية عند تجمع الحراك لمرحلة ما بعد “الجولاني”، وطريقة الإدارة الرشيدة للمنطقة.

لكن الحاج ذكر لعنب بلدي أن أفضل الخيارات المتاحة الآن بعد هذا التحول خلال الأسابيع الماضية هي “التمسك بالإنجازات التي تحققت بسبب الحركة الاحتجاجية، والعمل على تحويلها إلى مكاسب غير قابلة للتراجع، وعلى رأسها الانتخابات”.

وبحسب الحاج، “ليس مهمًا شخص الجولاني بقدر ما هو مهم تثبيت قواعد نظام يحتكم إليه المتظاهرون، ويكون لهم دور ومشاركة في صناعة القرارات المتعلقة بحياتهم اليومية”، إضافة إلى التعامل معه كخطوة للأمام يمكن البناء عليها ريثما يأتي الوقت المناسب للتغيير الجذري.

الباحث في شؤون الجماعات الجهادية عرابي عرابي، أوضح لعنب بلدي أن خيارات القائمين على الاحتجاجات لمواجهة تكتيكات “الهيئة” لإضعاف الحراك، هي بإعلانهم عن اتحاد معيّن أو الدعوة لاعتصامات وإضرابات كبيرة.
والخيار الثالث، وهو الأسلم والأفضل ويمكن أن يحقق لهم بعض المطالب، بحسب الباحث عرابي، التفاوض مع “الجولاني”، ما دامت لديهم قوة باقية يستغلونها ويستثمرونها في ذلك، و”أرى أنه سيقدّر هذا الأمر ويعطيهم بعض المكاسب والإصلاحات”، وفق قول عرابي.
وخيار الإضرابات والاحتجاجات يبدو أنه “لم ينفع في البيئة الموجودة بالشمال، لأن الأغلبية الصامتة لم تكن صامتة بحياد إيجابي إنما بحياد سلبي”، ولم تكن داعمة للحراك بأي شكل من الأشكال، أما الكتل الموالية لـ”الجولاني” فكانت فاعلة في إظهار عدم رضاها عن الحراك ودعم “الجولاني”.
وإذا استمر قادة الحراك على نفس المنوال دون احتجاجات واعتصامات كبرى، “فلا أظن أن الأمر ذاهب لخيار داعم لهم أصلًا”، وفق تعبير عرابي.

بينما تحكم “تحرير الشام” قبضتها الإدارية والعسكرية على إدلب، تحظى المنطقة باستقرار نسبي على صعيد خطوط الجبهات منذ توقف المعارك عام 2020، لكن التهديدات الأمنية من النظام السوري وروسيا لا تزال تؤرق السكان، خاصة مع تكرار حملات القصف المدفعي والطائرات الانتحارية على خطوط التماس جنوبي إدلب.

مقالات متعلقة

سوريا

المزيد من سوريا