عيد الصحافة السورية بحضور الأسد وغياب مملوك

tag icon ع ع ع

علي عيد

لم يكن ينقصهم سوى حضور علي مملوك، وهم يحتفلون يوم 15 من آب الحالي بالذكرى الـ50 لتأسيس “اتحاد الصحفيين” في سوريا، فقد حضرت بثينة شعبان، مستشارة الإعلام في القصر، وصاحبة المقولات الشهيرة التي شقّت صفّ المجتمع السوري طائفيًا، وأهمها تبريرها مجزرة الكيماوي بالغوطة، وقولها على قناة “سكاي نيوز” الأمريكية، في 5 من أيلول 2013، “إنهم (المعارضة) خطفوا أطفالًا وبالغين من القرى الساحلية ونقلوهم إلى هناك لقتلهم”.

وبالمناسبة، إن كنتم ما زلتم تذكرون، هناك مذكرة قبض صدرت في لبنان بحق مملوك وشعبان، في تشرين الأول 2012، في قضية زميلهما، الوزير السابق ميشال سماحة، على خلفية اعترافاته بالتنسيق معهما لتنفيذ تفجيرات في لبنان.

وربما يزيد شعور الصحفيين بالحرية أكثر فأكثر، المطالعة التي نشرتها وزارة الإعلام حول يوم “عيد الصحافة السورية” المستحدث، قائلة “إن 15 من آب 2006 اليوم التاريخي للصحافة السورية، يوم زار السيد الرئيس بشار الأسد المؤتمر الرابع لاتحاد الصحفيين ليكون يوم انطلاقة الصحافة السورية وعيدًا رسميًا للصحفيين بما تعنيه الكلمة، والذي جاء متزامنًا مع انتصار المقاومة اللبنانية على كيان الاحتلال الإسرائيلي”.

لكن من نكد أعياد الصحافة في كنف النظام، أن لا حرية، ولا استقلالية، ولا مسؤولية، ولا قدرة على الوصول إلى المعلومة، ولا حتى أمن وظيفي.

في احتفالهم، لم يتذكر المتحدثون مئات الصحفيين الذي قتلوا واعتقلوا وأصيبوا في الجانبين، ولا الآلاف من الصحفيين الهاربين من “ديمقراطية” وسعة صدر النظام الأمني، وإيمانه بحرية الكلمة، والتزامه بنصوص الدستور المعنية بالحريات العامة وحرية التعبير.

وأكثر من ذلك، لا ذكر لحقوق الصحفيين المادية المتردية، أو التشريعات والقوانين التعسفية التي كبّلت عمل الصحفيين وكسرت أقلامهم.

وكان همّ الاحتفال تكريس رداءة “اتحاد الصحفيين” بوضعه الحالي، وترويج كذبات إنجازاته، حين يقول رئيسه المعيّن دون إرادة ديمقراطية، إن الاتحاد “انطلق لمرحلة جديدة خارجيًا عندما انتسب للاتحاد الدولي للصحفيين عام 2017 قاطعًا الطريق على تشكيلات صحفية هلامية تريد أن تتحدث باسم الصحفيين السوريين”، قاصدًا “رابطة الصحفيين السوريين”، التي تضم المئات الذين يفترض أنهم من زملائه، هذا لو كان يؤمن بالزمالة والمهنية ومبادئ النقابات ودورها كمنظمات مجتمع مدني، هدفها مواجهة السلطة لا ممالأتها.

كنت ممثلًا لـ”رابطة الصحفيين” عندما أصبحت “الرابطة” عضوًا في الاتحاد، كما مثلتها في “كونجرس” الفيدرالية الدولية (الاتحاد الدولي للصحفيين) في تونس، بين 11 و14 من حزيران 2019، وخاطبت رئيس “اتحاد الصحفيين” والوفد القادم من دمشق معربًا عن تمنياتي لو أستطيع أخذهم بالأحضان بعد هذه السنوات من التباعد، لولا خوفي أن يلحقهم الأذى بجريمة احتضانهم صحفيًا سوريًا كان بينهم حتى خلال السنتين الأُوليين من انطلاق الثورة.

كنت ممن رجوا زملاء لهم، عام 2011 وبعده، ألا يتحولوا إلى جزء من الحل الأمني وإلى نافخين في كير الحرب، لكننا جوبهنا بتهمة العمالة.

أذكر أنني طلبت من اتحاد “دمشق” يومها أمام وفود من نحو 180 دولة، أن يقول كلمة في الدفاع عن صحفيين معتقلين، وبينهم صحفي عضو في إحدى لجان هذا الاتحاد (لجنة الإعلام الإلكتروني)، اعتقل بسبب استطلاع رأي يتحدث عن “أزمة الغاز” في البلاد، وجاءت الإجابة منه بخطبة عصماء يتغزل فيها بـ”سيادة الرئيس الدكتور بشار الأسد”، وكأنه يقول “كاد المريب أن يقول خذوني”.

كيف يؤمن بالحرية وبعيد الصحافة من لا يؤمن أو لا يعي دورها، وينكر تضحيات وعذابات الآلاف من الإعلاميين السوريين، بل يذهب بالإنكار إلى حدّ توجيه تحية لمن أسماهم “شهداء الإعلام السوري (…) الذين كانوا جنبًا إلى جنب وكتفًا بكتف مع الجيش العربي السوري”، وكأن الاصطفاف إلى جانب قوى الحرب، وأولاها الجيش الذي حوّل البلاد إلى ساحة تصفيات وارتكب المجازر، هو مسؤولية وهدف الصحافة والإعلام.

وكيف يؤمن بالسلام من ما زال يمارس السياسة في عمل النقابة، ويشيطن من يفترض أنه زميله في المهنة والهمّ والمسؤولية.

الحديث عن احتفالات الصحافة في دمشق لا ينبغي أن يمسّ زملاءنا القابضين على جمر وجودهم في بلد لا تتسامح فيه السلطة مع الرأي الحرّ، وهم كثر، حسب زعمي.

كان أولى في ذكرى تأسيس “اتحاد الصحفيين السوريين” أن يوجد بين المحتفلين من يقول تعالوا ننهِ عذابات السوريين، تعالوا نبعث دور الصحفيين الحقيقي من جديد، تعالوا نقل إننا أبناء وطن واحد، وإن من فرقتهم السلطة لا ينبغي للصحافة إلا أن تسعى لتجميعهم وتوحيد قواهم، هذا إن كان الهدف الصحافة والحريات، والأمر ليس كذلك.

في مكتبة “الأسد”، حيّا المحتفلون “الأسد”، في عيد صحافة أوحى به “الأسد” وغابت حرية الكلمة.. وللحديث بقية.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة