لماذا لا نصالح إسرائيل؟

  • 2024/08/18
  • 2:07 م
خطيب بدلة

خطيب بدلة

خطيب بدلة

يتفق الثوار، والمجاهدون، والمناضلون، والممانعون، على رفض مهادنة إسرائيل، أو التوصل إلى اتفاقية سلام معها، ويذكروننا، دائمًا، بأنها كيان عنصري اغتصبت أرضنا، وقتلت أطفالنا، وهجّرت شعبنا، لا ينفع معها سوى الحديد والنار، والإزالة من الوجود.

أصحاب هذا النهج يرفضون الإصغاء إلى صوت العقل، والحكمة، ويتهمون مَن يدعو للصلح بأنه انهزامي، انتهازي، أو ربما كان عميلًا للإمبريالية والماسونية العالمية.

يمكننا أن نناقش هذا المنطق الحماسي، بشيء من الهدوء والروية، ونسأل هؤلاء الإخوة: لماذا قبلتم بالاستعمار الاستيطاني العثماني، وعشتم معه، سمنًا على عسل، 400 سنة، ولا تقبلون بالاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي؟ خيار وفقوس؟ أم كيل بمكيالين؟ أنتم، مع الأسف الشديد، لستم ضد مبدأ الاستعمار بشكل عام، بدليل أنكم تقبلون بأي مستعمر مسلم، عن طيب خاطر، وتتعايشون معه، وتدافعون عن بقائه جاثمًا على صدوركم، حتى ولو جلد ظهوركم، ونهب خيرات بلدكم، وأساء معاملتكم، لا بل إنكم مستعدون للموت في سبيله، وأما المستعمر غير المسلم، فليس له عندكم إلا ما صنع الحَدَّاد.

إذا كانت ذاكرتكم ضعيفة، ونسيتم ما جرى في بلادكم، اسمعوا مني هذه الحكاية: بعدما انتصر الفرنسيون والإنجليز على المملكة العثمانية، وطردوا العثمانيين من بلادكم، سنة 1918، رضيتم بمستعمر آخر، جاء من بلاد الحجاز، هو الأمير فيصل بن الحسين بن علي، استقبلتموه بالطبول، والزمور، وعقدتم له الدبكات في ساحات دمشق، وسمحتم له أن يقيم دولته على طول البلاد السورية وعرضها. لماذا؟ الجواب بسيط للغاية: لأنه مسلم. لم تسألوا، ولم تحاولوا التأكد مما إذا كان رجلًا عادلًا أو مستبدًا، طيبًا أم خبيثا، وقفتم إلى جانبه دون قيد، أو شرط، وساعدتموه على تشكيل حكومة، وفي 8 من آذار 1920، احتفلتم معه بإعلان سوريا مملكة عربية هاشمية، وراثية، وعندما جاء الجنرال الفرنسي غورو، وأخرجه من سوريا بالقوة، زعلتم، وبكيتم، ثم بدأتم تعدون للفرنسيين ما استطعتم من قوة، ومن رباط الخيل، وباشرتم بمحاربتهم في كل مكان، حاولتم دحرهم، وطردهم من سوريا، ولكنهم، مع الأسف، غلبوكم، وأمضوا فترة الانتداب عندكم حتى آخرها، وعندما خرجوا  اعتبرتم كل ما أتى من طرفهم باطلًا، حتى ولو كان مفيدًا لكم، ولأبنائكم، ثم جاءت إسرائيل، واحتلت فلسطين، ووضعت يدها على قدسكم، ومسجدكم الأقصى، فنفرتم من كل حدب وصوب، لمنعها من الاستقرار، ولكنها، مع الأسف، انتصرت عليكم، فرحتم تعيدون الكرة، حربًا وراء حرب، وهزيمة إثر هزيمة، بلا كلل أو يأس، لم تبالوا بإنفاق القسم الأكبر من ميزانية بلدكم على الجيش، والتوازن الاستراتيجي، وهجمتم على إسرائيل سنة 1967، وانتكستم، وأضعتم جولانكم، وفي 1973، أضعتم أراضي جديدة، ولم تفكروا بإجراء صلح معها، والحق عليها بالطبع، فلو كانت دولة مسلمة، لسكتم، وساعدتموها في تطبيق شرع الله على الشعب الإسرائيلي!

عفوًا، أيها الأحبة، حضراتكم غير معتادين على هذا النوع من الخطاب، وعلى هذه الصراحة، ولذلك سيلجأ قسم كبير منكم لترك الفكرة المطروحة جانبًا، وتوجيه اللوم والاتهامات لي، وهذا لأنكم تصرون على إعادة تجربة فشلت مرارًا، وتنتظرون نتائج مختلفة.

مقالات متعلقة

  1. أبشروا.. إسرائيل إلى زوال
  2. القضية الفلسطينية والقضية السورية
  3. ترامب حين يفعل الصواب
  4. نفس العلقة اللي فاتت

مقالات الرأي

المزيد من مقالات الرأي