د. أكرم خولاني
أعلنت منظمة الصحة العالمية، في 7 من آب الحالي، عن تصنيف جدري القرود كحالة طارئة على الصعيد العالمي، وهي المرة الثانية خلال عامين، بعد أن كان هذا المرض قد انتشر في العام 2022 خارج البلدان التي كان يظهر فيها سابقًا (غرب ووسط إفريقيا) وشكّل فاشية عالمية.
جدري القرود مرض تشابه أعراضه كثيرًا تلك التي شوهدت في الماضي لدى مرضى الجدري، وقد اكتشف أول مرة عام 1958 في الدنمارك لدى مجموعات من القرود كانت قد احتجزت لأغراض البحث، وتم الإبلاغ عن أول إصابة عند البشر عام 1970 في جمهورية الكونغو الشعبية.
ولا يشكّل جدري القرود خطرًا كبيرًا، فهو أقل خطورة من الناحية السريرية من مرض الجدري، لذا لا داعي للهلع أو الخوف على خلفية إعلان منظمة الصحة العالمية حالة الطوارئ، ولا يتطلب انتشار هذا المرض استنفارًا عالميًا كما حدث مع جائحة “كورونا” عام 2019، إلا أنه يجب التعرف إلى طرق العدوى والأعراض سبل الوقاية لتجنب تفشي المرض.
ما مرض جدري القرود
جدري القرود أو جدري القردة (Monkypox-Mpox) هو مرض فيروسي معدٍ يسببه فيروس جدري القرود أو جدري النسناس (Monkypox Viruse-MPXV)، يؤدي إلى ظهور أعراض عامة لدى المصاب مع طفح جلدي، ورغم ارتباط اسم المرض بالقرود، فإنها لا تشكّل المصدر الوحيد له، فقد وجدت في إفريقيا دلائل على الإصابة بفيروس جدري القرود بالعديد من الحيوانات بما في ذلك السناجب، والجرذان، والزغبات، إضافة إلى أنواع مختلفة من القردة طبعًا، ولم يحدد الخزان الطبيعي لهذا الفيروس بعد، على الرغم من أن القوارض هي المصدر الأكثر احتمالًا.
هذا المرض أكثر شيوعًا لدى الأطفال، مع إمكانية إصابة البالغين، لكن 90% من الحالات في إفريقيا كانت لأطفال دون 15 عامًا.
وقد أشارت التقارير إلى أن لقاح الجدري يقلل من خطر الإصابة بمرض جدري القرود، إلا أنه وبعد استئصال الجدري في عام 1980 توقف التطعيم ضده، لذلك فإن الأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 40 إلى 50 عامًا (حسب البلد) قد يكونون أكثر عرضة للإصابة بجدري القرود من الأشخاص الأكبر منهم سنًا.
ورغم أن جدري القرود ليس شديد الخطورة، فإن نسبة الإماتة قد تصل أحيانًا إلى 11% من عموم المصابين، وتكون أعلى بين الأطفال الصغار، وقد بلغت 3–6% من المصابين في الآونة الأخيرة.
كيف تحدث العدوى
من الممكن أن ينتقل الفيروس من الحيوانات إلى الإنسان أو من شخص إلى آخر:
العدوى من الحيوان إلى الإنسان (مرض حيواني المنشأ):
تحدث عن طريق المخالطة المباشرة لدماء الحيوانات المصابة أو سوائلها الجسدية أو آفاتها الجلدية أو إفرازاتها المخاطية، وذلك عن طريق العضّات أو الخدوش، أو في أثناء ممارسة أنشطة مثل الصيد أو السلخ أو نصب الفخاخ أو الطهو أو العبث بالجيف، ويعد تناول اللحوم غير المطبوخة جيدًا والمنتجات الحيوانية الأخرى المستمدة من الحيوانات المصابة أحد عوامل الخطر المحتملة.
العدوى من إنسان إلى إنسان:
يحدث انتقال العدوى عن طريق المخالطة الوثيقة من خلال الملامسة المباشرة للجلد المعدي أو الآفات الأخرى كتلك التي توجد في الفم أو الأعضاء التناسلية، وتكون هذه الملامسة في أثناء الحديث عبر القطيرات التنفسية (ملامسة الوجه للوجه) أو لمس الجلد أو ممارسة الجنس المهبلي/الشرجي (تلامس جلدي) أو التقبيل (ملامسة الفم للفم) أو الجنس الفموي أو تقبيل الجلد (ملامسة الفم للجلد) أو ملامسة أشياء ملوثة حديثًا كالملابس والفرش والبياضات.
ويتطلب انتقال العدوى عبر القطيرات التنفسية (الرذاذ) اتصالًا طويلًا وجهًا لوجه، وهذا يجعل العاملين الصحيين وأفراد الأسرة وغيرهم من الأشخاص المخالطين للحالات النشطة أشد عرضة لخطر الإصابة بالعدوى، كما أن إمكانية العدوى عن طريق الممارسات الجنسية تجعل الأشخاص الذين لديهم شركاء جنسيون متعددون معرضين لخطر أكبر.
ويمكن أن تنتقل العدوى أيضًا عن طريق المشيمة من الأم إلى الجنين (ما قد يؤدي إلى جدري القردة الخلقي) أو في أثناء المخالطة اللصيقة خلال الولادة وبعدها.
ما أعراض الإصابة
تبلغ فترة حضانة الفيروس (وهي الفترة الفاصلة بين مرحلة الإصابة بالعدوى ومرحلة ظهور الأعراض) المسبب لهذه الإصابة حوالي أسبوع، ولكن يمكن أن تظهر الأعراض خلال يوم وحتى ثلاثة أسابيع من التعرض للفيروس، ويمكن تقسيم العدوى إلى فترتين:
فترة الغزو (تدوم بين صفر يوم و5 أيام): تتسم بالحمى والصداع المبرح وتضخم العقد اللمفاوية والشعور بآلام في الظهر والعضلات وبوهن شديد، ويعد تضخم العقد اللمفاوية سمة مميزة لجدري القرود مقارنة بالأمراض الأخرى التي قد تبدو في البداية مشابهة له (الجدري المائي والحصبة والجدري).
فترة ظهور الطفح الجلدي: تبدأ عادة في غضون يوم واحد إلى 3 أيام من ظهور الحمى، ويتركز الطفح الجلدي غالبًا على الوجه والأطراف وليس على الجذع، فهو يصيب الوجه (في 95% من الحالات)، وراحتَي اليدين وباطن القدمين (في 75% من الحالات)، كما تتأثر الأغشية المخاطية للفم (في 70% من الحالات)، والأعضاء التناسلية (في 30%)، والملتحمة (في 20%)، وكذلك القرنية، ويتطور الطفح الجلدي تدريجيًا من بقع (آفات ذات قاعدة مسطحة) إلى حطاطات (آفات صلبة ناتئة قليلًا)، ثم حويصلات (آفات مليئة بسائل شفاف)، فبثور (آفات مليئة بسائل يميل إلى الصفرة)، قبل أن تتحول إلى قشور تجف وتتساقط، وقد يلزمها 3 أسابيع حتى تختفي تمامًا.
ويتفاوت عدد الآفات الجلدية من بضعة إلى عدة آلاف، وفي الحالات الشديدة يمكن أن تلتحم الآفات حتى تنسلخ أجزاء كبيرة من الجلد.
يتعافى معظم المصابين في غضون أسبوعين إلى أربعة أسابيع دون الحاجة إلى دخول المستشفى، لكن أحيانًا قد يكون جدري القرود شديدًا وقاتلًا، وترتبط شدة المرض بمدى التعرض للفيروس والحالة الصحية للمريض، لكن بشكل عام يُعتقد أنه يكون أكثر حدة عند الأطفال والحوامل ومن يعانون ضعف المناعة.
كيف تُشخّص الإصابة
قد يكون التعرف على جدري القردة أمرًا صعبًا لأن العدوى والاعتلالات الأخرى قد تبدو متشابهة، ومن المهم التمييز بين جدري القردة والحماق والحصبة والتهابات الجلد البكتيرية والجرب والهربس والزهري وغيرها من أنواع العدوى المنقولة جنسيًا والحساسية الناتجة عن الأدوية.
ويحدث الاشتباه بجدري القرود عن طريق الأعراض والعلامات، ويكون تضخم العقد اللمفاوية خلال مرحلة ظهور بوادر المرض سمة سريرية تميزه، وفي حالة الاشتباه يجب أخذ عينة مناسبة من المصاب وإجراء فحص مخبري باستخدام تفاعل البوليميراز التسلسلي (PCR) لتأكيد التشخيص، وتعد العينات التشخيصية المثلى لجدري القردة تلك المأخوذة من الآفات الجلدية- سقف أو سوائل الحويصلات والبثور والقشور الجافة.
وننوه إلى أن فحوص الدم التي تُجرى بواسطة تفاعل البوليميراز المتسلسل غير قطعية بسبب قصر مدة وجود الفيروس في الدم مقارنة بتوقيت أخذ العينة بعد بدء ظهور الأعراض، كذلك فإن الكشف عن العدوى عن طريق المستضدات والأجسام المضادة لا يفيد في تأكيد الإصابة بجدري القردة تحديدًا لأن الفيروسات الجدرية متصالبة التفاعل مصليًا كما أن المطعمين، حديثًا أو قديمًا، بلقاح قائم على جدري البقر الموهن قد يؤدي إلى إيجابية كاذبة.