القامشلي – مجد السالم
تجد العائلات في مدينة القامشلي شرقي سوريا نفسها أمام نفس الصعوبات مطلع كل عام دراسي، جراء مستلزمات الأبناء المدرسية، والأقساط المرتفعة التي تعد واحدة من أكبر العقبات التي تواجههم، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها المنطقة.
هموم العائلات تسبق العام الدراسي الذي يبدأ في 8 من أيلول المقبل، فقلة الكتب وارتفاع أسعارها مع القرطاسية وتكاليف النقل اليومية، تشكل عقبة أمام الأهالي.
قسط المدرسة.. العبء الأثقل
تواجه مريم صفوك (39 عامًا)، المقيمة في القامشلي، صعوبة في تسديد الأقساط المدرسية لأطفالها الثلاثة كل عام، والتي تشهد ارتفاعًا بداية العام الدراسي، دون مراعاة لأوضاع الأهالي الاقتصادية، حسب قولها.
وأضافت السيدة لعنب بلدي أن “رحلة البحث” عن مدرسة مناسبة لدخل العائلة متعبة، فالأسعار ليست ثابتة، وأحيانًا ترتفع من فصل لفصل.
وتستذكر السيدة أنه في عام 2023 كان قسط الطالب الواحد بالمدرسة 450 ألف ليرة سورية (30 دولارًا أمريكيًا)، وفي الفصل الثاني رفعت إدارة المدرسة الأقساط إلى 600 ألف ليرة لكل طالب (40 دولارًا).
معاناة السيدة مشابهة لآلاف العائلات، خاصة في مسألة الأقساط المدرسية التي يراها مالك الوهب (46 عامًا) من سكان المدينة أيضًا، بأنها “العبء الأثقل”.
وذكر مالك، وهو أب لطالبين في المرحلة الإعدادية، أن بحث الأهالي مستمر عن مدرسة قريبة بأقساط مناسبة، إذ وصلت بعض أقساط المدارس الخاصة عام 2023 إلى نحو مليون ليرة سورية (66 دولارًا) في كل فصل.
وبحسب ما علمته عنب بلدي من الأهالي، فإن الأمر يصبح أكثر صعوبة إذا كان لدى العائلة أطفال في المرحلة الابتدائية، لأنه يجب تأمين “سرافيس” أو “تكاسي” خاصة للتعاقد معها ونقل الأطفال إلى المدرسة، بأجرة شهرية تتراوح بين 50 ألفًا و100 ألف ليرة سورية (سبعة دولارات) عن كل طالب.
وتختلف الأجور تبعًا للمسافة ونوع المركبة، في حين يمكن لطلبة المرحلة الثانوية أو الإعدادية التنقل سيرًا على الأقدام ضمن المدينة.
البحث عن مدرسة قريبة بأجور منخفضة
سابقًا كان في كل حي من أحياء المدينة مدرسة أو اثنتان لتلاميذ المرحلة الابتدائية، إذ تكون المدرسة قريبة من مكان السكن.
ومع سيطرة “الإدارة الذاتية” على المدارس في المدينة ومنع تدريس مناهج حكومة النظام، يضطر السكان إلى أرسال أبنائهم إلى مدارس خاصة أو حكومية ضمن المربع الأمني (تسيطر عليه قوات النظام).
قال حسام الوهب (50 عامًا) القاطن في حي الكورنيش لعنب بلدي، وهو يبحث عن مدرسة مناسبة لأبنائه منذ نحو أسبوع، إن المدرسة يجب أن تكون مناسبة من حيث الأقساط الفصلية، وجودة التدريس وعدد الطلاب في الصف الواحد، والقرب من مكان السكن.
وأضاف حسام أن تحقيق تلك المعادلة صعب في ظل الظروف الراهنة، فالمدارس الحكومية المجانية “مكتظة جدًا” بالطلاب، الذين يصل عددهم في الصف الواحد إلى 45 طالبًا وطالبة.
واعتبر أن الاكتظاظ ينعكس سلبًا على جودة التعليم، خصوصًا لتلاميذ الصف الأول والثاني الابتدائي، الذين يحتاجون إلى متابعة من المدرس خلال الدروس، لافتًا إلى أن المدارس الخاصة باتت لا تلتزم أيضًا بعدد معيّن ضمن الصف الواحد، وأصبح تحقيق الربح “أهم”.
يعتمد حسام في توفير تكاليف تعليم ابنه على ما يرسله ولده الأكبر، وهو لاجئ إلى إحدى الدول الأوروبية، ولولا ذلك لما استطاع توفير “فرصة تعليمية” لابنه، لأن راتبه الشهري لا يتجاوز 500 ألف ليرة سورية (32 دولارًا أمريكيًا).
ومثل حسام الكثير من العائلات تنتظر استقبال الحوالات الخارجية بحسب ما رصدته عنب بلدي، خاصة مع اقتراب العام الدراسي، وذلك لتأمين مصاريف المدرسة من رسوم وتكاليف قرطاسية ولباس وتنقل، إذ تزيد نسبة التحويلات النقدية قبيل العام الدراسي في ظاهرة تشبه التحويلات التي ترسل قبيل الأعياد.
600 ألف ليرة دون لباس
وبحسب جولة لعنب بلدي على أسعار القرطاسية المعروضة بالسوق، فإن الطالب الواحد يكلف تجهيزه نحو 600 ألف ليرة سورية (40 دولارًا)، موزعة بين حقيبة ودفاتر وأقلام وكتب وغيرها من القرطاسية، وربما تزيد لطلبة المرحلة الثانوية، عدا عن سعر اللباس المدرسي الذي تراوحت تكلفته بين 500 ألف ومليون ليرة سورية، مع حذاء جديد.
وبسبب فروقات التعليم في الحسكة بين مناطق سيطرة “الإدارة الذاتية” والنظام، يعاني السكان من دفع تكاليف باهظة في سبيل تأمين التعليم لأطفالهم، إذ يفضل أغلب السكان مدارس حكومة النظام المعترف بها على مدارس “الإدارة الذاتية”.
وتتبع معظم مدارس محافظة الحسكة لسلطة “الإدارة الذاتية”، بينما يتوجه آلاف الطلبة إلى مدارس حكومة النظام التي عادة ما تكون ضمن المربعات الأمنية أو في الريف الواقع تحت سيطرته.
وفي عام 2022، صرح محافظ الحسكة، لؤي محمد صيوح، بأن 130 ألف تلميذ وطالب يتوجهون إلى المدارس الحكومية (تدار من قبل وزارة التربية في حكومة النظام)، البالغ عددها نحو 146 مدرسة فقط.
ونقلت صحيفة “تشرين” الحكومية عن صيوح قوله، إن 2285 مدرسة كانت موجودة في المحافظة قبل خروج 2139 مدرسة من المنظومة التعليمية (التابعة لوزارة التربية السورية) “بدعم من المحتل الأمريكي، واستخدامها لأغراض خارج العملية التعليمية”، بحسب وصف المحافظ.