سيدات يقتصدن في تحضير “الكشك”.. مؤونة غير معتادة باللاذقية

يبدأ تحضير مؤونة "الكشك" في اللاذقية في تموز وآب من كل عام - آب 2024 (عنب بلدي/ ليندا علي)

camera iconيبدأ تحضير مؤونة "الكشك" في اللاذقية في تموز وآب من كل عام - آب 2024 (عنب بلدي/ ليندا علي)

tag icon ع ع ع

تمد الستينية جنان قطع “الكشك” فوق قماشية نظيف على سطح منزلها في منطقة صلنفة بريف اللاذقية، ولا تكلّ من ترتيبها كل صباح، ثم تزيلها في نهاية اليوم قبل حلول المساء، كي لا يصيبها الندى فيصبح لونها مختلفًا، وتطول مدة تجفيفها.

لم يغب إعداد هذا النوع من المؤونة عن السيدة طيلة سنوات حياتها، بعد أن تعرفت إلى الأكلة من خلال صديقتها في العمل حين كانت موظفة بدمشق، وما تغيّر فقط هي الكميات التي تعدها، إذ بات غلاء المستلزمات يجعل “الكشك” طبقًا مكلفًا رغم بساطته.

جنان واحدة من النساء القلائل في محافظة اللاذقية، اللواتي يحضّرن “الكشك” أو “الكشكة”، الأكلة غير المتداولة بالمحافظة بخلاف مناطق أخرى مثل حماة وحمص والسويداء، ربما يعود السبب إلى طبيعة اللاذقية المعتدلة لقربها من البحر، إذ يحتاج “الكشك” إلى الحرارة المرتفعة لتجفيفه.

كمية منخفضة

يبدأ إعداد “الكشك” عادة في تموز وآب من كل عام، حيث درجات الحرارة مرتفعة، في وقت بات فيه تحضير المؤونة رفاهية أمام واقع اقتصادي ومعيشي متردٍ.

حضّرت جنان كيلوغرامين من البرغل، ويحتاج كل كيلو إلى 3 أو 4 كيلوغرامات من اللبن الرائب، ويضاف إليه نصف كيلو “لبنة”.

تخلط السيدة المكونات وتتركها حتى تتشرب حبات البرغل اللبن، ثم يتم تقطيعها وتعريضها للشمس حتى تجف، ثم تحتفظ بها لموسم الشتاء.

بلغت تكلفة كيلوغرامين البرغل واللبن و”اللبنة” 100 ألف ليرة سورية (7 دولارات أمريكية) أو أكثر بقليل، كما قالت جنان، مضيفة أنها اشترت كيلو الحليب بسعر 7000 ليرة للكيلو، ومن ثم قامت بصنع اللبن منه، ولو أنها اشترت اللبن الرائب لارتفعت التكلفة إلى نحو 130 ألف ليرة بالحد الأدنى.

كانت الكمية مضاعفة قبل سنوات، لكن ارتفاع أسعار معظم المواد، أمام راتب السيدة التقاعدي الذي لا يتجاوز الـ250 ألف ليرة، قلل من الكميات.

يبدأ تحضير مؤونة "الكشك" في اللاذقية في تموز وآب من كل عام - آب 2024 (عنب بلدي/ ليندا علي)

يبدأ تحضير مؤونة “الكشك” في اللاذقية في تموز وآب من كل عام – آب 2024 (عنب بلدي/ ليندا علي)

أكلة شتوية

فيما مضى، كانت السيدة تعد “الكشك” بشكل مختلف عن اليوم، حيث تضيف إليه عند الطهو شتاء قطع اللحم مع دهن الخروف، وتعده على شكل “شوربة”، أما اليوم فلا تستطيع تحمل تكلفة شراء كيلو لحم غنم بـ225 ألف ليرة، وعوضًا عن طهوه بتلك الطريقة، تقوم بتحضيره مع “الماجي” والبصل وزيت الزيتون.

ويشكل طبق “الكشك” بالنسبة للسيدة الستينية التي تقيم بمفردها، وسيلة جيدة لنيل بعض الدفء شتاء، فصلنفة منطقة باردة جدًا، والمازوت لا يكون متوفرًا دائمًا لتشغيل المدفأة، وهي لا تستطيع الاستغناء عن صنعه، مهما ارتفعت كلفته، كما قالت.

لا تغفل السيدة عن إعداد فطائر “الكشك” الشهية، كلما سمحت لها الفرصة بذلك، حيث تحب أن تمنح جاراتها قليلًا من الفطائر وطبقًا ساخنًا في الشتاء، ورغم أن معظم جاراتها ترددن في تجربة “الكشك”، فإنهن أحببنه، لكن بسبب ارتفاع الأسعار وغلاء اللبن لا يستطعن إعداد مؤونة منه اليوم.

إلى جانب “الكشك”، تصنع جنان بعض أنواع المؤونة الأخرى، مثل المكدوس ومربى التين، فهي تعمل في أرضها وتزرع معظم احتياجاتها، وتبيع الباقي لتؤمن مصدر دخل يساعدها إلى حد ما.

بالنسبة للسيدة، إن اتباع نظام حياة صحي من عمل في الأرض وممارسة الرياضة والابتعاد عن تناول الكثير من الطعام، هو سر خلوها من الأمراض، إضافة إلى حرصها أن تتناول أصناف الطعام القديمة مثل “الكشك” والحنطة والقمح.

وتتجه معظم العائلات في اللاذقية إلى إلغاء فكرة المؤونة، فالأسعار غالية سواء في مواسم الخضراوات أو خارجها شتاء، ولا يوجد فرق كبير، باستثناء بعض سكان الأرياف الذين يمتلكون أراضي زراعية يزرعونها ببعض المحاصيل للتموين منها دون الاضطرار للشراء.

وكان كثيرون خسروا مؤونتهم عامي 2020 و2021، نتيجة التقنين الكهربائي، قبل أن يتوقفوا عن “التفريز” (تجميد المؤونة) ويبحثوا عن بدائل جديدة، لا تزال قاصرة ومحدودة.

ويعمق تدهور قيمة الليرة السورية أمام الدولار الأمريكي معاناة السوريين، إذ سجل سعر مبيع الدولار أمام الليرة 15000 ليرة وفق موقع “الليرة اليوم” المختص بأسعار صرف العملات، بينما يبلغ الحد الأدنى للرواتب الحكومية في مناطق سيطرة النظام السوري 279 ألف ليرة سورية.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة