أكمل متظاهرو السويداء عامهم الأول من الاحتجاجات، التي طالبوا خلالها بإسقاط النظام السوري، وتطبيق القرار الأممي “2254”، متحدين القبضة الأمنية للمخابرات التي حاولت جاهدة إخماد الحراك السلمي.
في 17 من آب 2023، انطلقت الشرارة الأولى لحراك السويداء، بإضراب عام تمثل بقطع الطرقات وإغلاق مقار حزب “البعث”، والدوائر الحكومية والبلديات، وذلك احتجاجًا على رفع النظام أسعار المشتقات النفطية، وسوء الأوضاع المعيشية والخدمية.
الإضراب الذي انطلق في صباح ذلك اليوم احتجاجًا على سوء الأوضاع المعيشية، سرعان ما تحوّل إلى انتفاضة شعبية بمطالب سياسية ذات سقف مرتفع، دعت لتطبيق القرارات الأممية الخاصة بالتغيير السياسي والانتقال السلمي للسلطة في البلاد.
احتفال بالذكرى السنوية
واحتفل متظاهرو السويداء، الجمعة 16 من آب، في ساحة الكرامة وسط المدينة، بالذكرى السنوية الأولى لإنطلاق الحراك السلمي، حيث توافدت مختلف الوفود للمشاركة في المظاهرة المركزية.
وقالت شبكة “السويداء 24“، إن وفودًا من شهبا وقراها شمالًا، إلى صلخد وريفها جنوبًا، مرورًا بالقريا وصولًا إلى المزرعة والجنينة ومفعلة وغيرها من القرى، شاركت في الحراك السلميّ المُطالب بالحرية والتغيير.
وأضافت “السويداء 24″، أن المحتجين علّقوا صورًا من مظاهرات ومسائيات سابقة مع تواريخها بالتسلسل منذ بداية الانتفاضة، ولوحة كبيرة تحمل صور أبرز الاعلاميين المُساهمين بتغطية الحراك.
كما حملوا صور “جواد الباروكي” أول متظاهر قُتل على يد النظام السوري، إضافة لرفع صورة “مرهج الجرماني” قائد لواء الجبل، والذي قُتل في ظروف غامضة.
حراك ليس وليد العام
منذ اللحظة الأولى لانطلاقة الحراك، أعلن وجهاء مجتمعيون ودينيون بارزون في المحافظة، وفي مقدمتهم الرئيس الروحي لطائفة الموحدين الدروز، حكمت الهجري، انحيازهم إلى حراك السويداء ومطالبه كافة، والتحق بالركب شيخ العقل حمود الحناوي وغالبية مشايخ الدين، معلنين تأييدهم للاحتجاجات.
وقال الكاتب حافظ قرقوط، من أبناء السويداء، إن هذا الحراك لم يُولد منذ عام فقط، بل هو حالة تراكمية بدأت مع انطلاق الثورة السورية في 2011، حيث خرجت حينها عدة مظاهرات في السويداء بدعم من نقابة المحامين، وذلك تضامنًا مع درعا وبقية المحافظات، ما دفع النظام حينها لمحاصرة السويداء.
وأضاف قرقوط، لعنب بلدي، أنه بعد حصار السويداء وفرض قبضة أمنية من النظام على المحافظة في 2011، كان الحراك يتّسم بهبات تعلو ثم تنخفض ثم تصمت قليلًا، وخرجت لاحقًا دعوات سابقة للاحتجاج تحت عناوين مختلفة كـ”بدنا نعيش” أو “خنقتونا”، إلى أن انطلق الحراك الأبرز في آب 2023 وظل مستمرًا دون انقطاع حتى يومنا هذا.
وخرجت المظاهرات في مدينة السويداء لأول مرة، في 15 من نيسان 2011، وردد المتظاهرون حينها شعارات “حرية حرية” و”بالروح بالدم نفديك يا شهيد”، وذلك تضامنًا مع عشرات القتلى الذين سقطوا على أيدي قوات النظام في درعا ومدن سورية أخرى.
النظام عاجز عن إخماد الاحتجاجات
حاول النظام إخماد حراك السويداء بوسائل مختلفة لكنه فشل في ذلك، وفي هذه السياق قال الصحفي نورس عزيز، إن “المكون الدرزي في محافظة السويداء وضع النظام في موقف محرج، كونه يزعم أنه حامي الأقليات، ما جعله غير قادر على التحرك العسكري والأمني لقمع هذا الحراك كما فعل مع بقية المحافظات”.
وأضاف عزيز، وهو من أبناء السويداء، لعنب بلدي، أن النظام حاول قمع الحراك من خلال تأليب شيخ العقل الثالث (يوسف الجربوع) ضد المتظاهرين، اضافة لتوظيف بعض الأدوات الإعلامية ومنهم رفيق لطف وبشار برهوم للهجوم على هذا الحراك، ووصفه بالخيانة وبأنه يريد الانفصال، لكن كل تلك المحاولات لم تجدِ، واستمر المتظاهرون في حراكهم المطالب بإسقاط النظام.
بدوره قال الكاتب حافظ قرقوط، إن النظام حاول أن يجر السويداء إلى العنف لكنه فشل أكثر من مرة، وبقي الحراك سلميًا، كما أن النظام أعلن أنه يريد استعادة سوريا كلها، لكن أي حرب جديدة قد تكون محرجة له، اضافة إلى أن حلفائه غير قادرين على فتح جبهات جديدة، في ظل انشغال روسيا بحرب أوكرانيا، وإيران في الحرب مع إسرائيل.
وحذر قرقوط من أن هذا النظام حاقد وانتقامي، وفي أي لحظة يمكن أن يعود ويستخدم العنف والدبابات والقصف لإخماد حراك السويداء، إذا ما أتيحت له الفرصة.
في 28 من شباط الماضي، قُتل المتظاهر جواد الباروكي وأصيب آخر، بإطلاق عناصر في قوات النظام النار بشكل عشوائي باتجاه متظاهرين وفي الهواء، في أثناء محاولتهم اقتحام مركز التسويات الأمنية في صالة “السابع من نيسان” وسط مدينة السويداء.
وفي سياق دفع الحراك للعنف، اُغتيل قائد فصيل “لواء الجبل” القيادي مرهج الجرماني الشهر الماضي، والذي كان له دور بارز في تنظيم الاحتجاجات وحمايتها، وسط اتهامات للنظام بالوقوف خلف عملية الاغتيال.
كذلك زرعت في أكثر من مرة قنابل وسط ساحة الكرامة، وتحديدًا قبيل انطلاق المظاهرة المركزية التي كانت تخرج كل جمعة.
كما لجأ النظام خلال الفترة الأخيرة إلى استقطاب عدد من أبناء السويداء وتسليحهم للتصدي للحراك، إلى جانب الحملات الأمنية المتتالية والحشود العسكرية بمحيط المحافظة.
وكانت آخر هذه الإجراءات، إصدار القيادة المركزية لـ”حزب البعث”، في 13 من آب الحالي، مذكرة طرد بحق “100 عضو عامل”، في محافظة السويداء، وذلك بسبب مشاركتهم في الاحتجاجات السلمية.
لهذه الأسباب استمر الحراك
رغم التحديات التي وقفت في وجه الاحتجاجات في السويداء، بقيت مستمرة بلا انقطاع، ويعود ذلك وفق الصحفي نورس عزيز، إلى توافر ما نسميه بـ”ثالوث ثوري”، أي أن الحراك استمر بسبب وجود ثلاثة عوامل أساسية.
العامل الأول أن الحراك ضم أناس من السويداء لديهم أوجاع ومطالب، وبينهم معارضون سابقون، أو معارضون متضررون من الوضع الاقتصادي ومن هذا النظام.
العامل الثاني أنه منذ عام 2013، تشكلت فصائل محلية في السويداء، ومع الوقت صارت قوة محلية لا يستهان بها قادرة على حماية المتظاهرين ضد أي اعتداء، وبنفس الوقت دعمت تلك الفصائل حراك السويداء، وعلى رأسها “قوات رجال الكرامة”، كما أن من المؤسسين لحراك ساحة الكرامة قبل عام، فصيل “لواء الجبل” وفصيل “أحرار جبل العرب” وعدة فصائل أخرى.
وأضاف الصحفي عزيز أن العامل الثالث ضمن الثالوث الثوري، هو وجود مباركة للحراك من المرجعية الدينية، متمثلة بالشيخ حكمت الهجري والشيخ حمود الحناوي، فعلى هذا الأساس اكتمل الثالوث الثوري، الذي يتيح للحراك أن يستمر لسنوات دون توقف، وقد قال الشيخ الهجري منذ بداية الحراك إنهم مستمرون في التظاهر لأسابيع وأشهر وسنوات حتى تحقيق مطالب المتظاهرين.
في السياق ذاته قال حافظ قرقوط، وهو عضو سابق في الائتلاف الوطني، إن السويداء ثارت بعد انقطاع الأمل بمستقبل البلد، وإيمان المتظاهرين بأنه لا توجد قدرة عند النظام على تحسين الأوضاع المعيشية العامة، عدا عن الانفلات الأمني وتحويل مراكز ليست قليلة من المحافظة كممر لتهريب المخدرات، وبالتالي فإن الحراك مستمر طالما أن مطالب المتظاهرين لم تتحقق.
وأشار قرقوط إلى أن مشاركة المرأة في مظاهرات السويداء كانت حافزًا لاستمرار الحراك، حيث شعر المحتجون أنهم كأسرة واحدة داخل الساحات، إلى جانب وجود رجال الدين الذي أداروا الحراك بعقلانية من خلال البيانات والمتابعة المستمرة، إضافة إلى التنسيق والتناغم بين مختلف القرى والبلدات ومشاركتها في مظاهرات ساحة الكرامة، كلها عوامل ساهمت في استمرار الاحتجاجات.
مستقبل غامض
بعد مضي عام على احتجاجات السويداء، يبقى التساؤل حول مستقبل هذا الحراك، الذي وصفه نورس عزيز بأنه “غامض”، مشيرًا إلى أن استمرار الحراك من عدمه يعتمد على تغير القوى والمصالح الدولية، وأهمية وجود دعم له من بقية المحافظات، ولاسيما أن كل المناطق تحت سيطرة النظام لم تدعم الحراك بسبب القبضة الأمنية، واقتصر الدعم على مناطق الشمال السوري.
وأضاف عزيز أن مستقبل الحراك لحد الآن يبنى على استمراريته السلمية، وطالما أن النظام يرى أن هذه السلمية لم تعطِ أي نتيجة للمتظاهرين ولم تلحق أي ضرر له، فلا مانع لديه أن يستمر الحراك لعدة سنوات أخرى.
من جهته اعتبر حافظ قرقوط، أن مظاهرات السويداء بعثت عدة رسائل مستقبلية للمهجرين الذين قد يكون كثير منهم قد فقدوا الأمل بالعودة إلى بيوتهم، وأعادت لهم الأمل بأنهم قد يعودوا إلى بيوتهم، وردّ الحراك على النظام الذي يتذرع أن هذه الثورة طائفية وتريد التهام الأقليات، وكشف بأن الأسد لا يحمي لا أقلية ولا أكثرية، بل هو موجود ليتسلط على رقاب العباد.
حراك السويداء تميّز بمشاركة ممثلين عن فئات مختلفة من أهالي المحافظة، منها ”تجمع القطاع الصحي”، و”التجمع المهني في السويداء”، و”تجمع معلمي السويداء” و”تجمع مهندسي السويداء”.