بيروت – منال شخاشيرو
“ما بدي عيش تحت رحمة حدا”، هذا ما رددته مايا (23 عامًا) عند سؤالها عن طفليها الصغيرين اللذين تعيلهما بعيدًا عن زوجها، بعد أن هاجر عبر البحار بحثًا عن حياة أفضل ومستقبل مستقر له ولعائلته.
ورغم التحديات القاسية التي واجهها أثناء هجرته إلى ألمانيا، لا تعتبر مايا زوجها حاملًا لهمّها وهمّ أطفالها، فهو لم يعش الظروف الصعبة التي تعاني منها في لبنان، كما تقول. فقد بقيت في مكان غير مرغوب به بالنسبة لها، وأصبحت تعيل والدها ووالدتها أيضًا.
مايا وغيرها من السيدات السوريات في لبنان اضطررن للعمل من أجل إعالة أسرهن، فاشتركت أغلبهن بتحمل مسؤولية المنزل، بينما كان من المعيب مغادرتهن المنزل دون أزواجهن، قبل النزوح.
بعض السيدات ينظرن لهذه الظروف بإيجابية، كحال مايا، وتقول إن “ثقتها بنفسها أصبحت أقوى ولا يستطيع أي شخص أن يحتال عليها أو يهزأ بها”.
وترى أُخريات أنهن كسبن مزيدًا من الخبرات في الحياة، كتطوير ذواتهن ومواجهة التحديات أمام ألم الغربة وتحمل غياب الرجل، فمن وراء الجدران العالية التي قيّدت حركة المرأة، وحدّت من قدراتها ومهاراتها لصالح واجباتها المنزلية فقط، إلى عالم أصبحت المرأة تقرر وتتكلم وتصنع وتعمل وتعلّم.
جولي (25 عامًا) ترى أن للمرأة كيانًا كما للرجل، وعن وضعها الاجتماعي بعيدًا عن الرجل، تقول الفتاة العاملة في منظمة مجتمع مدني (اختارت اسمًا مستعارًا لها)، إنها تجد صعوبة في الارتباط مع رجل بعد أن شعرت باستقلالية في حياتها وقراراتها.
ورغم أنها تؤمن بأن الرجل هو الوحيد الذي يستطيع أن يعطيها الحب ويد العون عند الحاجة أو عند الوقوع في الأزمات، الأمر الذي يعجز عنه أي شخص آخر، إلا أنها تعتبر الدعوات من المجتمع المحيط لها بـ “العريس” انتقاصًا من حقها.
أما الطالبة الجامعية يارا (27 عامًا)، فتعارض جولي ومايا، وتعتبر وجود الرجل في حياة المرأة أمرًا ضروريًا ومهمًّا، وليس انتقاصًا من قدراتها ومكانتها كامرأة في المجتمع.
وتعتقد يارا أن الوصول إلى الرجل ليس الهدف، وإنما وسيلة نحو هدف أعظم، فهو ضرورة تكاملية لاختبار المودة والرحمة، الذي يحقق الآية الكريمة “وجعل بينكم مودة ورحمة”.
يارا مسؤولة الآن عن أسرةٍ غاب عنها الرجل، ولا مانع من استقلالية المرأة المادية، برأيها، فهي نوع من القوة الذاتية لها، ولكن الجميل أن يكون هناك من يساعدها في ذلك ويكونان سندًا لبعضهما جنبًا إلى جنب، كما تقول، مشيرة إلى ضرورة الدعم المعنوي من الرجل بكلمة طيبة وإيمان بقدراتها، مؤكدةً “هذا شيء له قيمة ومحفز ورسالة سماوية، ووجوده مصدر أمان ومكمل للسعادة”.
لكن لا يبدو الأمر سهلًا في الوقت نفسه، كون العادات والتقاليد هي التي تحكم المجتمع الشرقي بطبعه، وهناك الكثير من الأسر التي دفعت بناتها إلى الزواج وقررت عنهن المستقبل، “حتى لا يصبحن حكاية يتم سردها بين الناس”، وتوافق علا (28 عامًا)، التي تعمل سكرتيرة في إحدى المنظمات السورية في بيروت، على ذلك.
الأمر السلبي لغياب الرجل عن حياة المرأة هو الشعور بالنقص، بحسب علا، كونها أنثى وبحاجة إلى رجل يكون إلى جانبها، أما الشيء الإيجابي باعتقادها، أن غياب الرجل أعطاها القوة أكثر من قبل، حتى استطاعت “الوقوف على رجلها بقوة كي تحقق ما تريد”.
وعن نظرة المجتمع للمرأة التي تعيش دون رجل أو عائلة ليس فيها رجل، تقول عُلا “المجتمع دائمًا ينظر إلى المرأة على أنها ضلع قاصر وضعيفة، وكوّن ذلك نظرة سيئة تجاه المرأة حتى لو كانت ناجحة في حياتها وتحافظ على نفسها”.
“أخيرًا المجتمع لن يتغير، إلا إذا قامت المرأة بتغيير نظرة المجتمع تجاهها”، تقول علا، مؤكدةً أن ذلك يتم “من خلال الوعي وفهمهم لواقع الحياة المفروضة”.