بعد خمسة أشهر على إطلاقها.. ما مصير مبادرة “المناطق الثلاث”
مضى أكثر من خمسة أشهر على إطلاق وثيقة “المناطق الثلاث” التي حظيت بدعم شعبي، وشملت تسع مناطق في سوريا، إلا أن الزخم الإعلامي الذي حظيت به تلك المبادرة اختفى خلال الفترة الماضية، ما أثار التساؤلات حول مصيرها.
في 8 من آذار الماضي، أطلق مثقفون وأكاديميون وناشطون سوريون في كل من السويداء ودرعا وريف حلب الشمالي مبادرة “المناطق الثلاث”، لتوحيد الخطاب الجماهيري الوطني المناهض للنظام السوري في تلك المناطق، ومنع الانجرار نحو الأهداف “الانفصالية والتعصّبية”.
سرعان ما حظيت المبادرة بدعم من مناطق أخرى، ففي 22 من آذار الماضي، كان الجولان السوري رابع المنضمين.
في 7 من نيسان الماضي، أعلن الساحل السوري تشكيل “تجمع العمل الوطني” وانضمامه لتلك المبادرة، وبعد عشرة أيام انضم ناشطون من إدلب للوثيقة.
وفي 27 من نيسان الماضي، أعلنت “الهيئة السياسية لمحافظة الحسكة“ انضمامها لوثيقة “المناطق الثلاث”، ثم كانت حمص ثامن المنضمين، حيث أعلن طيف وطني من المحافظة انضمامهم إلى المبادرة في 28 من الشهر الذاته.
في 8 من أيار الماضي، انضمت “الهيئة السياسية الثورية لمحافظة دير الزور” إلى المبادرة، التي أصبحت تضم تسع مناطق سورية، وسط مطالبات بأن تشمل باقي الجغرافيا السورية.
أين وصلت المبادرة
إلى جانب المناطق التسع التي انضمت إلى مبادرة “المناطق الثلاث”، حظيت أيضًا بدعم عدة جهات، حيث اعتبر رئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” في لبنان، وليد جنبلاط، أن المبادرة ترمز إلى تلاقٍ وطني سوري عابر للمناطق والطوائف، والتمسك بوحدة الشعب السوري ووحدة سوريا، وبوحدة المطالب التي يناضل لأجلها الشعب السوري، بوجه الظلم والقتل والاعتقال والتعسف.
بدوره، دعم “مجلس سوريا الديمقراطية” (مسد) المبادرة للتوصل لحل سياسي في سوريا، مؤكدًا أنها خطوة إيجابية لتوحيد الحوار بين السوريين، وضرورة استقلالية القرار السوري بما يؤدي إلى “إنهاء نظام الاستبداد وتحقيق الكرامة والحرية وصون الحقوق، وبناء سوريا المستقبل الديمقراطية التعددية على أسس إقرار الهوية الوطنية السورية الجامعة”.
الشيخ أحمد الصياصنة أكد كذلك دعمه لوثيقة “المناطق الثلاث”، وانسحابه من وثيقة أخرى تسمى “المبادئ الخمسة” بعد ذكر عبارة أن السوريين يبحثون عن دولة علمانية دون علمه.
ورغم الدعم الذي تلقته المبادرة، فإن الحديث عنها تراجع في الفترة الماضية، وفي هذا السياق قال الكاتب السياسي الدكتور مضر الدبس، وهو أحد مؤسسي المبادرة، إنها لم تختفِ أو تتوقف، بل ما زالت مستمرة وفعالة، لكن ربما تراجعت التغطية الإعلامية لها.
وأضاف الدبس لعنب بلدي، أنه خلال الفترة الماضية، عُقِدت مجموعة كبيرة من الحوارات على امتداد الأرض السورية كلها، ناقش فيها المشاركون سبل بناء جسور بين المناطق السورية المشغولة في همومها المحلية، وكيفية بناء مقاربات وطنية مشتركة لهذه المشكلات المحلية.
وأشار الدبس إلى أنه تم الاتفاق على بناء قاعدة تنسيقية ومساحة تضامن سياسي سورية محضة تمتد على مناطق سورية كافة، وبطبيعة الحال أصبح هذا المشروع الآن أكبر من تسمية “المناطق الثلاث”، والمرحلة الثانية منه قيد البناء، وتم اتخاذ خطوات جدية في هذا السياق، وسيكون هناك إعلان بهذا الخصوص قريبًا.
ولفت الدبس إلى أن الفكرة من وثيقة “المناطق الثلاث” هي محاولة بناء أفق سياسي تعاوني وطني يتحقق بأيادي السوريين، وهذا بطبيعة الحال خيار يحتاج إلى مسألتين مهمتين، الأولى الصبر وعدم حرق المراحل الزمنية، والثانية تغيير منهجيات العمل التقليدية التي لم تحقق أي نتائج سياسية، ومن أبرزها تغيير مركز التفكير من الدول المؤثرة في سوريا إلى السوريين أنفسهم، بحيث يكونون هم أصحاب القرار.
من جهته، قال عبد المجيد شريف، أحد الداعمين للمبادرة في إدلب، لعنب بلدي، إن “وثيقة المناطق الثلاث توقفت عند حد أنه لا يوجد شيء جديد نضيفه، ويبدو أنه ليست لدينا القدرة على العمل الجماعي، فخلال السنوات الماضية، حضرت عدة مؤتمرات وتعاملت مع مبادرات توحيد عديدة، وكلها كانت تموت ولا تستمر”.
رغم تراجع الاهتمام بوثيقة “المناطق الثلاث”، أكد عضو “الهيئة السياسية لمحافظة الحسكة”، خلف موان جبارة وادي، أهمية مواصلة المبادرة كونها تدعو لتجاوز الهويات المحلية المنغلقة، وتتبنى الخطاب الوطني الثوري التحرري، وتؤكد أن كل الأحلام مشروعة تحت سقف الوطن السوري الواحد، وإسقاط نظام الأسد، وصولًا الى الدولة السورية الواحدة الموحدة، التي يقف كل مواطنيها على قدم المساواة أمام الحقوق والواجبات.
وأضاف وادي لعنب بلدي، أن ما يزيد أهمية المبادرة أنها تدعو لوحدة سوريا وتشارك السوريين في اتخاذ قرارهم بأنفسهم، في ظل سعي بعض الدول العربية لإعادة تأهيل النظام، وخطر التغيير الديموغرافي الذي تمارسه “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، يضاف إلى ذلك دعاوى التقسيم التي بدأ تداولها مؤخرًا، ومحاولة تصديرها كحل لا بد منه أمام خيار بقاء الأسد.
وثيقة من خمسة مبادئ
جاء الإعلان عن وثيقة “المناطق الثلاث” مرافقًا لرفع المشاركين علم الثورة السورية وشعارات تنادي بالحرية والكرامة، في أثناء وقفة أمام ضريح سلطان باشا الأطرش ببلدة القريّا في ريف السويداء في 8 من آذار الماضي.
وذكر المشاركون خلال تلك الوقفة المسارات الخمسة التي ترتكز عليها مبادرة “المناطق الثلاث”، وهي تأميم السياسة، بهدف عدم تسليم القرار العمومي السوري لأي قوة أجنبية، ويرتكز المسار الثاني على أن الحياة والحرية والأمان والكرامة حقوق مصونة للسوريين كلهم، ومناهضة كل خطاب يدعو إلى الكراهية، أو يروج للقبول بمصادرة الحريات والكرامة ومقايضتهما بالاستقرار.
المسار الثالث يهدف لوحدة سوريا، ويؤكد أنها ليست دولة ملة أو طائفة أو جماعة عرقية أو حزب أو تيار سياسي، بل هي دولة تحتضن أبناءها كلهم من دون استثناء، ولا يمكن أن تتحقق الوطنية السورية على أساس الانطواء المحلي.
المسار الرابع يقوم على التنسيق والحوار والعمل المشترك، وبناء شبكات ثقة بين السوريين عابرة للمناطق والطوائف والعصبيات، أما المسار الخامس فيشدد على أن الثقة هي أداة تأسيس سياسية تؤطر الاجتماع الوطني، وبأن وحدة السوريين في كثرتهم.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :