دفعت عودة التصريحات التركية حول التقارب مع النظام السوري، خلال الأسبوع الأخير من حزيران، “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) ومظلتها السياسية “الإدارة الذاتية” إلى اتخاذ عدة خطوات نحو الإصلاح والتقارب مع مختلف الأطراف.
لكن هذه الخطوات قابلها على الأرض تكثيف “قسد” من هجماتها على نقاط سيطرة المعارضة شمال غربي سوريا، سواء بتنفيذ عمليات تسلل أو استهداف نقاط “الجيش الوطني السوري” بالقصف.
تشويش
الباحث المتخصص بالشأن الكردي في مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية” سامر الأحمد يرى أن العمليات العسكرية لـ”قسد” على الأرض رغم حديثها عن استعدادها للحوار مع مختلف الأطراف هو “تشويش على أي اتفاق بخصوص التطبيع”، بين أنقرة ودمشق.
ويبرز في هذه العمليات اسم “قوات تحرير عفرين” وهي مجموعة من المقاتلين الكرد، يصفون تجمعهم بـ”حركة مقاومة”، يشنون هجمات ضد الجيش التركي و”الجيش الوطني” في عدة مناطق بريف حلب خاصة على محاور عفرين،
هذه الحركة لا تقول صراحة إنها تابعة لـ”وحدات حماية الشعب” (الكردية) أو “قسد”.
وقال الباحث سامر الأحمد لعنب بلدي، إن “قوات تحرير عفرين” لا تتبع لقيادة “قسد” السياسية بشكل تام، وقيادة القوات غالبًا تتبع لـ”حزب العمال الكردستاني” (PKK)، وهم يعملون على تخريب أي اتفاق محتمل.
القوات تنتشر بشكل رئيسي على محاور ريف حلب (تل رفعت، منغ، عفرين، الشهباء)، ولا تربطها علاقة جيدة مع الغرب والولايات المتحدة على عكس “قسد” المدعومة من التحالف الدولي.
وبحسب الأحمد، قدمت مقترحات لنقل هذه القوات إلى شرق الفرات بعد سيطرة تركيا و”الجيش الوطني” على عفرين عام 2018، لكن الأمريكيين رفضوا ذلك.
الولايات المتحدة لا تعتبر القوات تابعة لـ”قسد”، و”يبدو أنها تتبع للجناح المتشدد بحزب العمال الكردستاني الأقرب للإيرانيين”، بحسب الأحمد.
هجمات متنوعة
ومنذ 15 من تموز الماضي، اشتبكت فصائل “الجيش الوطني السوري” ثمانية مرات مع “قسد” على مختلف جبهات ريف حلب، بحسب ما رصدت عنب بلدي على معرفات التواصل في “تلجرام”.
كما أعلنت فصائل “الجيش الوطني” تصديها لتسع عمليات تسلل، وتعرض نقاطها لهجومين أحدهما بصاروخ موجه أدى إلى مقتل عنصرين وآخر براجمات صواريخ، خلال نفس الفترة.
وأصيب طفل وامرأة بجروح، في 2 من آب الحالي، خلال وجودهما على الجسر الواصل بين بلدة الشيوخ ومدينة جرابلس بريف حلب الشرقي، إثر استهدافهما بطلقات نارية مصدرها الضفة اليسرى لنهر الفرات الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية وقوات النظام.
لا تعلن “قسد” عن هذه الهجمات عادة، بينما تتحدث عن تعرض مناطقها لقصف مدفعي تركي أو استهداف قواتها عبر المسيرات التركية.
لكنها أعلنت، في 17 من تموز الماضي، تنفيذ مجموعاتها “عملية نوعية” في قرية خربة الشعير التابعة لناحية زركان بريف الحسكة، أدت إلى مقتل ثلاثة عناصر من “الجيش الوطني” وإصابة اثنين آخرين.
علقت وزارة الدفاع في “الحكومة السورية المؤقتة” على هجوم “قسد” في بيان لها، وذكرت أن “الجبهة الشامية” صدت عملية تسلل نفذتها مجموعة من “وحدات حماية الشعب الكردية” (YPG) على محور حربل جنوبي مدينة مارع، شمالي حلب.
كما دارت اشتباكات عنيفة بالأسلحة المتوسطة والثقيلة أدت إلى سقوط قتلى وجرحى في صفوف “العدو” وتدمير آلية عسكرية لهم بعد استهداف المؤازرة التابعة لهم بقذائف هاون، وفق بيان للوزارة.
محاولات “قسد” للتقارب
أبدت “قسد” بعد إعادة تنشيط مسار التقارب بين أنقرة ودمشق استعداها للحوار مع مختلف الأطراف (النظام، المعارضة السورية، تركيا، الأطراف الكردية الأخرى)، كما اتخذت خطوات على الصعيد الداخلي.
الخطوات التي اتخذتها “قسد” ومظلتها السياسية “الإدارة الذاتية”، خلال تموز الماضي، هي مطالب عمرها سنوات، كانت “الإدارة الذاتية” ترفض تلبيتها.
في 28 من تموز الماضي، أطلقت “قسد” سراح الدفعة الثانية من قاطني مخيم “الهول” من أهالي دير الزور، بعد يوم واحد من الإفراج عن عدد من السكان المحتجزين في المخيم.
وقدم قائد القوات، مظلوم عبدي، وعودًا لوجهاء وممثلين عن قبائل وعشائر شمال شرقي سوريا، في 22 من تموز الماضي، تضمنت متابعة قرار “العفو” الذي لا يزال ساريًا، إلى جانب وعود تضمنت متابعة الإفراج عن عائلات تنحدر من دير الزور، من مخيم “الهول”.
وشكلت مسألة الإفراج عن عائلات من محافظة دير الزور في هذه المخيمات أو في السجون المخصصة للتنظيم مطلبًا رئيسًا لأبناء محافظة دير الزور، إذ تتهم “قسد” قاطني المخيم بأنهم حاضنة لتنظيم “الدولة الإسلامية” الذي كان يسيطر على المنطقة قبل عام 2019.
وأصدرت “قسد”، في 17 من تموز الماضي، عفوًا عامًا شمل متهمين بقضايا “إرهاب”، وخرج على إثره عدة دفعات من المعتقلين في سجونها.
على الصعيد السياسي، قال زعيم “قسد” إنه منفتح على الحوار مع الجميع وفي مقدمتهم “حكومة دمشق”، مشيرًا إلى أن قواته اتصال مع النظام السوري، لكن على “دمشق” إعادة النظر بموقفها.
مطلع تموز الماضي، قال نائب الرئاسة المشتركة للمجلس التنفيذي في “الإدارة الذاتية”، حسن كوجر، “نحن لا نشكل أي تهديد لأي طرف ولسنا أعداء لأي طرف، نحن نسعى لبناء سوريا والحفاظ على سيادة أراضي البلاد، قلناها دائمًا إننا على استعداد لتحرير المناطق السورية المحتلة بالتشارك مع الجيش السوري”.
عبدي قال في 20 من تموز الماضي، إن قواته مستعدة للحوار مع جميع القوى، بما في ذلك تركيا، و”سندعم أي حوار يؤدي إلى وقف القتال والحل السياسي للأزمة”، وفق عبدي.
وأكدت قيادة “قسد” على أهمية تنشيط الحوار “الكردي – الكردي” في المستقبل القريب، خلال اجتماع عبدي مع المجالس العسكرية لـ”قسد”
من جانب آخر، أعلنت “قسد” خلال بيانات متتالية اعتراضها على مسار تقارب أنقرة دمشق، معتبرة أنه يستهدفها بشكل مباشر.
وتريد تركيا استخدام جميع الأطراف في سوريا لتحقيق أجنداتها، بحسب حسن كوجر، لذلك ينبغي على “حكومة دمشق” أن لا تنخدع بهذه الألاعيب.