تشهد مدينة القامشلي توترًا أمنيًا مستمرًا نتيجة إجراءات اتخذتها “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، حاصرت خلالها “المربعات الأمنية” في الحسكة والقامشلي التي تتمركز فيها قوات النظام، على خلفية هجمات تعرضت لها نقاطها العسكرية شرقي دير الزور، انطلقت من مناطق سيطرة النظام السوري.
الحصار المستمر منذ سبعة أيام أدى إلى منع السكان من الخروج أو الدخول إليه، كما أغلقت جميع الطرق التي تربط المدينة بمناطق سيطرة النظام، بما في ذلك حارة طي وحي الزنود، ما أثر على حركة المرضى وتلقيهم للعلاج.
وأفادت مراسلة عنب بلدي في القامشلي أن المرضى يعانون قيودًا مشددة، إذ لا يُسمح لهم بمغادرة “المربع الأمني” لتلقي العلاج أو حتى شراء الأدوية.
وحتى الحالات التي تأتي من الريف الجنوبي لمدينة القامشلي بهدف زيارة “المربع الأمني”، تُجبر على السير لمسافات طويلة بعد تجاوز آخر حاجز للنظام في حي طي، حيث لا يمكنهم استخدام وسائل النقل إلا بعد عبور الحواجز الأمنية التابعة لـ”قسد”.
ويطلق اسم “المربع الأمني” على مساحات صغيرة في مدينتي الحسكة والقامشلي، تقع فيهما مبانٍ حكومية منها المستشفيات ودوائر خدمية ومفارز أمنية.
اقرأ أيضًا: شمالي سوريا.. “المربعات الأمنية” تدير المصالح بين “قسد” والنظام
انعكس على المدنيين
ينحدر فادي العزيز من قرية تل معروف في الريف الجنوبي لمدينة القامشلي، قال لعنب بلدي، إنه يأتي إلى القامشلي مرة أسبوعيًا، ويذهب إلى مديرية الصحة لتسلم دواء السكري الخاص بوالده البالغ من العمر 72 عامًا.
ومنذ بداية حصار “المربعات الأمنية”، لم يتمكن من جلب الدواء لأنه لا يستطيع الدخول إلى مدينة القامشلي سيرًا على الاقدام، ما يجبره على شراء الدواء بأسعار مضاعفة من الصيدليات.
وانطلق الحصار على “المربعات الأمنية” في 7 من آب الحالي، إذ أغلقت “قسد” الطرق المؤدية إلى تمركز النظام في الحسكة والقامشلي.
وفاقم الحصار أزمة المياه في تلك المناطق، وخصوصًا الحسكة، إذ منعت “قسد” عبور السيارات وصهاريج المياه إلى داخل الأحياء التي يسيطر عليها النظام، ما تسبب بأزمة مياه، إلى جانب نقص في المواد الغذائية والمحروقات.
وفي 10 من آب الحالي، سمحت “قسد” لـ”الصليب الأحمر الدولي” بإدخال 50 صهريج مياه إلى المنطقة المحاصرة عبر شارع سمارة، في محاولة للتخفيف من حدة الأزمة القائمة.
ولم تسمح “قسد” بخروج أو دخول أفراد من المنطقة المحاصرة باستخدام السيارات أو الدراجات النارية، أو وسائل النقل، وفق ما أفاد به مراسلا عنب بلدي في الحسكة.
وساطة لفك الحصار
قالت قناة “الميادين” (مقرها بيروت)، إن وساطة روسية انطلقت منذ ثلاثة أيام، تهدف لإنهاء التوتر في مدينتي الحسكة والقامشلي، وفك الحصار عن “المربعات الأمنية” فيهما.
وأضافت أن الوساطة الروسية فشلت في فك حصار “قسد” عن الحسكة والقامشلي، بسبب تحديد “قسد” لشروط لا يمكن تحقيقها، ورفضها من قبل ممثلي النظام، والوفد الروسي.
ونقلت “الميادين” عن مصادر لم تسمّها، أن “الجهات الأمنية السورية طالبت تسليمها شخصيات عشائرية”، لافتة إلى أن ممثلي “قسد” طالبوا باثنين من الكوادر الكردية الذين جرى أسرهم من بين 45 عسكريًا تابعًا لـ”قسد” تمكّنت قوات العشائر من أسرهم في المنطقة قبل أيام، “مع تجاهل الـ43 لكونهم من أبناء العشائر”.
اليوم، الثلاثاء، 13 من آب، نقلت قناة “الميادين” عن محافظ الحسكة، لؤي صيوح، أن الوساطة الروسية نجحت في إنهاء التوتر بمدينتي الحسكة والقامشلي.
وأضاف المحافظ أن “قسد” بدأت بفتح الطرقات المغلقة في مدينتي الحسكة والقامشلي وسيتم إدخال صهاريج المياه والمواد الغذائية تدريجيًا، دون الإشارة إلى الاتفاق الذي توصل إليه الطرفان.
ونفت مراسلة عنب بلدي في الحسكة حدوث أي تغيير على صعيد انتشار الحواجز الأمنية والعسكرية لـ”قسد” في مدينتي القامشلي والحسكة، حتى لحظة تحرير هذا الخبر.
ردًا على استهداف دير الزور
جاء قرار الحصار من قبل “قسد” في إطار ردها على هجمات شنتها مجموعات مدعومة من النظام السوري في دير الزور، أسفرت عن سقوط قتلى وجرحى معظمهم من المدنيين.
بدأت المواجهات بين الطرفين منتصف الأسبوع الماضي، بعد هجوم شنته قوات النظام مدعومة بـ”الدفاع الوطني” و”جيش العشائر” على مواقع لـ”قسد” بريف دير الزور الشرقي، مخلفة حركة نزوح واسعة النطاق من المنطقة.
وامتدت المواجهات حتى الاثنين، عندما قصفت قوات النظام الأحياء السكنية في قرى وبلدات ريف دير الزور الشرقي، حيث تسيطر “قسد”، ما أسفر عن ضحايا مدنيين، عقب هجوم شنته الأخيرة على مناطق تمركز قوات النظام على الضفة الغربية لنهر الفرات.
وخلف التصعيد العسكري 17 قتيلًا مدنيًا، بحسب تقرير أصدرته “الشبكة السورية لحقوق الإنسان”، إضافة لحالة نزوح جماعي من مناطق المواجهات.
وقالت “الشبكة” اليوم، الثلاثاء، إنها وثقت مقتل ما لا يقل عن 17 مدنيًا، بينهم ثمانية أطفال وست سيدات، وإصابة ما لا يقل عن 34 آخرين بجروح، إثر الهجمات العشوائية بالأسلحة الثقيلة، ورصاص الاشتباكات في مناطق سيطرة الطرفين.
ليس الأول
لا تعتبر المرة الأولى التي تحاصر فيها “قسد” المربعات الأمنية في الحسكة والقامشلي، إذ سبق وقطعت الطرق المؤدية إليها، وتوقفت عن السماح بعبور المحروقات والطحين إليها ردًا على حصار فرضته قوات النظام على حيي الشيخ مقصود والأشرفية في مدينة حلب.
وتملك “قسد” أيضًا مناطق سيطرة ذات مساحة صغيرة بمدينة حلب، تحيطها مناطق سيطرة النظام من كافة الاتجاهات، وتسمح قوات النظام بدخول المواد الأساسية إليها عن طريق حواجز أمنية تحيط بها.
وفي مطلع نيسان 2022، منع عناصر “الفرقة الرابعة” المتمركزون بمحيط حي الشيخ مقصود الخاضع لسيطرة “قسد” بحلب، دخول السيارات المحمّلة بمادة الطحين إلى أفران الحي، بالتزامن مع أزمة معيشية تعاني منها المنطقة.
الأمر الذي قابلته “قسد” بحصار المربعين الأمنيين اللذين يسيطر عليهما النظام في الحسكة والقامشلي، كما سيطرت على عدد من المباني والدوائر الحكومية التابعة له في المنطقتين.
وسيطرت “أسايش” حينها على بعض ما وصفته بـ”النقاط المهمة” من المؤسسات الحكومية في شارع “المركز الثقافي” بمدينة القامشلي، لكن “قسد” نفت هذه المعلومات حينها.
وبحسب معلومات حصلت عليها عنب بلدي في وقت سابق من مصدر مطّلع في مطار “القامشلي”، اشترط عدم ذكر اسمه، فإن ضباطًا روسيين اجتمعوا مرتين مع “قسد” خلال بداية أيام الحصار المتبادل، بحضور قائد فوج “طرطب” التابع للنظام، للوصول إلى “تسوية” لفك الحصار عن المربعات الأمنية.