ماذا يفعل اللاجئون السوريون براتب الإعانة من دول اللجوء؟

  • 2016/03/27
  • 1:57 ص

عنب بلدي – اقتصاد

هي المرة الأولى التي يحاول فيها الشاب أحمد الخالد (20 عامًا) من ريف دمشق، إرسال أموال لوالديه في دمشق، الشاب الذي رأى الموت، على حد قوله، قبل أن يصل إلى ألمانيا كلاجئ، عابرًا بحر إيجة، استلم للتو سريرًا واشترى ألبسة جديدة ومستلزمات شخصية بعد أن قبض أول “معاش”، كإعانة تقدمها الدول الأوروبية للاجئين لتسيير أمورهم، ريثما يستلمون إقامات ويبدؤون مسيرة الاندماج في المجتمع حيث يقيمون.

يحاول الخالد الاستعانة بسوريين مقيمين في مدينته هامبورغ للاستفسار عن أنسب الطرق لإرسال 150 يورو من الراتب الذي يتقاضاه لعائلته في دمشق، حيث لهيب الأسعار لم يعد يطيقه المواطنون السوريون مع وصول سعر الدولار إلى 500 ليرة أمام الدولار.

يقول الخالد “بعد أن وصلت إلى أوروبا، قررت البحث عن طريقة ما أساعد بها والديّ… منذ أسبوع قبضت أول راتب وقدره حوالي 350 يورو، وأريد أن أرسل إلى أهلي 150 منهم كمساعدة من أجل تأمين حاجاتهم الأساسية”.

الحرب التي تمر بها سوريا زادت من الظروف الاقتصادية الصعبة على المواطنين، فخلال العام 2011 كان الدولار بحوالي 47، ليرة ووصل اليوم إلى حدود 500 ليرة، ما أدى إلى ارتفاع الأسعار عشرات الأضعاف.

إعانات شهرية من اللاجئين

وجد الكثير من السوريين الواصلين إلى أوروبا كلاجئين، وخاصة فئة الشباب، فرصة لطلب الأمان وإيجاد حياة بديلة، ومنهم من بدأ إكمال تعليمه، وأصبح العديد منهم يرسلون إعانات شهرية إلى أقربائهم من الرواتب التي يتقاضونها من المقاطعات أو البلديات التي يعيشون فيها. ورغم رمزية الراتب المخصص لهؤلاء الشبان، إلا أن معاناة ذويهم في سوريا لا تفارق أذهانهم، فترى العديد منهم ينشطون في السؤال عن كيفية إرسال الأموال إلى دمشق، وسط تعقيدات متعلقة بالتحويل بسبب العقوبات الاقتصادية على سوريا، وإغلاق الكثير من شركات الصرافة والحوالات.

يقول مصدر مصرفي من دمشق لعنب بلدي “الحوالات الخارجية إلى سوريا (مناطق النظام) مستمرة من أنحاء العالم بأجور قدرها حوالي 4.5%، وهناك عدد من البنوك تقدم هذه الخدمة إضافة إلى شركات الصرافة”، مشيرًا إلى أن توجه المصرف المركزي السوري إلى تسليم الحوالات بسعر أقل من السعر الحقيقي لليورو والدولار في السوق يجعل السوريين في الخارج يحجمون عن إرسال الحوالات بالطرق النظامية، وهو ما فتح باب التحويل بطرق غير رسمية عبر المعارف والأصدقاء، وهذا حرم المركزي جزءًا كبيرًا من العائدات.

لاجئ تحت الصفر

في المقابل، لا يتمكن الشاب يزن الباشا (19 عامًا) حتى الآن من إرسال أي من المساعدات المالية التي يتلقاها إلى ذويه في دمشق، فالمبلغ الذي يتقاضاه، وقدره 325 يورو، يدفعه شهريًا مقابل المواد الغذائية والسجائر، التي يعتبر سعرها مرتفعًا مقارنة بأسعار التبغ في سوريا. يقول الشاب لعنب بلدي “يعيش اللاجئ السوري طول الشهر وهو يفكر هل سيكفيه الراتب لنهاية الشهر، نحن نعيش وضعًا صعبًا، الراتب الذي نتقاضاه مدروس بعناية من قبل الحكومة الألمانية وهو يكفينا لتسيير أمور المعيشة لكل شخص، لكن معاناة أهلنا المادية لا تفارقنا ونحاول مساعدتهم بشتى السبل”.

وفيما إذا حاول هو إرسال أي مساعات لذويه في سوريا، قال الباشا إنه يعتبر وضعه مقارنة بالمواطن الألماني “تحت الصفر”، ويشير في حديثه إلى أن وضع العائلات السورية اللاجئة أفضل بكثير من وضع الشبان، لأن الرواتب التي يتقاضونها أكبر، والعائلات أقدر على إرسال الأموال كإعانات لذويهم في الداخل.

ولا يعتبر الباشا الأمور المادية هي فقط ما يؤرق اللاجئين في أوروبا، ويؤكد أن للاجئين همومًا كثيرة، منها أن يبقى ذووه وأهله بخير، وأن يتمكنوا من تأمين مستلزماتهم الأساسية، وعلى الصعيد الشخصي للاجئ يبقى تفكيره يدور في موعد تسلمه الإقامة، وإن حصل عليها متى سيلم شمل عائلته؟

ادخار غير مسبوق

ينطبق الوضع السابق على اللاجئين الواصلين حديثًا إلى أوروبا، والذين لم يحصلوا على الإقامة (إقامة اللجوء)، بينما الحاصلون عليها يتقاضون رواتب تصل إلى 399 يورو يضاف إليها 420 يورو كتعويض سكن، بحيث يصبح كامل المبلغ بحدود 800 يورو، بحسب كل مقاطعة، وبعدها يفترض باللاجئ المباشرة بإجراءات الاندماج بالمجتمع وتعلم اللغة.

ترى الناشطة السورية رهام زين الدين (اسم مستعار) أن أغلب الشبان يحاولون مساعدة ذويهم عبر إرسال جزء من معوناتهم، وتقول إن مبلغ 250 يورو يعتبر كافيًا من أجل تأمين المأكل والمشرب، ويمكن إرسال ما تبقى (100 يورو) كإعانات، “وهذا يعتبر نوعًا من أنواع الادخار  غير مسبوق”.

مصدر الرزق الوحيد

ريم درويش (22 عامًا) وصلت إلى ألمانيا منذ سبعة أشهر، وتتبع الآن دورات في اللغة الألمانية، تقول “أحصل شهريًا على مبلغ 400 يورو كإعانة من الدولة كوني عاطلة عن العمل، وأرسل لعائلتي منها 150 يورو، المبلغ المتبقي كاف بشكل جيد، وبالنسبة لإيجار الغرفة التي أقطنها، فهي مشمولة مع المبلغ المتبقي، لا أنفق الكثير على الرفاهيات، لكن في الوقت نفسه لا أشعر بأني أقتصد بشكل يضايقني لأوفر هذا المبلغ، يمكنني القول إني مرتاحة ماديًا بشكل نسبي”.

وتعتبر درويش أنه “مهم جدًا توفير هذا المبلغ بسبب حاجة العائلة له”، وتضيف “عائلتي بحاجة المبلغ، لتأمين حاجات الحياة الضرورية، إذ لا يوجد  في سوريا معيل لعائلتي، ولا يوجد مصدر رزق بالنسبة لهم سواي”.

كان والد درويش يعمل مشرفًا في أحد المعامل الخاصة، ولم يعد هذا المعمل موجودًا بعد الآن، “لا يمكنني التخلف عن إرسال هذا المبلغ شهريًا، ولهذا أشعر أني مستعدة لأحرم نفسي من بعض الأشياء هنا في سبيل مساعدة عائلتي”، تقول الشابة، وهي تستعد لاستلام راتب الشهر المقبل وإرسال جزء منه إلى أسرتها في حلب عن طريق شخص مقيم في منطقتها، إذ يحوّل المبلغ من اليورو إلى الليرة السورية ليسلمها للعائلة، تجنبًا لمشاكل التحويل بالطرق الرسمية.

ترغب درويش الآن بإكمال دراستها، فقد كانت تدرس الاقتصاد في جامعة حلب، لكن لم تكمل بسبب الحرب.

تشير أرقام مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إلى أن عدد اللاجئين السوريين في الدول المجاورة بلغ أربعة ملايين لاجئ، وبلغ عددهم في أوروبا لغاية أيلول الماضي 428.735 لاجئًا، يشكلون نسبة 10% فقط ممن فروا من سوريا. وتستضيف ألمانيا وصربيا نسبة 43% منهم. وخلال آذار الجاري توصلت تركيا والاتحاد الأوروبي إلى اتفاق بشأن الحد من هجرة اللاجئين إلى أوروبا مقابل حصول تركيا على ستة مليارات يورو، وإعفاء المواطنين الأتراك من تأشيرة الدخول إلى أوروبا.

مقالات متعلقة

أخبار وتقارير اقتصادية

المزيد من أخبار وتقارير اقتصادية