في المعتقل.. تقابلت ميسم مع زميلها وواجههما المحقق بالمحادثات المشتركة
حرية الإنترنت في سوريا.. قبضة النظام مقابل الوعي الرقمي
حنين النقري – عنب بلدي
أثر وسائل التواصل الاجتماعي والشبكة العنكبوتية عمومًا كان كبيرًا في تشبيك العلاقات والتواصل بين ناشطي الربيع العربي، وهو أمر لم يكن مغيبًا عن أجهزة الأمن والمخابرات، فكان أن رصدت لرقابة الإنترنت عناصر قد يماثلون عددًا عناصر الأمن على أرض الواقع.
جعل ذلك “الناشط الإلكتروني” بحاجة للتحايل على “حواجز” افتراضية شبيهة بتلك المتمترسة في كل مكان حوله، فكيف تعامل السوريون مع الرقابة الصارمة عليهم في ظل الثورة؟ وكيف أثر ذلك على وعيهم تجاه الأمان الرقمي؟
دخل الإنترنت سوريا في أواخر التسعينيات من القرن الماضي، إلا أن الوصول له كان حكرًا في البداية على هيئات حكومية، وحتى عام 1999 لم يكن يسمح للمواطنين السوريين الاشتراك بالإنترنت، حتى إن منظمة هيومان رايتس ووتش ذكرت ذلك في تقرير لها نُشر في العام ذاته.
وجاء في تقرير المنظمة “ماتزال سوريا هي البلد الوحيد المتصل بشبكة الإنترنت في المنطقة الذي لم يسمح لمواطنيه بعد بدخول الشبكة محليًا، وذلك بالرغم مما أصدرته بعض الدوائر الرسمية من تصريحات تعدد مزايا الإنترنت. وهذا الأسلوب المتأني الذي تنتهجه الحكومة ينسجم مع جهودها الرامية لكبح كافة أشكال التعبير التي تنطوي على انتقادٍ لأسلوب الحكم في البلاد”.
كان الخوف من دخول الإنترنت إلى البلاد أمنيًا بالدرجة الأولى، والأخيرة، لدرجة كتب فيها عمرو سالم، وزير الاتصالات آنذاك، اقتراحات لحافظ الأسد تتضمن تعهدات بألا تعرّض أي تقنيات جديدة يتم إدخالها إلى البلاد استقلال وأمن سوريا للخطر.
وزارة الداخلية أم الاتصالات؟
إذن، فقد حُكمت الشبكة منذ بدايات دخولها لسوريا بهاجس أمني ومخابراتي لمنع السوريّين من قراءة ما لا يرغب النظام بإطلاعهم عليه، والتقليل ما أمكن من نشر آرائهم خارج نطاق هيمنته على الإنترنت، ما جعل سياسة حجب المواقع تصدر عن وزارة الداخلية لا عن وزارة الاتصالات.
كانت إمكانية ولوج الشباب السوري للإنترنت ثورة معرفية بحد ذاتها، فبدأت المدونات بالظهور وبدأت المنتديات تتشكل، ورغم محاولة النظام لمعرفة كل شاردة وواردة في حسابات الناس على الإنترنت، إلا أن رقابته لا يمكن أن تكون محيطة بالكامل، وتقول المهندسة ميسم، وهي ناشطة شاركت بالفعاليات المدنية للثورة السورية لدى انطلاقتها، عن استخدامها لكاسر بروكسي منذ سنوات سبقت الثورة، “كان هدفي الوصول لمواقع إخبارية أحيانًا كالجزيرة وإيلاف وسواها، بالإضافة لموقع بلوغ سبوت للتدوين، عدا عن أن معظم المواقع الدينية كانت محجوبة، بالإضافة للموسوعة العالمية ويكيبيديا”.
سمح الإنترنت بانتشار بعض الأصوات المعارضة، كمدونة “رايح ومش راجع“، للناشط محمد العبد الله، والتي نشر فيها آراء معارضة للنظام بلغة شجاعة عام 2006، لكن اللغة الشجاعة نفسها جعلته يغادر البلد في 2007 دونما رجعة، كما يبدو من عنوان مدونته.
ثورة شعبية، إنترنت مراقب
مع بداية الثورة السورية وانتشار رقعة الاحتجاجات صار الإنترنت عصب التواصل بين الناشطين، وباتت حاجة النظام لرقابته أكثر إلحاحًا، وهنا كان الخطر محدقًا بناشطي الثورة فبدؤوا بتعلم تقنيات تساعدهم على تجاوز الرقابة، وتضيف المهندسة ميسم “لم أكن أتصفح الإنترنت إلا باستخدام شبكة tor لتعمية اتصالي، وخاصة عند الاتصال من شبكة عامة، مع خاصية التصفح الخفي، لم أكن أحتفظ بملفات تدينني على جهاز حاسبي أبدًا، كنت أرفعها أولًا بأول على جوجل درايف، بالإضافة لاستخدام هوية وهمية لكافة نشاطاتي”.
لكن النظام فاجأ ميسم من جهة لم تكن تتوقعها، إذ اعتقل أحد الناشطين الذين تتعامل معهم وراسلها من حسابه، تتابع قائلة “لم أكن أعلم أن زميلي قد اعتقل، اتفق معي على موعد لأستلم منه الأدوية حسب اتفاقنا قبل يوم، وهناك وجدت العناصر بانتظاري، دارت الدنيا بي وأدركتُ أنه كمين”.
في الفرع التقت ميسم بزميلها، وكانت التهمة لصيقة بكليهما دونما إمكانية للإنكار حسب تعبيرها، وتضيف “واجهنا المحقق بالمحادثات بيني وبينه، رغم أننا كنا نستخدم هويات وهمية ونحذف محادثات الفيسبوك إلا أنه استعادها، بقيتُ في المعتقل شهرين ذقتُ فيهما الويلات، أطلقوا سراحي لكن صديقي لم يخرج بعد”.
النظام جاهل تقنيًا
الأمر بالنسبة لثائر، وهو طبيب من حماة، مختلف عن ميسم، إذ لم يكن يستشعر رقابة النظام في الأشهر الأولى للثورة، ويقول “في البداية لم أكن أتخذ أيّ تدابير تذكر، كان لديّ كما لدى الكثيرين شعور قوي بأنّ النظام سيسقط خلال أسابيع أو أشهر قليلة، ولذا لم نكن نشعر بضرورة الاتقاء والحماية، بالإضافة إلى اعتقاد معظمنا بأن النظام جاهل تقنيًا ومعلوماتيًا وبأن هذه الساحة تحديدًا لا يمكنه أن يستغلها لصالحه على الإطلاق”.
لكن تتالي الأشهر وإبداء النظام حالة من التماسك، بالإضافة إلى اعتقال بعض الناشطين جعل ثائر، ومن لديه النظرة ذاتها تجاه النظام، يراجعون أنفسهم ويبحثون عن طرق لتعزيز أمنهم الرقمي، ويتابع الطبيب “أخبرنا الكثير من المعتقلين بعد خروجهم عن كشف معلومات حساباتهم الإلكترونية أثناء التحقيق، واستخدامها كمستمسكات ضدهم وضد أصدقائهم ومن كانوا يعملون معهم، بالإضافة إلى تسرّب أنباء عن تركيب النظام لأجهزة وبرامج تجسس عالية المستوى على خوادم الإنترنت، كل هذه العوامل دفعتنا للقراءة والبحث عن الأمن التقني”.
وذكرت صحيفة “وول ستريت جورنال” في تشرين الأول 2011 تصريحات لشركة “بلو كوت سيستم”، العالمية للنظم الإلكترونية، عن استخدام النظام السوري أجهزتها لمراقبة شبكة الإنترنت.
كيف يخترق النظام حسابات الناشطين؟
ويعتبر طريف العتيق، وهو مدون في وادي التقنية، أن أسهل الأساليب، وأكثرها تفضيلًا من قبل النظام لاختراق الناشطين، يتم عن طريق الهندسة الاجتماعية، ويوضح “الهندسة الاجتماعية ببساطة هي استخدام فن الخداع والإيهام لجعل الضحية تقدم المعلومات السرية بنفسها، وهذه الطريقة لا تحتاج لأي معلومات تقنية عميقة وإنما تحتاج إلى بعض الدهاء والخبث مع انتظار لإيقاع الضحية”.
وبحسب العتيق فإن “أحد الأمثلة للهندسة الاجتماعية هو الوصول لناشط عن طريق سلسلة من الاختراقات لحسابات أشخاص عاديين في محيطه، ما يسمح للمخترق بالوصول إليه، أو مثلًا يحقن ملف docx فارغ أو وهمي ببرمجية خبيثة، ثم ينشر على الإنترنت بأنه سري للغاية، قوائم المطلوبين من فرع كذا، وهكذا تقوم الضحية بتحميل الملف وفتحه لتصاب بفيروس تجسسي دون أن تعرف”.
إجراءات وقائية
ويرى العتيق أن إجراءات الأمان الرقمي مهمة لكافة مستخدمي الإنترنت مهما كانت درجة سرية محادثاتهم أو مكان وجودهم، “لا سيما مع ما نشهده من عمليات اغتيال في المناطق المحررة أو في دول الجوار من قبل داعش والنظام، بالإضافة لسرقة الحواسيب أو الحسابات لأشخاص خارج سوريا للوصول لبيانات ناشطين داخلها، تذكر دومًا أنك قد لا تكون الهدف المباشر لكن تهاونك بالسلامة الرقمية قد يهدد حياة ناشطين آخرين”.
ينصح طريف بعدم كشف الهوية الشخصية ومكان التواجد بمجرد الخروج من قبضة النظام، بالإضافة لاعتماد وسائل تشفير الرسائل والبيانات، ويطرح أمثلة على ذلك “اتصالات vpn الموثوقة أو تعمية الاتصال ببرنامج tor مثلًا، برامج كالتلغرام وسيغنال على الأندرويد تحقق لك ولمن تحادثه حماية بشكل أكبر من الواتساب والفايبر، عدم الضغط على أي رابط أو تحميل أي ملف قبل التأكد من سلامته عبر أدوات متوافرة على الإنترنت أيًا كانت درجة وثوقيتك بالشخص المرسل، فقد يكون مخترقًا ببساطة”.
الأمان الرقمي بالأرقام:
- حسب إحصائيات الفيسبوك في عام 2011 يتم اختراق 600 ألف حساب يوميًا لأغراض متعددة، بالإضافة لـ 160 ألف صفحة.
- حسب دليل النشر الإلكتروني الصادر عن الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، فإن 70% من سجناء الرأي في العالم تمت ملاحقتهم بسبب منشورات لهم على شبكة الإنترنت.
- كان عدد مستخدمي الإنترنت في سوريا عام 2004 يقارب 800 ألف مستخدم، في حين بلغ عام 2012 ما يقارب خمسة ملايين ونصف المليون.
- يعتمد النظام على مجموعة مؤيدين له يطلق عليهم “الجيش السوري الإلكتروني” لتنفيذ عمليات الاختراق، كاختراقه في حزيران الماضي لموقع الجيش الأمريكي، ونشر عدد من الأخبار الكاذبة على مواقع صحف عالمية كـ”نيويورك تايمز”.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :