تضارب في اللوبي السوري- الأمريكي

قانون “مناهضة التطبيع مع الأسد” يتأرجح في أروقة واشنطن

من جلسة الاستماع في الكونجرس لإحياء قانون مناهضة التطبيع مع الأسد - 10 من تموز 2024 (محمد غانم-إكس)

camera iconمن جلسة الاستماع في الكونجرس لإحياء قانون مناهضة التطبيع مع الأسد - 10 من تموز 2024 (محمد غانم-إكس)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – هاني كرزي

بعد أيام من حديث أحد أعضاء “اللوبي السوري في أمريكا” عن انهيار مفاوضات قانون “مناهضة التطبيع مع الأسد”، خرج طرف آخر من “اللوبي” مؤكدًا استمرار العمل على القانون وعدم انهياره، ما يفتح باب التساؤلات حول مصير هذا القانون الذي يُعوّل عليه لكبح جماح مسارات التطبيع مع النظام السوري، التي تسارعت خلال الأشهر الماضية.

العضو السابق في “التحالف الأمريكي لأجل سوريا” محمد غانم، قال، في 29 من تموز الماضي، إن المفاوضات مع السيناتور الديمقراطي بين كاردين، بشأن إقرار مشروع قانون “مناهضة التطبيع مع الأسد” انهارت بالكامل، بسبب إصرار مكتب السيناتور على إجراء تعديلات “ضخمة جدًا” على نص المشروع من شأنها نسف أهدافه الأساسية.

بعد أيام من الحديث عن انهيار المفاوضات المتعلقة بقانون “مناهضة التطبيع”، أكد رئيس “المجلس السوري- الأمريكي”، فاروق بلال، استمرار العمل على قانون منع التطبيع مع النظام السوري، وذلك خلال اجتماعه مع فعاليات اجتماعية بجامعة “حلب الحرة”، في 6 من آب الحالي.

“لوبي سوري” ضاغط

يوجد في أمريكا “لوبي سوري” يضم منظمات مجتمع مدني ورجال أعمال وقادة رأي وسياسيين سوريين حاصلين على الجنسية الأمريكية، يطرحون بشكل مستمر في الكونجرس قضايا تخص سوريا.

وأسهم “اللوبي السوري” في أمريكا بطرح عدد من المشاريع، ومنها قانون “قيصر”، ومشروع قانون “مناهضة التطبيع مع الأسد”، الذي عمل عليه “التحالف الأمريكي لأجل سوريا”، وهو مظلة انضوت تحتها عدة منظمات أمريكية مختصة بالشأن السوري، حيث عقد التحالف 327 اجتماعًا وزيارة على مدار أشهر، سبقت الوصول إلى إقرار القانون في الكونجرس.

وقُدّم مشروع القانون إلى لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب، وجرى تمريره بأغلبية ساحقة، لكن السيناتور بين كاردين الذي يشغل منصب رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، عرقل القانون ومنع وصوله لمكتب الرئيس الأمريكي، جو بايدن، في نهاية نيسان الماضي.

منظمة “غلوبال جستس” سعت بالشراكة مع “المنظمة السورية للطوارئ”، ومنظمات سورية أخرى في أمريكا، لدعم قانون مناهضة التطبيع مع النظام، وضغطت في الكونجرس الأمريكي لتمرير هذا القانون الذي واجه تحديات كثيرة.

وفي هذا الإطار، قال رئيس منظمة “غلوبال جستس”، الدكتور هيثم البزم، إن هذه ليست المرة الأولى التي يتعرض فيها قانون لمصلحة القضية السورية للعرقلة داخل الكونجرس، وكانت المنظمات السورية- الأمريكية واجهت مثل هذه المواقف من قبل في قانون “قيصر” وغيره، وعملت عليها لسنوات إلى أن نجحت أخيرًا في تمرير القوانين.

وأضاف البزم لعنب بلدي، أن “أغلبية القوانين الأمريكية تتعرض لمثل هذه العراقيل، ومن النادر أن يمر قانون بسلاسة حتى لو كان يتعلق بشأن سياسي أو أمني أو اقتصادي، لذا لن نوفر جهدًا من أجل تمرير قانون مناهضة التطبيع مع الأسد في القريب العاجل”.

لماذا تعرقل القانون؟

بعد مضي حوالي ثلاثة أعوام من العمل على قانون “مناهضة التطبيع مع الأسد”، عرقل الرئيس بايدن القانون في نيسان الماضي، دون معرفة الأسباب التي أدت إلى عدم إقرار القانون، رغم تمريره في مجلس النواب بأغلبية ساحقة (موافقة 389 عضوًا من أصل 435).

وتعليقًا على ذلك، قال المدير التنفيذي لـ”المنظمة السورية للطوارئ”، معاذ مصطفى، لعنب بلدي، إن السيناتور الديمقراطي بين كاردين لديه موظفان كانا يستمعان بشكل متواصل إلى مجموعة اسمها “إنتر أكشن”، وهي مجموعة من المنظمات الإنسانية الدولية التي تعمل بمناطق سيطرة النظام مع أسماء الأسد زوجة رئيس النظام، وكانا ضد أي قانون يدين الأسد، لأنهما يقولان إن “إقرار تلك القوانين سيؤثر على عمل منظمات إنسانية في سوريا”.

وأضاف مصطفى، الذي يعتبر من أوائل الأشخاص الذين عملوا على قانون “مناهضة التطبيع”، أن الضغط المستمر من قبل مجموعة “إنتر أكشن”، ومنسق البيت الأبيض لشؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، بريت ماكغورك، على موظفي كاردين، كان أحد العوامل التي دفعت السيناتور الديمقراطي لعرقلة القانون.

بدوره، قال العضو السابق في “التحالف الأمريكي لأجل سوريا” محمد غانم، إن إصرار مكتب السيناتور كاردين، بإيعاز من إدارة بايدن، على حذف مواد كثيرة منها ما هو مصمّم لحماية ممتلكات اللاجئين من الاستيلاء والاستحواذ، ولمكافحة سرقة المساعدات الإنسانية، وعلى تعديل البند المتعلّق بحظر التطبيع مع أي حكومة يرأسها الأسد، من جملة أشياء أخرى أدت إلى انهيار المفاوضات بالكامل.

وأشار غانم، لعنب بلدي، إلى أن القانون يحمل مفاعيل حقيقية وليست رمزية، وإذا أُقر فسيغير السياسة الأمريكية الحالية، لكن إدارة بايدن لا تريد تغيير سياستها تجاه الأسد، لذا تدخلت وطلبت من السيناتور كاردين عرقلة مشروع القانون، مضيفًا، “لو تم تمرير القانون وفق التعديلات الجذرية التي طُلبت سيكون بلا أي قيمة وحبرًا على ورق”.

مديرة البرامج والمشاريع في منظمة “غلوبال جستس”، ميساء قباني، قالت لعنب بلدي، إن موقف السيناتور كاريدن كان متوقعًا مسبقًا، لأن الإدارة الأمريكية الحالية ما زالت تتبع سياسات أوباما السابقة بإرضاء إيران وإبقاء الأسد في السلطة، وبالتالي كان تمرير قانون مناهضة التطبيع مع النظام السوري سيمنع إعادة تأهيل الأسد، وهذا ضد مصالح إيران بالطبع، لذلك عرقله كاردين.

تفاؤل بتمرير القانون

عقب عرقلة قانون “مناهضة التطبيع مع الأسد”، والحديث عن انهيار المفاوضات، تزداد التساؤلات عن مستقبل القانون، ولا سيما مع اقتراب الانتخابات الأمريكية المقررة في تشرين الثاني المقبل، واحتمالات متفاوتة بين تسلم “الجمهوريين” الحكم برئاسة دونالد ترامب، أو استمرار “الديمقراطيين” برئاسة كامالا هاريس.

رئيس منظمة “مواطنون من أجل أمريكا آمنة”، الدكتور بكر غبيس، قال لعنب بلدي، إن أي قانون قبل إقراره يحتاج إلى مفاوضات طويلة، وتباحث في مجلس النواب ومن بعده في مجلس الشيوخ، وبالتالي فإن عرقلة السيناتور كاردين للقانون لا تستدعي القلق، لأنه سبق أن عرقل عدة قوانين بعضها له علاقة بأوكرانيا، بسبب التفاوض الروتيني بين الطرفين.

وأشار غبيس إلى أن عدم إدراج القانون ضمن قائمة القوانين الخاصة بميزانية وزارة الدفاع الأمريكية، لا يعني انهيار القانون، فمن الممكن طرحه في ميزانية العام المقبل، أو إدراجه كملحق ضمن حزمة قوانين أخرى هذا العام، مضيفًا، “ما زلنا في اجتماعات مستمرة مع مجلس الشيوخ ومع حملات المرشحين، وهدفنا تمرير القانون قبل الانتخابات”.

وشدد غبيس على أنه ليس هناك خلاف على مبدأ عدم التطبيع مع النظام، ولكن الخلاف على بعض التفاصيل في هذا القانون، تتعلق بالعقوبات التي ستُفرض وتأثيراتها وكيفية التعامل مع التأثيرات الشديدة لتلك العقوبات، موضحًا أن تسلم ترامب للحكم لن يؤثر على تمرير القانون، ولكن الأمر مرتبط بمن سيقود لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ العام المقبل بعد تقاعد كاردين.

بدوره، قال معاذ مصطفى، إنه “رغم كل العراقيل والعقبات فإن القانون بخير، ونحن واثقون من تمريره سواء تسلم ترامب أو هاريس الحكم”، لافتًا إلى أن قانون “قيصر” جرى العمل عليه لخمس سنوات وفي النهاية تم إقراره، بينما قانون مناهضة التطبيع يجري العمل عليه منذ ثلاث سنوات، وسط مواصلة الجهود لإقراره سواء قبل الانتخابات أو في العام المقبل، مشيرًا إلى أن “تقاعد كاردين سيزيد فرصة تمرير القانون”.

من جهته، قال محمد غانم، إن “المفاوضات هي التي انهارت وليس القانون ككل، وفرصة إضافة مشروع القانون في ميزانية وزارة الدفاع فاتت بنسبة 95%، لذا أعلنا انهيار المفاوضات كي نكون صادقين أمام السوريين”، موضحًا أن كاردين لا يبدو أنه يريد تغيير رأيه، لكن “سنحاول مجددًا معه حتى نهاية العام”.

ولفت غانم إلى أنه إذا أصبحت الأغلبية لـ”الجمهوريين” في مجلس الشيوخ أو تسلم ترامب الرئاسة، ستزداد فرصة قبول القانون، والجالية السورية في أمريكا تواصلت مع حملة ترامب مرتين، لكن من الصعب التكهن بما سيفعله ترامب مع الأسد، لذا “سنركز خلال الفترة المقبلة على تمديد قانون قيصر الذي تنتهي صلاحيته نهاية العام، مع استمرار العمل على قانون مناهضة التطبيع، والتواصل مع من نرى أنهم مصادر القوة الحقيقية في أمريكا”.

ما مشروع قانون “مناهضة التطبيع”؟

مشروع قانون “مناهضة التطبيع مع الأسد” طُرح بداية بمجلس النواب في 11 من أيار 2023، حين صدّقت عليه لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب بالإجماع، بعد يومي عمل من تاريخ طرحه، بسرعة وُصفت بـ“الخارقة للعرف التشريعي”.

وفي 14 من شباط الماضي، أقر مجلس النواب الأمريكي مشروع القانون، حيث صوّت حينها 389 عضوًا (الغالبية الساحقة) في مجلس النواب من الحزبين، “الديمقراطي” و”الجمهوري”، لمصلحة القانون.

ونص مشروع القانون على أن الولايات المتحدة لن تعترف أو تطبّع العلاقات مع أي حكومة سورية تحت قيادة بشار الأسد، وستضع استراتيجية سنوية لمواجهة التطبيع مع النظام السوري، تستهدف الدول التي اتخذت خطوات للتطبيع معه.

مشروع القانون يشمل تعزيز العقوبات المنصوص عليها بموجب قانون “قيصر” لعام 2019، إضافة إلى توسيع العقوبات لتشمل الكيانات التي تحول المساعدات الإنسانية أو تصادر الممتلكات من السوريين لتحقيق الرفاهية أو تحقيق مكاسب شخصية، إلى جانب توسيع العقوبات لتشمل مجلس الشعب السوري وكبار مسؤولي حزب “البعث”.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة