ماذا يريد النظام السوري من تعديل سن دافعي البدل العسكري

زيارة رئيس الأركان لدى النظام السوري، عبد الكريم محمود إبراهيم، لمواقع قوات النظام في أرياف حماة وإدلب ودير الزور- 17 من حزيران 2024 (وزارة الدفاع/ فيس بوك)

camera iconزيارة رئيس الأركان لدى النظام السوري، عبد الكريم محمود إبراهيم، لمواقع قوات النظام في أرياف حماة وإدلب ودير الزور- 17 من حزيران 2024 (وزارة الدفاع/ فيس بوك)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – حسام المحمود

تتواصل منذ نحو عام مساعي النظام السوري لتغيير بنية المؤسسة العسكرية التي تأثرت على مدار نحو 13 عامًا من العمليات العسكرية، بالعدد والعتاد، إلى جانب دخول الشق العسكري في إطار المطالب العربية من النظام السوري بغية الوصول إلى حل سياسي في سوريا وفق منظور العرب.

خلال هذه الفترة، اتجه النظام لسن مجموعة من القوانين والمراسيم وإطلاق تصريحات وتعهدات بتغييرات في هذه المؤسسة التي انخرطت بالكامل في صراع ومواجهة مباشرة مع الشعب ومطالبه بالتغيير السياسي وإسقاط النظام في 2011، وطرد الوجود الأمني والرسمي للنظام من مساحات جغرافية واسعة استعاد كثيرًا منها بسطوة المدفعية وتدخل الحلفاء.

مطلع آب الحالي، أصدر رئيس النظام السوري، بشار الأسد، المرسوم التشريعي رقم “20”، القاضي بتعديل الفقرة “و” من المادة “26”، ضمن المرسوم التشريعي “30” لعام 2007، المتضمن قانون خدمة العلم، وجاء في ثلاث مواد، عدّلت الأولى سن من يحق لهم دفع بدل الخدمة العسكرية الاحتياطية، من سن 40 عامًا ليشمل كل من بلغ الـ38 عامًا.

كما أضاف المرسوم إمكانية دفع بدل نقدي قيمته ثلاثة آلاف دولار أمريكي إذا تبين بالفحص الطبي أن الشخص مشمول بعجز أدنى، أو عجز جزئي قادر على أداء الخدمة، بمعزل عن بلوغه أي سن.

وأعفى المرسوم من الخدمة الاحتياطية العسكريين المتطوعين لمدة عشر سنوات، وفق عقود التطوع (عقد مقاتل) التي جرى الإعلان عنها مؤخرًا.

الباحث في مركز “عمران للدراسات” محسن المصطفى، أوضح لعنب بلدي أن التعديلات التي حملها المرسوم لم تتناول سن الخدمة العسكرية الاحتياطية بذاته، بل تناولت الفقرة “و” التي سمحت لدافع البدل النقدي (ملتحق أو غير ملتحق) بدفع مبلغ 4800 دولار أمريكي أو ما يقابله بالليرة، وتخفيض مبلغ 200 دولار عن كل شهر خدمة يؤديها الملتحق.

والفقرة “و” كانت أضيفت بالمرسوم التشريعي “37” لعام 2023.

وفسّر الباحث إضافة المرسوم “20” إمكانية دفع بدل خدمة احتياط للأشخاص العاجزين (قيمته 3000 دولار) بأنه يتماشى مع توجه النظام حاليًا لإظهار نفسه بصورة من يقدم مزيدًا من “الرعاية” لأصحاب العجز من المواطنين، عبر السماح لهم بدفع بدل أقل من البدل الوارد في الفقرة “و” من المادة “26”، بالإضافة إلى توسيع الشريحة العمرية لمن يدفعون البدل، ما يعني جدوى مالية أكبر للنظام.

عقود تطوع

ظهرت عقود التطوع في الجيش، حين أعلنت وزارة الدفاع في حكومة النظام رغبتها بتعزيز الكادر البشري لديها عبر عقود تطوع “غنية بالحوافز” ومدتها محددة، ويلتحق بموجبها الفرد كصف ضابط.

وتضمن عقد التطوع فترتين للخدمة، خمس سنوات وعشر سنوات، ووصل راتب التطوع للفترتين إلى مليون و300 ألف ليرة سورية مع التعويضات (كل دولار يقابل 14800 حسب موقع الليرة اليوم، المتخصص بمتابعة أسعار الذهب والعملات الأجنبية)، بالإضافة إلى مكافآت، منها مكافأة بدء الخدمة ومكافأة سنوية ومنحة للزواج غير مستردة قيمتها مليونا ليرة.

وتترافق هذه التغيرات مع دخول قوات النظام في طور تهدئة نسبية غير معلنة رسميًا أفضى إليها تراجع وتيرة العمليات العسكرية على مستوى بعض المحافظات، والتركيز الحالي على استخدام المسيّرات والصواريخ لاستهداف مواقع في الشمال السوري، حيث تتجمع فصائل المعارضة السورية المسلحة، دون انخراط في عمليات قتالية مستمرة.

وأصدر النظام السوري جملة من القرارات تتعلق بعمل المؤسسة العسكرية وأوضاع أفرادها، إذ كشف مدير الإدارة العامة في وزارة الدفاع، أحمد سليمان، في لقاء مع قناة “الإخبارية السورية”، في 1 من كانون الأول 2023، أن هناك توجهًا لإنشاء “جيش محترف حديث ومتطور” بقرار من الأسد، إلى جانب توجه تدريجي لخفض مدة الخدمة الاحتياطية خلال السنوات المقبلة بغية الوصول إلى كتلة صلبة مستدامة في القوات المسلحة.

وصدرت، في 26 من حزيران الماضي، جملة قرارات عسكرية، يجري بموجبها تسريح من يتم خمس سنوات خدمة احتياطية في نهاية آب الحالي، وإجراء عملية تسريح مماثلة في نهاية تشرين الأول المقبل، قبل تسريح من يتم أربع سنوات ونصفًا من الخدمة الإلزامية نهاية العام، وتسريح من يتم أربع سنوات، نهاية شباط 2025.

ومن المفترض عبر هذه القرارات إجراء خمس عمليات تسريح خلال عام 2025، تنتهي في 31 من تشرين الأول في العام نفسه، وبموجبها يجري تسريح من يتم عامين من الخدمة الاحتياطية.

ما مغزى الخطوة؟

يفتح تخفيض سن من يمكنهم دفع البدل عن خدمة الاحتياط الباب أمام تساؤلات حول الغرض من هذه الخطوة، إذ يرى المحلل العسكري طارق حاج بكري، أن أول أسباب تخفيض سن من يمكنهم دفع بدل خدمة الاحتياط (توسيع الشريحة العمرية) يكمن في توقف المعارك التي تستهدف إسقاط النظام، بعد تحول “الفصائل الثورية” إلى “فصائل معارضة”، ما جعل النظام يطمئن مع وجود الضامنين بعدم التوجه لـ”تحرير” مدن تحت سيطرة النظام.

وبحسب مقال تحليلي في مركز “عمران للدراسات” للباحث محسن المصطفى، صدر في 6 من آب الحالي، بعنوان “الخدمة الاحتياطية في سوريا.. التحولات والأهداف“، فإن الخطة الخاصة بالخدمة الاحتياطية تأتي مدفوعة بمحاولة تخفيف الضغط عن الحوامل المجتمعية داخل مناطق سيطرة النظام، خاصة بعد موجات واسعة من الهجرة، تشكّل الخدمة الاحتياطية أحد مسبباتها، بمعزل عن بقية الأسباب الاقتصادية أو الاجتماعية الأخرى.

كما ترتبط الخطة، وفق المقال التحليلي، بنسبة الاستكمال البشري لقوات النظام، مع التحاق أعداد جديدة من المجندين، أو استبدال المسرحين بالمتطوعين الذين حاولت المؤسسة العسكرية استقطابهم من خلال عقود التطوع المعلن عنها سابقًا، والتي تسعى لسحب عناصر الميليشيات الموالية ودمجهم كأفراد، لا كتل بذاتها، ما يعني العمل على إنهاء الميليشيات عبر تجفيف موردها البشري، دون مساس بكينونة هذه الميليشيات حاليًا.

إلى جانب ذلك، تحقق مسألة البدل النقدي حالة “جباية” لمصلحة خزينة وزارة الدفاع، فالبدل عن الخدمة الاحتياطية وليد السنوات الأخيرة، وأصبح متاحًا في 2020 للمغتربين، وفي نهاية 2023 للمقيمين في سوريا وينطبق عليهم شرط العمر.

تغيير في السياق العسكري.. تجنّب ملفات أخرى

لم تنص المبادرة الأردنية المدفوعة عربيًا التي عاد بموجبها النظام السوري إلى محيطه العربي جزئيًا قبل أكثر من عام، بشكل مباشر، على إعادة هيكلة القوات العسكرية للنظام السوري.

وتتكون المبادرة الأردنية من ثلاث مراحل، قريبة ومتوسطة وبعيدة المدى، وتنص الثانية منها على إخراج القوات الإيرانية من سوريا، وتخفيض حضورها العسكري، وانسحاب الميليشيات وقوات “حزب الله” اللبناني، والانخراط في مصالحة مع المعارضة.

وشملت المبادرة في مرحلتها الثالثة، إعلان النظام عن إنهاء العمليات العسكرية المتعلقة بـ”النزاع المسلح”، باستثناء التدريب القتالي ضد جهات تحددها الأمم المتحدة.

بعض المطالب العربية الواردة في المبادرة لم تجد طريقًا للتنفيذ، وعلى العكس، تفاقمت أكثر، كملف تهريب المخدرات من الأراضي السورية إلى دول الجوار، وتحديدًا الأردن، بوابة سوريا البرية إلى دول الخليج، كما أن بعض الخطوات المتسارعة ضمن مسلسل يروج لتغييرات لا تلمس حياة الناس مباشرة، جاءت متعارضة مع المأمول والمرسوم للحل وفق المعيار الأممي والدولي (القرار 2254)، فأجرى النظام منتصف تموز الماضي انتخابات برلمانية في ظل تعطيل مستمر لمسار عمل اللجنة الدستورية التي يفترض أن تتوج أعمالها بدستور جديد ثم انتخابات جديدة تفضي إلى التغيير.

والحديث عن إعادة هيكلة المؤسسة الأمنية، الذي ظهر صراحة بداية العام الحالي، بشكل رسمي، لم يترجم على الأرض بما يخدم مصالح الناس، والقرارات الصادرة عن وزارة الداخلية في أيار الماضي (تناولت نصوصها الحرفية تغييرًا في سلوكيات المؤسسة بالتعامل جزئيًا مع بعض الحالات الأمنية والمدنية المتعلقة بالمواطنين في مناطق السيطرة تلك) لم تعترف بأكثر من 136 ألف معتقل في سجون النظام السوري، وفق تقديرات “الشبكة السورية لحقوق الإنسان”، إلى جانب استمرار الاعتقالات التي شملت 209 أشخاص في تموز الماضي، بينهم 14 طفلًا وثلاث سيدات.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة