د. أكرم خولاني
تمر مناطق متعددة من العالم العربي حاليًا بموجة شديدة الحرارة تكسرت معها بعض الأرقام القياسية، وأصبح من المؤكد أن هناك ارتفاعًا متزايدًا في درجة الاحترار العالمي، وقد تجاوزت ظاهرة الاحتباس الحراري 1.5 درجة مئوية خلال فترة 12 شهرًا (بين شباط 2023 وكانون الثاني 2024)، ويأتي ذلك بعد إعلان 2023 العام الأعلى حرارة في التاريخ، وتنجم عن موجات الحر الشديد مشكلات اقتصادية على رأسها الحرائق في الغابات والأحراج والأراضي الزراعية، التي تؤدي إلى تلف المحاصيل وتضرر الغطاء النباتي، كما يمكن أن تؤدي إلى آثار صحية سلبية على صحة الإنسان.
ما الآثار السلبية للحر الشديد على صحة الجسم
تكمن خطورة الموجات الحارة في أثرها المباشر في صحة الإنسان، وبشكل خاص بسبب اندماجها مع الرطوبة، فمع ارتفاع الرطوبة تكون درجات الحرارة أكثر تأثيرًا، وأهم الآثار السلبية:
- حروق الشمس: تحدث حروق الشمس نتيجة التعرض المفرط لأشعة الشمس فوق البنفسجية، وكلما تعرض الجسم لحروق الشمس زادت احتمالية إصابة الشخص بسرطان الجلد.
- التأثير على الأداء الذهني: قد يكون من الصعب التفكير بوضوح عندما يكون الجو حارًا جدًا، فالحرارة الشديدة يمكن أن تؤثر على الأداء العقلي وتتسبب بانخفاض الوظائف الإدراكية وارتفاع خطر الإصابة المهنية.
- التعرّق: عند ارتفاع درجة حرارة الطقس يقوم الجسم بضخ كميات أكبر من الدم إلى سطح الجلد، وذلك حتى يتم طرد حرارة الجسم الداخلية إلى السطح، وهو ما يؤدي إلى حدوث التعرق، ومع تبخر ذلك العرق تبدأ حرارة الجسم بالانخفاض مرة أخرى، ولرطوبة الجو دور مهم في تحديد كمية التعرق التي يفرزها الجسم، فإذا ما كانت معدلات الرطوبة مرتفعة في الجو، تكون قدرة الجسم على التعرق ضعيفة، وهو ما يجعل الشخص يشعر بالضجر والضيق، أما إذا ما كان الجو حارًا وجافًا فيمكن للتعرق أن يكون عاملًا مساعدًا على تخفيض حرارة الجسم.
- الجفاف: يمكن للشخص النشط أن يتعرق ما يصل إلى 10 ليترات من الماء يوميًا، وإذا لم يتم تعويض هذا الحجم فقد يؤدي ذلك إلى الجفاف، وقد يؤدي ذلك إلى توقف تدفق الدم إلى الجلد وتوقف التعرق، وفي هذه الحالة ترتفع درجة حرارة الجسم وقد تتعرض خلايا المخ لأضرار لا يمكن إصلاحها.
- ضعف الشهية: يتفاعل الجسم مع ارتفاع حرارة الجو بفقدان الشهية للطعام، لأنه لم يعد بحاجة إلى سعرات حرارية كثيرة.
- أمراض الرئة: يمكن أن يؤثر الطقس الحار على جودة الهواء، ما يجعل التنفس أكثر صعوبة، وعادة ما تكون درجات الحرارة المرتفعة مصحوبة بهواء ساكن يسمح للملوثات بالركود فيتكون الأوزون الأرضي، وهو غاز ضار يتكون عندما تتفاعل الملوثات المنبعثة من السيارات ومحطات الطاقة والمصادر الصناعية كيماويًا مع ضوء الشمس، والأوزون الأرضي، وهو أحد المكونات الرئيسة للضباب الدخاني، يمكن أن يقلل من وظائف الرئة، وهو عامل رئيس في الإصابة بالربو والوفيات.
- الإجهاد الحراري وضربة الشمس: إن التعرض المباشر لحرارة الشمس المرتفعة لفترة طويلة، أو البقاء في جو مرتفع الحرارة لأكثر من 40 درجة مئوية مع رطوبة عالية، قد يؤدي إلى فشل آلية تنظيم الحرارة في الجسم، فيتوقف تدفق الدم إلى الجلد، وهذا يؤدي إلى الشعور بالبرودة، كما يؤدي إلى عدم إفراز العرق الذي يبرد الجسم، وبالتالي ارتفاع درجة حرارة الجسم بسرعة، فإذا ما ارتفعت درجة حرارة الجسم ووصلت إلى 39-40 درجة مئوية، فإن الدماغ يرسل إشارات إلى العضلات حتى تبطئ من حركتها، وهو ما يجعل المرء يبدأ بالشعور بالإعياء، وإذا وصلت درجة حرارة الجسم إلى 40-41 درجة مئوية، فإنه يصاب بالإعياء الحراري، وتشمل أعراض الإجهاد الحراري الدوخة واضطرابات الرؤية والعطش الشديد والغثيان والخفقان والخدر، وإذا ما تجاوزت درجة حرارة الجسم الـ41 درجة يبدأ تأثر العمليات الكيماوية داخل الجسم، وتحدث ضربة الشمس، حيث يحدث فشل في عمل الأجهزة الحيوية كالقلب والرئتين والكبد والكليتين والعضلات والدماغ، وقد تحدث الوفاة في حال عدم العلاج.
ما أعراض وعلامات الإصابة بضربة الشمس
قد تتطور الأعراض خلال ساعات، فيلاحظ عند المصاب ارتفاع حاد بدرجة حرارة جسمه (40 درجة مئوية أو أعلى)، وعدم تعرق، فيكون الجلد حارًا وجافًا عند لمسه ومائلًا للاحمرار (في ضربة الشمس الناجمة عن ممارسة التمارين الرياضية الشاقة في الجو الحار قد يكون الجلد رطبًا)، مع صداع، ودوار، وغثيان، وإقياء، وزيادة سرعة التنفس، وتسارع ضربات القلب، وارتفاع ضغط الدم في البداية ثم انخفاضه في المراحل المتقدمة، وعندها يحدث إعياء شديد، وهلوسة، وصعوبة الكلام، وعدم فهم ما يقوله الآخرون، وأخيرًا قد يحدث إغماء وتضيق حدقات العينين وتشنج العضلات، وقد تؤدي الحالات الخطيرة وغير المعالجة إلى الوفاة.
وعادة ما تتطور الحالة وفق التسلسل المذكور، لكن من الممكن أن تبدأ الإصابة بسقوط مفاجئ مع فقدان للوعي وسرعة وعمق في التنفس، بالإضافة إلى باقي الأعراض التي ذكرناها.
وهناك بعض العوامل التي تزيد من احتمال الإصابة بضربة الشمس، أهمها:
- طرفا العمر، كبار السن أو صغار السن جدًا.
- بعض الظروف المعيشية، كسوء التهوية في المنزل، وارتفاع الرطوبة، والعمل في أجواء حارة ومغلقة.
- بذل الجهد في الطقس الحار، كالعمل الشاق أو ممارسة كرة القدم أو أي رياضة لساعات طويلة في الطقس الحار.
- بعض التصرفات الخاطئة، كالتعرض المفاجئ للطقس الحار، ووضع الزيوت والمواد الحافظة على الجلد ما يمنع التعرق، ولبس الملابس الضيقة وغير الصحية.
- بعض الظروف الصحية، كالبدانة، مرض القلب، ارتفاع ضغط الدم، أمراض الجلد والكلى والكبد، استخدام بعض الأدوية مثل مدرات البول وحبوب الحساسية (مضادات الهيستامين) والمهدئات ومضادات الاكتئاب والمنشطات كالأمفيتامين والكوكائين.
كيف يمكن الوقاية من تأثير الحر الشديد
بشكل عام، للوقاية من تأثير الحر الشديد على الجسم ينصح بما يلي:
- تجنب التعرض، وخاصة من قبل الأطفال، لأشعة الشمس لفترات طويلة ومتواصلة، والبقاء قدر الإمكان في الأماكن المظللة وجيدة التهوية.
- الحرص والاهتمام بشرب السوائل بمختلف أنواعها، ويفضل المياه والعصائر الطازجة والفواكه والخضار والمثلجات بأنواعها لتبريد الجسم.
- ارتداء ملابس خفيفة فضفاضة فاتحة اللون، ولا يتعلق الأمر فقط بكمية الملابس، بل يتعلق أيضًا بنوعيتها، فالأقمشة الخفيفة والفضفاضة التي تمتص الحرارة مثل القطن، وذات الألوان الفاتحة التي تعكس أشعة الشمس، هي الأفضل.
- ارتداء القبعات عريضة الحواف التي تقلل من تأثير أشعة الشمس على الرأس.
- استخدام واقٍ شمسي إن أمكن، وينصح بوضعه قبل نحو 30 دقيقة من الخروج من المنزل.
- تخفيف الملابس للأطفال عند الخروج إلى الأماكن غير المكيفة، وتغطية الجسد في الأماكن الباردة حتى لا يتعرضوا لانخفاض مفاجئ لحرارة الجسم.
- الحرص على عدم ترك الطفل داخل السيارة لوحده حتى لا يتعرض للضرر الذي قد يؤدي إلى الوفاة نتيجة احتباس الهواء الساخن داخلها.
- تجنب ممارسة الأنشطة الرياضية في الطقس الحار، وإنما ممارسة التمارين في الصباح الباكر أو في المساء، مع الحفاظ على شرب كمية كافية من السوائل (مياه أو أي مشروب آخر) قبل التمرين بساعتين، وقبل التمارين مباشرة، وكذلك في أثناء التمرين يجب شرب كميات من المياه كل 20 دقيقة حتى لو لم تشعر بالعطش.
- الإقلال من شرب الكافيين، فقد يرفع درجة حرارة الجسم وقد لا يكون هذا جيدًا عند الشعور بالحر، ولا يقتصر وجود الكافيين على القهوة فقط، بل إنه موجود أيضًا في الشوكولا والشاي والمشروبات الغازية والمشروبات الرياضية والكثير من الأدوية.
- اختيار أغطية السرير المناسبة، فالقطن والكتان هما المفضلان للسماح بدخول كمية كافية من الهواء إلى الجسم في أثناء النوم والحفاظ على البرودة وامتصاص العرق، بينما لن تحافظ الأقمشة المخلوطة بالبوليستر مع القطن على البرودة.
وفي حال إحساس الشخص بأعراض تشير إلى احتمال الإصابة بـ”ضربة شمس” يجب اتخاذ تدابير فورية، كالذهاب إلى مكان مكيف أو مظلل، ورش الجسم بالماء البارد، وشرب السوائل غير السكرية أو الحاوية على الكحول أو الكافيين، مع الانتباه إلى تجنب السوائل شديدة البرودة، وبهذا يمكن منع تطور الحالة.