خطيب بدلة
أرسل إليّ أحد الأصدقاء رسالة. قال: أنت تدعو السوريين، بإلحاح منقطع النظير، لأن يفعلوا أي شيء في سبيل إنقاذ ما يمكن إنقاذه من سوريا، وإعادة ما تيسر من اللاجئين السوريين إلى ديارهم، ولكن، غاب عنك أمر مهم للغاية، هو أن حل المشكلات يجب أن يخضع لمنطق الأولوية، ونحن لدينا قضية أولى من هذه بكثير.
سألته، باهتمام شديد، عن هذه القضية، فقال: دعنا ننتهي، أولًا، من قضية الخلاف بين معاوية وعلي، ونتابع التحقيق في مقتل الحسين، وملابسات معركة الجمل، وبعدها أبشر، نحل القضية السورية!
الجانب التهكمي، الفكاهي، الموجع، في هذه “التكويعة”، دفعني للتفكير بأننا، نحن السوريين، لسنا ضحية تلك الصراعات العبثية الموغلة في عمق التاريخ وحسب، بل إننا نعيش، اليوم، في قلب صراع شرس بين مشروعين استعماريين استيطانيين، هما: الإسرائيلي والإيراني، وسبب وقوع هذا الصراع على أرضنا، أننا لا نمتلك مشروعًا حضاريًا خاصًا بنا. نحن منقسمون قوميًا، ودينيًا، وعشائريًا، ومذهبيًا، وحتى ضمن المذهب الواحد، كأهل السنّة مثلًا، تجد الإخواني، والسلفي الجهادي، والشحروري، والمعتدل، والمتصوف، وكلهم مختلفون فيما بينهم، متخاصمون.
لدينا، كذلك، مستويان متناقضان من الفهم، أولهما المستوى الدويريّ (نسبة للمحلل العسكري فايز الدويري) الذي يلح علينا بالقول بأننا منتصرون، وأن إسرائيل منهكة، ومهزومة، وأنها، الآن تنسحب، بل تولي هاربة، ومقاتلو “القسام” يتتبعون فلولها باتجاه تل أبيب، وسوف يستمرون بالمطاردة حتى يحرروا فلسطين من الماء إلى الماء! وثانيهما، المستوى الواقعي، حيث نرى، بأمهات أعيننا، القسم الأكبر من مباني قطاع غزة مهدمة، وثمة إحصائيات مرعبة عن مقتل عشرات الألوف من المواطنين، إضافة إلى جيش عرمرم من المصابين، والمشوهين، والمفقودين، وأما الباقون على قيد الحياة، فيعانون من نقص في أبسط متطلبات الحياة.
الحديث عن انتصارات حماس “الدويرية”، وهزيمة إسرائيل، لا يعدو كونه نقطة في بحر التنبؤ بزوال إسرائيل، فقد أصدر الشيخ بسام الجرار، في سنة 2000، كتابًا تنبأ فيه بزوالها سنة 2022، والشيخ أحمد ياسين، مؤسس حركة “حماس”، تنبأ، في مقابلة مع “الجزيرة” (أحمد منصور)، بأن الزوال سيكون في سنة 2027. والغريب في الأمر، المضحك، أننا، الآن، في منتصف ذينك التاريخين، ونرى إسرائيل في أقصى درجات قوتها، بل إنها تعربد، وتحارب مثل أخطبوط بعشرات الأذرع، فخلال حربها المستمرة في غزة، لم تتوقف عن ضرب مواقع إيران و”حزب الله”، في جنوبي لبنان، والضاحية الجنوبية من بيروت، وعلى امتداد الجغرافيا السورية، المزة، والسيدة زينب، ومطاري دمشق وحلب، ولا تسلم المناطق البعيدة عن العاصمة، كاللاذقية، وبانياس، وحلب، ودير الزور، من هذه الغارات، بل إن إسرائيل المعربدة تجاوزت الأصول الدبلوماسية، فضربت السفارة الإيرانية بدمشق، وطال أحد أذرعها عاصمة إيران، وقتل رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” في مكان إقامته، مع مرافقه.
المصيبة الكبرى، الداهية، أن الأشخاص الذين يتبنون هذه النبوءات الخنفشارية ليسوا دائمًا من عامة الناس، وكثيرًا ما يصادفنا شخص مُتَفَيْقِه يقول، بثقة: أنا لست مع الجرار، ولا الياسين، ولكن صدقوني، إسرائيل إلى زوال!