عنب بلدي – يامن المغربي
بحثًا عن حياة أفضل وأكثر أمانًا، لجأ مئات الآلاف من السوريين إلى الدول الأوروبية خلال السنوات الماضية، ووفق ما تشير إليه الأرقام الأوروبية، اندمجت شريحة واسعة منهم في سوق العمل والمجتمعات الجديدة، وكوّنت صداقات ضمن المجتمعات المحلية، متجاوزة العوائق المرتبطة باختلاف الثقافة واللغة والتعرف إلى تفاصيل المجتمع الجديد.
تتميز أوروبا بطقس بارد وشتاء طويل، وتهطل الأمطار بغزارة في الصيف، لا في السويد والدول الاسكندنافية فحسب، بل كذلك في ألمانيا وفرنسا وغيرهما من البلاد، وهي مشكلة لا حل لها بالنسبة لمن جاء من مناطق دافئة تسطع فيها الشمس حتى في الشتاء البارد، وينعكس تأثيرها على الصحة النفسية ولاحقًا الجسدية.
“من أكبر المشكلات التي أواجهها خلال معيشتي اليومية في السويد هي الطقس، لم أتأقلم معه رغم مرور تسع سنوات على وصولي إلى هذه البلاد”، قالت خصال البارودي لعنب بلدي.
خصال (28 عامًا)، طالبة اللغة العربية باختصاص دراسات الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في جامعة “استوكهولم”، فتاة بين آلاف السوريين ممن لجؤوا إلى أوروبا خلال سنوات الحرب، بعد اندلاع الثورة عام 2011، بحثًا عن حياة أفضل.
وبعد صعوبات عدة تتعلق باللغة والاندماج، أنجزت خصال خطوات كبيرة في بناء حياتها الجديدة، إلا أن الطقس بقي العامل الأبرز الذي يجعلها غير قادرة على التأقلم مع الحياة في أقصى شمال القارة الأوروبية.
“الأيام رمادية”
ترى خصال بأن الطقس يجبر الإنسان على البقاء في بيته لوقت أطول مع الهطول الغزير للمطر والثلج، والهواء العاصف والبرد، وهي عوامل قاسية على أي شخص، فكيف إن كان على من كبر بمكان لا تغيب فيه الشمس حتى في الشتاء، “75% من الأيام هنا رمادية اللون”، قالت الفتاة.
تشعر خصال بثقل عندما يكون اليوم كلّه رمادي اللون، ويصبح أصعب من البرد والثلج مع غياب الشمس وراء طبقات عدة من الغيوم، ومع مرور تسع سنوات على وصولها إلى السويد، لم تنجح بالاعتياد على الطقس ولا التأقلم معه، لذا تعيش حالة عزلة شتوية مع شعور بالإرهاق وغياب الرغبة لإنجاز المهام اليومية الاعتيادية من طبخ وتنظيف ودراسة، مع انعدام الطاقة الاجتماعية والنوم لساعات طويلة والاستعانة بحبوب فيتامين “د”.
من الطرف المقابل، تسطع الشمس في بعض أيام الصيف بالسويد لـ22 ساعة، وهو ما يجعل النوم أصعب، وفق خصال، ورغم ذلك تقضي يومها في الطبيعة ومخالطة الناس، في محاولة لامتصاص أكبر قدر ممكن من الشمس لمواجهة الشتاء المقبل.
وفي دراسة نشرتها “المكتبة الوطنية للطب“ الأمريكية، في 2018، حول تباين الحالة المزاجية والسلوك بسبب مدى التعرض لأشعة الشمس، فإن للتعرض لضوء الشمس تأثيرًا واضحًا على الحالة النفسية للإنسان، إذ يمكن ملاحظة اختلاف واضح في الحالة المزاجية بين سكان السويد وبريطانيا لمصلحة الثانية، وتصبح أكثر توازنًا في السعودية والأرجنتين.
ووفق الدراسة، هناك علاقة سلبية بين الإضاءة ودرجة الاكتئاب الذي يصيب الإنسان أو اضطراب المزاج اليومي، وهناك تأثير محتمل لاختلاف الفترة الضوئية التي يتعرض لها الشخص، وكذلك توجد علاقة إيجابية بين مدة التعرض للضوء الساطع والمزاج الإيجابي والتفاعل الاجتماعي.
والتعرض للضوء الساطع بدرجة فوق المتوسطة يعني سلوكيات إيجابية أكثر وتقبلًا أكثر وشجارات أقل، ويؤدي كذلك إلى تقييمات أكثر إيجابية لجودة الحياة وأداء اجتماعي وعاطفي أفضل، بحسب الدراسة.
تأثيرات طبية لنقص فيتامين “د”
ليس بعيدًا عن خصال، يعيش رامي في السويد أيضًا منذ 2014، وعمل في عدة مهن مختلفة، وهو في العقد الرابع من عمره، ورغم كل ما نجح بتحقيقه في مجاله المهني، والاندماج واللغة، فإنه فشل في التعامل مع طقس السويد.
“الطقس هو أسوأ الأمور الموجودة في السويد”، قال رامي، مشيرًا إلى تأثيره السلبي على السويديين أنفسهم، فكيف على القادمين من مناطق دافئة.
وتابع أن حالته النفسية تصبح أسوأ في غياب الشمس وشتاء الليل الطويل والمطر اليومي والثلج، في ظل حياة اجتماعية شبه معدومة.
وأضاف أنه وفي المرحلة الأولى لوصوله عانى من حالة نفسية سيئة مع سوريين آخرين دون معرفة السبب المباشر لذلك، رافقها تراجع في حالته الجسدية، وكان قيامه من سريره “كمن يكسر الأحجار بيديه فقط ودون أدوات”، ومهما كانت مدة النوم، مع خمول وتعب شديد.
اضطر رامي لإجراء تحاليل طبية، وعرف أن لديه نقصًا في فيتامين “د”، ومع حصوله عليه عبر الحبوب الطبية، تحسنت ظروفه النفسية ومزاجه العام، ثم نجح بالتخلص من الاكتئاب.
وفق استشاري الصحة النفسية محمد أبو هلال، تحمل تغيرات الطقس والبيئة تأثيرها على جسد الإنسان وقضاياه النفسية، وأبرز هذه التأثيرات ما يتعلق بالشمس والحصول على فيتامين “د”.
وأوضح لعنب بلدي أن قلة تعرض الشخص للشمس تضعف التركيز أو تسبب الاكتئاب.
هناك علاقة بين الطقس والساعة البيولوجية للإنسان، بناء على دورة الليل والنهار وعندما تكون متقلبة وساعات النهار طويلة للغاية أو قصيرة للغاية يتأثر كذلك.
وأضاف أبو هلال أن قلة التعرض للشمس لمن يسكن في القارة الأوروبية تزيد في حالات الاكتئاب الفصلي في الخريف والشتاء أيضًا.
“حتى في الصيف، تظهر الشمس ليوم واحد ثم يهطل المطر لعشرة أيام”، قال رامي، مضيفًا، “الشمس تغيب في الساعة العاشرة مساء، والسوريون بدؤوا بالاعتياد والمعرفة، وعرفوا الحلول، لكن غياب الحالة الاجتماعية والإغلاق المبكر للمحال يلعب دوره أيضًا، “خاصة إن كان الشخص وحيدًا ودون عائلته”.
يبذل السوريون جهودًا مضاعفة لدى وصولهم إلى البلاد الأوروبية لتعلم اللغة والاندماج والعمل، “ما يعني البدء من تحت الصفر وفوقه نقص فيتامين د”، أضاف رامي.
مناج الرحبي، عامل في شركة كهرباء بألمانيا التي وصلها منذ 2015، قال لعنب بلدي، إنه يلاحظ مدى تأثير الطقس على الحالة المزاجية للسوريين المحيطين به، وتحديدًا خلال العام الحالي، الذي شهد هطول أمطار غزيرة خلال شهري أيار وحزيران الماضيين.
وأضاف، “لا نرى الشمس كثيرًا”، ورغم أنه ليس من محبي الصيف ولم يتأثر بتغير الطقس كثيرًا، فإن التأثير موجود على حياة الناس وتحديدًا في الجانب النفسي، خاصة للقادمين الجدد، إذ يلعب الطقس دورًا في انعزالهم وعدم خروجهم من المنزل، وخاصة الموجودين في مدن صغيرة ينتهي فيها اليوم مبكرًا، قال مناج.
حلول طبية لتحسين الصحة النفسية
غياب الشمس لا يعني عدم وجود حلول بديلة وإن كانت مؤقتة، وأشار استشاري الطب النفسي محمد أبو هلال إلى مجموعة من الحلول الممكن اتباعها.
وقال الاستشاري لعنب بلدي، إن على الإنسان التكيف مع أماكن إقامته الجديدة، وأن يحاول التعرض للشمس قدر الإمكان، وهناك أيضًا إضاءة خاصة تستخدم لعلاج الاكتئاب الموسمي، تساعد على العلاج.
كما ينصح أبو هلال بالغذاء الصحي وممارسة الرياضة بشكل دائم لأنها تساعد على التخلص من الاكتئاب، وتعوض التأثيرات الأخرى، وفي حال شعر الإنسان أنه غير قادر على التأقلم فعليه التواصل مع أطباء بتخصصات نفسية وداخلية، وفق الأثر الموجود عليه للبحث عن حلول محددة، أو تغيير سكنه إلى مكان ملائم أكثر.