جراء التعذيب الجسدي والنفسي
ناجون من الاعتقال محرومون من الزواج بسبب الضعف الجنسي
عنب بلدي – هاني كرزي
“مالك نصيب عنا”، عبارة من ثلاث كلمات تكاد تصيب غزوان بالجنون، بعدما سمعها أكثر من خمس مرات من ذوي الفتيات اللواتي تقدم لخطبتهن، بسبب إخبارهم بإصابته بعجز جنسي خلال فترة اعتقاله، ليكون واحدًا من بين كثير من المعتقلين الذين حُرموا من الزواج بسبب تعرضهم للتعذيب الجنسي والنفسي في سجون الأسد.
انتهج النظام السوري سياسة التعذيب الجنسي بحق المعتقلين من رجال ونساء وأطفال منذ بداية الثورة السورية، وفق ما ذكرته منظمة “هيومن رايتس ووتش” في تقرير لها، مشيرة إلى أن التعذيب الجنسي شمل الاغتصاب وإيلاج أجسام صلبة في مؤخرات المعتقلين، والتحسس الجنسي، والصدمات الكهربائية وتوجيه الضربات للأعضاء التناسلية.
“رح نقطع نسلكن”
غزوان (28 سنة) من سكان مدينة إدلب، اعتُقل عام 2014 من قبل عناصر “الأمن العسكري” خلال وجوده في مكان عمله بشارع “الجلاء”، ليتنقل بين عدة فروع أمنية ذاق خلالها أشد أنواع التعذيب، إلى أن أطلق سراحه عام 2021.
غزوان الذي يعمل في محل صيانة هواتف محمولة، لا ينسى كل لحظة قضاها في المعتقلات، ولا سيما في فرع “فلسطين”، “أذكر كيف كان السجّان يقوم بتعليقي من يدي لساعات، وفي إحدى المرات تركني واقفًا لمدة ثلاثة أيام”، يصف شعوره بالآلام الناتجة عن التعذيب وقتها، “الدماء تكاد تنفجر في قدمي من شدة الألم بسبب الوقوف المتواصل”.
لم يقتصر الأمر على الوقوف لساعات، ويستذكر غزوان وضعه على كرسي وصعقه بالكهرباء وسط جسده، “أذكر جيدًا حين كان المحقق يركلني على عضوي الذكري، وهو يقول لي (رح نقطع نسلكن النجس)”.
التعذيب الجنسي المستمر في المعتقلات، سبّب لغزوان آلامًا شديدة في الخصية، لكن شوقه لطفلته وزوجته كان يجعله يتحمل شدة العذاب على أمل أن يخرج من المعتقل ويلتقي بهما مجددًا، وبالفعل أطلق سراحه في أيلول 2021، بعدما قضى سبع سنوات في المعتقلات.
فرحة غزوان بالعودة لعائلته لم تكتمل، بعدما دبّت خلافات بينه وبين زوجته، التي تفاجأت أن زوجها الذي انتظرته لسنوات وتحملت مرارة فقدانه، يعاني من مشكلات جنسية لم تكن موجودة لديه قبل اعتقاله.
قال غزوان، “حين اقتربت مني زوجتي شعرت أني لا أمتلك الرغبة الجنسية لمجامعتها، رغم كل سنوات الغياب، كما لاحظت معاناتي من مشكلات في الانتصاب، ما أثار حالة من القلق لدي”.
راجع غزوان طبيبًا مختصًا وشرح له الأعراض التي شعر بها، وبعد الكشف السريري وإجراء التحاليل، أخبره أنه يعاني من الدوالي في الخصية اليسرى.
حين سأل غزوان الطبيب عن السبب، أخبره أن وقوفه الطويل خلال فترة اعتقاله، والضرب الذي تلقاه على عضوه التناسلي، تسبّبا له بتلك المشكلة.
وما زاد صدمته أكثر حين قال له الطبيب، إن مشكلة دوالي الخصية لديه وصلت إلى مراحل متطورة، بسبب عدم علاجها مبكرًا، وإنها ستسبب له صعوبة في الإنجاب مجددًا.
صدمة زوجة غزوان التي كانت بجانبه في العيادة أكبر من صدمة زوجها، فهي كانت متشوقة لإنجاب طفل آخر ليكون أخًا لطفلتها، وبعد ثلاثة أشهر بدأت الخلافات تتفاقم بين غزوان وزوجته التي لم تعد قادرة على الاستمرار في العلاقة، ولا سيما أن العلاج الذي استخدمه لم يعطِ أي نتيجة، إذ ظل يعاني من الضعف والبرود الجنسي، عدا عن المشكلة الكبرى وهي العقم، كما قال.
طلبت زوجة غزوان الطلاق وتركت المنزل مع ابنتها وانتقلت للعيش مع أهلها، مع تعهدها بالسماح له برؤية طفلته كل أسبوع.
“مالك نصيب عنا”
بعد مضي سنة على انفصال غزوان عن زوجته، طلب من عمته البحث له عن زوجة، ولاسيما أنه بلا أبوين، فوالده قُتل بقصف للنظام على أريحا بريف إدلب، خلال زيارته أحد أقاربه، ووالدته توفيت بسكتة قلبية.
عثرت “أم صبحي” عمة غزوان على فتاة للخطبة، وذهبا معًا لرؤيتها وطلبها، ووفق التقاليد قام غزوان بالتعريف عن نفسه وعمله وعائلته، وخلال سياق الحديث أخبر والد الفتاة أنه كان معتقلًا لسبع سنوات، وأنه تعرض لمشكلة جنسية بسبب التعذيب في المعتقلات، سببت له العجز الجنسي والعقم.
قال غزوان لعنب بلدي، “حين سمع والد الفتاة عبارة العجز الجنسي تغيّرت ملامحه، ثم قال لي (مالك نصيب عنا)”، دون أن يدخل إلى الغرفة لسؤال ابنته، أو حتى أن يسمح لها بالدخول وتقديم القهوة كما جرت العادة.
أضاف غزوان، “خرجت أنا وعمتي مكسوري الخاطر، ونحن في طريق العودة قالت لي لماذا لا تخفي مشكلة العجز الجنسي لديك”، لكنه برر لها بأن هذا الأمر لا يمكن إخفاؤه، “فحتى لو كذبت على الفتاة وتزوجتها، سأكون قد خدعتها وفي الغالب ستطلب الطلاق بعد فترة وجيزة”.
تقدم غزوان لخطبة خمس فتيات، وجميعهن رفضن الزواج منه، أربع منهن رفضن الفكرة فورًا، بينما وافقت الخامسة، لكن بعد شهرين من الخطبة وبضغط كبير من أمها قررت فسخ الخطبة.
مخاطر التعذيب النفسي
مقابل حالة غزوان الذي أصيب بالعجز الجنسي بسبب التعذيب الجسدي في المعتقلات، هناك معتقلون سابقون أصيبوا بمشكلات جنسية رغم عدم تعرضهم للضرب بشكل مباشر على أعضائهم التناسلية، وهو ما حصل مع أسامة الذي اعتُقل لثلاث سنوات، وبعد خروجه تفاجأ أنه أصيب بالبرود الجنسي.
أسامة (27 سنة) لاجئ سوري في اسطنبول، اعتُقل في الفرع “215” بدمشق بسبب تقرير أمني كُتب ضده في الجامعة، وخلال فترة اعتقاله عاش ظروفًا نفسية صعبة، حيث بقي لعام كامل في زنزانة إفرادية، “كان التعذيب النفسي الذي تعرضت له أصعب بأضعاف من التعذيب الجسدي”، قال الشاب.
أضاف أسامة لعنب بلدي، “أصعب شعور حين يأتي لعندك السجان ويقول لك (جهز حالك بعد ربع ساعة)”، هذه الفترة القصيرة من الانتظار هي أصعب لحظات العذاب النفسي التي كان يتعمد السجانون تطبيقها على المعتقلين، “عدا عن تعذيب معتقلين آخرين بجانب باب زنزانتي، حتى إنني سمعت أن هناك معتقلين قُطّعت أعضاؤهم الذكرية”.
“صحيح أني خرجت من المعتقل لكن المعتقل لم يخرج مني”، قال أسامة، فأصوات عذابات المعتقلين يسمعها دومًا في كوابيس الليل، فلا تذهب من مخيلته مشاهد “السجّان الذي كان يقتلع عيون أحد المعتقلين بمفك ويثقب رقبته وصدره بمثقب كهربائي، ثم يسأله المحقق بجانبه: (فطس ولا لسا؟!)”.
والأقسى من ذلك أن أسامة أصيب بالبرود الجنسي، حيث شعر بانخفاض الشهوة الجنسية، وأصبح لديه ضعف في الانتصاب، بسبب التعذيب النفسي الذي عاشه في المعتقل، ما جعله يعزف عن فكرة الزواج.
ويرى الاستشاري النفسي باسل نمرة، أن المعتقل عندما يكتشف أنه أصيب بمشكلات جنسية، يتعرض لصدمة نفسية، لأنه يعتقد أنه فقد رجولته، ويصبح لديه إحساس بالعار، وهذا الشعور يجعله يصاب بالاكتئاب والإحباط وفقدان الثقة بالنفس، ويبدأ بالإحساس أن حياته لم يعد لها معنى، خاصة إذا أصبح محرومًا من الزواج، ما يدفعه إلى التفكير بالانتحار.
ويعتبر العلاج النفسي إلى جانب العضوي مهمًا جدًا، فالجلسات النفسية تسهم في التخفيف من آثار التعذيب النفسي التي تعرض لها المعتقلون، وإعادة بناء شخصيتهم، علمًا أن العلاج النفسي للعجز الجنسي صعب وقد يحتاج إلى مدة طويلة، لكن إذا كان العلاج وفق برامج مدروسة وبشكل علمي دقيق، فإنه يحقق نتائج جيدة، تساعد الشخص على التخلص من مشكلاته الجنسية، وفق ما قاله نمرة لعنب بلدي.
أربع مشكلات جنسية بسبب الاعتقال
الاختصاصي في الأمراض البولية الطبيب جابر كيالي، تحدث لعنب بلدي عن أسباب المشكلات الجنسية التي أصابت الشبان الذين كانوا معتقلين في سجون الأسد.
وقال كيالي، إن هناك أربع مشكلات جنسية شائعة تصيب المعتقلين، أولاها العجز الجنسي، وهو عدم القدرة على القيام بعلاقة جنسية كاملة، بسبب عدم وجود رغبة جنسية أو عدم القدرة الكلية على انتصاب القضيب، كما يشمل العجز ضعف الحيوانات المنوية لدى الشخص، ما يسبب له عدم القدرة على الإنجاب.
المشكلة الثانية هي الضعف الجنسي، التي تعني عدم قدرة الرجل على الحفاظ على انتصاب القضيب، وهنا يكون الشخص راغبًا في العلاقة الجنسية لكنه لا يستطيع إكمالها.
المشكلة الثالثة هي البرود الجنسي، أي انعدام أو نقص رغبة الرجل بالعلاقة الجنسية، بمعنى أنه لا يُقبل بأي شكل على العلاقة الحميمية.
أما المشكلة الجنسية الرابعة فهي دوالي الخصية، التي تؤدي إلى تورم وألم في الخصية، وفي مراحل متقدمة قد تتسبب في ضعف الانتصاب وربما العقم.
وأشار الطبيب إلى أن التعذيب في المعتقلات يمكن أن يسبب تلك المشكلات الجنسية السابقة لعدة أسباب، أبرزها الضرب المباشر على القضيب أو الخصيتين، ما يؤدي إلى انخفاض هرمون التستوستيرون نتيجة قلة التروية الدموية في القضيب أو الخصيتين، وبالتالي فإن انخفاض هذا الهرمون يتسبب في تراجع مستوى الشهوة الجنسية، وصعوبة الانتصاب وقلة إنتاج السائل المنوي.
وأوضح أن تغيّر نمط الحياة في المعتقلات والبيئة غير الصحية والوقوف لساعات طويلة، والإصابة بالتهابات مزمنة ناجمة عن الرطوبة والبرد الشديدين، كلها عوامل تتسبب في مشكلات جنسية للمعتقلين، إضافة إلى أن الحالة النفسية التي يمر بها المعتقل، تعتبر من العوامل المهمة التي تؤدي إلى مشكلات جنسية.
مضت أربع سنوات على خروج غزوان من المعتقل، لكن العذابات ما زالت تلاحقه، فالإصابة الجنسية التي تعرض لها أبعدته عن زوجته وطفلته، وحرمته من الزواج مجددًا، وما زاد مصاب غزوان أنه وقع بين نارين، فإن أخفى مشكلته الجنسية على من يود خطبتها سيكون قد خدعها، وإن صارحها منذ البداية فقد لا تقبل الزواج منه كما حصل معه سابقًا.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :