عنب بلدي – جنى العيسى
في 7 من تموز الماضي، أعلن مدير “المؤسسة العامة السورية للحبوب”، سامي هليل، عن خطة مشتركة بين النظام السوري وروسيا تهدف إلى إعادة ترميم وبناء العديد من المطاحن والصوامع المدمرة في سوريا.
تشمل الخطة نقل التكنولوجيا الروسية اللازمة لخطوط التشغيل والإنتاج في الصوامع والمطاحن السورية، ووفق هذه الخطة، من المقرر وضع مطحنة “تلكلخ” بريف حمص التي أعادت روسيا بناءها بالخدمة في آب الحالي، وتعد من أكبر المطاحن في سوريا، إذ ستنتج نحو 600 طن يوميًا من الدقيق، وذلك ضمن المرحلة التجريبية.
تهدف هذه الخطة، وفق مدير “المؤسسة العامة للحبوب”، إلى زيادة إنتاج الدقيق وتغطية حاجة البلد من المادة، وتوفير أجور نقل وشحن الدقيق بين المحافظات.
رغم أن الاهتمام الروسي بقطاع المطاحن والصوامع بدأ منذ 2016، فإن الخطة الجديدة تثير التساؤلات حول الأهداف الروسية من ذلك في ظل تأمين حكومة النظام السوري حاجتها من القمح من روسيا عبر طرق مختلفة.
إلى جانب روسيا، تنشط الاتفاقيات الإيرانية مع النظام السوري حول إعادة تأهيل أو بناء صوامع ومطاحن أيضًا، ما قد يشير إلى أن هذا القطاع يشهد تنافس الطرفين مثل العديد من القطاعات الأخرى أيضًا، وهو ما يعيده خبيران إلى عوامل تتعلق بالحفاظ على بقاء النظام لا بالمصالح الاقتصادية.
القمح روسي أيضًا
منذ سنوات، وبعد انخفاض إنتاج القمح محليًا لمستويات لا تكفي حاجة البلاد، تؤمّن حكومة النظام القمح من روسيا بطرق وأساليب متعددة، منها عبر اتفاقيات ثنائية نادرًا ما يتم الكشف عن أجزاء من تفاصيلها، أو عبر مناقصات تطرحها “المؤسسة العامة للحبوب” في سوريا لشراء القمح، أو ما ترسله روسيا من كميات وتسميه “مساعدات”، أو “سرقة” موسكو للقمح الأوكراني وإرسال قسم منه إلى سوريا، وفق ما كشفت عنه جهات رسمية أوكرانية ووكالات أنباء، رغم نفي النظام لذلك.
اقرأ أيضًا: حكومة النظام تضحّي بالقمح السوري
المحلل السياسي السوري المختص بالشأن الروسي محمود الحمزة، قال لعنب بلدي، إن الاهتمام الروسي بقطاع المطاحن والصوامع في سوريا يرتبط بشكل مباشر بمساعدة النظام السوري بتأمين الخبز، كونه من الاحتياجات الغذائية الأساسية.
وعلى اعتبار أن روسيا من أكبر منتجي القمح في العالم، يرجح أنها تسعى لفوائد مادية من هذا القطاع، فهنا العلاقة تفيد النظام وتفيد روسيا على حد سواء، وفق ما يرى الحمزة.
وأشار المحلل إلى أن روسيا تعيش اليوم ظروفًا اقتصادية صعبة في ظل العقوبات الغربية، كما استنزفت الحرب على أوكرانيا من طاقاتها، رغم ذلك تتمتع بإنتاج عالٍ لمادة القمح، ما يجعل تصدير المادة والتجارة بها يعود بالفائدة الاقتصادية الكبيرة عليها.
“تشارك” لا تنافس
منذ عام 2013، وقّع النظام السوري مع إيران العديد من الاتفاقيات فيما يتعلق بإعادة تأهيل أو بناء العديد من المطاحن في سوريا.
في عام 2020، اتفق الجانبان السوري والإيراني مع شركة “أردما شين” الإيرانية على تنفيذ خمس مطاحن في سوريا، بتكلفة 13 مليون يورو للمطحنة الواحدة.
المحلل السياسي السوري المختص بالشأن الروسي محمود الحمزة، لا يرى أن هناك تنافسًا إيرانيًا- روسيًا، كون إيران لا تصدّر الحبوب وهي ليست من الدول الكبيرة المنتجة للحبوب في العالم.
من جهته، يرى الباحث المتخصص بالشأن الإيراني ضياء قدور، أن التأثير الروسي في ملف المطاحن أكبر من الإيراني كون القمح يأتي من روسيا، مشيرًا إلى عدم وجود محاولة جدية من طهران للاستثمار في قطاع المطاحن على نطاق واسع.
ويتفق قدور مع المحلل محمود الحمزة على أن القضية هنا بين روسيا وإيران لا تنافسية بل تشاركية، هدفها سلامة النظام وبقاؤه، كونه هدفًا إيرانيًا- روسيًا مشتركًا، وفق ما قاله لعنب بلدي، معتبرًا أن ملف القمح يؤثر على سلامة النظام ويحرك البيئات الموالية والحاضنة، واللعب في هذه الساحة أمر خطير، وفق وصفه.
ووفق دراسة صادرة عن مركز “جسور للدراسات“، وقّع النظام مع إيران بين عامي 2011 و2024 ما لا يقل عن 126 اتفاقية في مختلف القطاعات، مثل الطاقة والتجارة والصحة والتعليم والزراعة والصناعة والاتصالات والتمويل وغيرها.
وتشير الدراسة إلى أنه جرى تنفيذ أغلب الاتفاقيات الصغيرة، مثل اتفاقية بين الشركة العامة للمطاحن وشركة “سفير نور جنات” الإيرانية لتوريد 50 ألف طن من الدقيق، وهذا القسم من الاتفاقيات الذي يمكن وصفه بالاستثمارات الرابحة، التي دفعت إيران نحو تفعيلها خلال السنوات الماضية، منها في قطاعات التأمين والمطاحن والزراعة والصوامع والحبوب.
نقطة عبور عبر “المتوسط”
الدكتور في العلوم المالية والمصرفية فراس شعبو، قال لعنب بلدي، إن ملف القمح في سوريا يشكل اليوم معضلة حقيقية بالنسبة للنظام، كونه فعليًا فقد المخزون الاستراتيجي من المادة، وفقد الأماكن التي تنتج هذا المخزون بكثافة في شمال شرقي وشمال غربي سوريا، وبالتالي أصبح عاجزًا عن تأمين الاحتياج الأساسي من متطلبات الشعب السوري من القمح، ما دفعه نحو تجار محليين أو حتى حلفائه كروسيا.
ولفت شعبو إلى أن روسيا من أوائل الدول المنتجة والمصدّرة للقمح، وسوريا هي جزء من السوق التي تستهلك المادة، رغم أنها ليست سوقًا ضخمة قياسًا ببقية الدول، ومن هذا الباب يحاول الروس السيطرة على مفاصل الاقتصاد السوري إلى جانب إيران أيضًا.
واعتبر شعبو أن الحالة بين روسيا وإيران في ملف القمح يمكن وصفها بـ”التحاصص” بين الطرفين، كما يجري في قطاعات سورية أخرى كالفوسفات وغيرها في إطار عملية تشابك أيضًا بين حليفي النظام.
وفسر الباحث رغبة روسيا بالاستثمار في قطاع المطاحن والصوامع بنية مستقبلية لتكوين نقطة انطلاق في سوريا لتصدير القمح عبر المياه الدافئة في البحر الأبيض المتوسط، وإيجاد نقطة عبور أخرى للمنتجات الروسية نحو أوروبا أو القارة الإفريقية من خلال الأراضي السورية.