سوق ضعيفة ومنع تصدير

حرفة النحاسيات تواجه الاندثار في إدلب

أواني نحاسية معروضة في محل تجاري بمدينة الدانا شمالي إدلب- تموز 2023 (عنب بلدي/ عبد الكريم الثلجي)

camera iconأواني نحاسية معروضة في محل تجاري بمدينة الدانا شمالي إدلب- تموز 2023 (عنب بلدي/ عبد الكريم الثلجي)

tag icon ع ع ع

إدلب – أنس الخولي

تعد حرفة زخرفة النحاس من أهم الحرف التقليدية التي ترتبط بالتراث السوري، وكانت تعج أسواق النحاسيات في دمشق أو حلب قديمًا بالتحف الفنية النحاسية التي تأسر الناظرين، وتعتبر مقصدًا للسياح الذين يحرصون على العودة إلى بلادهم مصطحبين إحدى تلك القطع للذكرى.

حرفة زخرفة ودق النحاس شأنها شأن بقية الحرف التقليدية العريقة التراثية، تعاني اليوم مشكلات وصعوبات عدة تهدد باندثارها، وغياب تشجيع الحرفيين الذين باتوا لا يجنون من هذه الحرف قوت يومهم، ما أجبرهم على البحث عن أعمال أخرى.

ومع تهجير كثير من السوريين إلى مدينة إدلب، عانى حرفيو هذه المهنة من صعوبات أبعدتهم عن مزاولتها، وحرمتهم من متابعة العمل بمهنة الآباء والأجداد.

عمر عبد الله (36 عامًا)، وهو مهجر من دمشق يقيم في إدلب، قال لعنب بلدي، إن قصة حب وشغف جمعته مع حرفة شرقيات النحاس منذ ما يزيد على 25 عامًا، إذ تعرف إليها في شارع “الأصمعي” بحي جوبر الدمشقي، فأحبها وعكف على تعلم فنونها والعمل بها، لكن الحرب الدائرة في سوريا، وتحديدًا في منطقة جوبر، أدت إلى إغلاق ورشات العمل بهذه الحرفة.

بعد تهجير عمر إلى الشمال السوري عام 2018، حاول العودة للحرفة التي يحبها، لكنه صُدم بواقع قاسٍ، إذ تحتاج الحرفة إلى رأس مال كبير لشراء مواد أولية وإنتاج بعض القطع التي تعرض لحين بيعها، وغياب أسواق التصريف المحلية والخارجية، لذلك لم يعد يعمل بها.

أسواق محلية فقيرة

بعد أن كانت بيوت السوريين لا تخلو من الأواني النحاسية والقطع الفنية التراثية لتزيين البيوت، بات اقتناء هذه المنتجات نوعًا من الرفاهية المفرطة، خاصة مع تدهور الأوضاع الاقتصادية للمواطنين الذين يقبع أكثر من 90% منهم تحت خط الفقر.

قال الحرفي عمر عبد الله، إنه كان ينتج العديد من القطع الفنية كالسيوف والتروس و”الشمعدانات”، ومختلف الأواني المنزلية، لكن سكان الشمال السوري لم يعتادوا اقتناء شيء من النحاسيات سوى الدلة والمنقل، وحتى هذه القطع أصبحت من “الأنتيكات” التي لا يقتنيها سوى قلة قليلة في المجتمع.

أما المهجرون الذين يحبون اقتناء مختلف قطع شرقيات النحاسيات، فظروف التهجير وأوضاعهم المعيشية القاسية حالت دون مجرد تفكير أحدهم باقتناء مثل هذه القطع، وفق الحرفي عمر.

من جانبه، تساءل الحرفي ماهر عبيد (45 عامًا)، المهجر من دمشق، كيف يمكن لمواطن لا يجد مأوى لأطفاله ولا قوت يومه اقتناء قطع تراثية نحاسية، مشيرًا إلى أن أثمان هذه القطع ليست في متناول الناس، وليست لديهم رفاهية اقتنائها.

وتبدأ أسعار النحاسيات حسب نوعها ودقة صنعها، فالطبق النحاسي يبدأ من 15 دولارًا أمريكيًا (نحو 225 ألف ليرة سورية) ويصل إلى 40 دولارًا، أما بقية التحف كالسيوف، فيبدأ سعرها من 200 دولار ويرتفع بحسب ما يضاف إليها من قطع ذهبية ومجوهرات.

ويسكن شمال غربي سوريا 5.1 مليون شخص، منهم 4.2 مليون بحاجة إلى مساعدة، و3.4 مليون منهم يعانون انعدام الأمن الغذائي، 3.4 مليون منهم نازحون داخليًا، ومليونان يعيشون في المخيمات، وفق الأمم المتحدة، في حين تتحدث إحصائيات محلية عن 5.5 إلى 6 ملايين شخص.

من يمنع التصدير

كان حرفيو شرقيات النحاس في سوريا يعتمدون بشكل رئيس على السياح وتصدير منتجاتهم إلى دول الخليج العربي، التي يتباهى مواطنوها باقتناء قطع شرقيات النحاس، وخصوصًا السيوف والتروس والمناقل النحاسية.

اليوم، لا يستطيع الحرفيون في الشمال السوري تصدير بضائعهم ومنتجاتهم إلى الدول المجاورة، دون معرفة أسباب منعهم من التصدير أو الجهة التي تحول دون تصدير بضائعهم.

بعض الحرفيين ذكروا لعنب بلدي أن الجانب التركي يمنع تصدير مثل هذه الصناعات اليدوية لحماية صناعاته المحلية، ومنع منافسة البضائع السورية للبضائع التركية.

الحرفي عمر قال إن الحرف كانت تدر سابقًا أرباحًا كبيرة، لاعتماد الحرفيين على تسويق بضائعهم في الأسواق التراثية كسوق “الحميدية” الذي يقصده العديد من السياح والتجار، ويطلبون كميات كبيرة من القطع لتصديرها لدول الخليج العربي وتركيا.

ولفت الحرفي إلى محاولات العديد من الحرفين تصدير بضاعتهم عبر تركيا، لكن جميع المحاولات باءت بالفشل، ما أجبر الحرفيين على البحث عن مهن أخرى يوفرون من خلالها قوت أطفالهم.

وأوضح الحرفي ماهر عبيد أن واقع الحرفيين سيئ للغاية، لأن إغلاق أبواب تصدير المنتجات في وجههم أجبرهم على ترك حرفهم، مشيرًا إلى أنه لا يعرف أي حرفي من حرفيي شرقيات النحاس ما زال يعمل في حرفته.

وأشار الحرفي ماهر إلى أن توقف الحرفيين عن ممارسة الحرفة سيؤدي إلى اندثارها وعدم تناقلها عبر الأجيال، مطالبًا الجهات الحكومية والمنظمات الإنسانية ببذل مزيد من الجهود لضمان بقاء هذه الحرفة، ومساعدة الحرفيين في إيجاد أسواق خارجية لتصريف البضائع.

ويقيم في شمالي غربي سوريا العديد من حرفيي المنتجات التقليدية المرتبطة بالتراث السوري، كشرقيات النحاس والموزاييك والزجاج المعشق والصابون الحلبي والعجمي، وهؤلاء أجبروا على التوقف عن ممارسة حرفهم، بسبب انعدام أسواق التصريف، وعدم تمكنهم من تصدير بضائعهم إلى الدول المجاورة.

ويهدد استمرار استنزاف الحرفيين بانقراض هذه الحرف التراثية ما لم تسعَ الجهات الداعمة وحكومات الأمر الواقع للنظر والاهتمام بهذا القطاع، وإيجاد حلول تضمن على الأقل بقاء وتناقل الحرف التي ارتبطت بتاريخ السوريين عبر الزمن، وفق حرفيين قابلتهم عنب بلدي.

نجاح

شكرًا لك! تم إرسال توصيتك بنجاح.

خطأ

حدث خطأ أثناء تقديم توصيتك. يرجى المحاولة مرة أخرى.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة