يشتد الحصار وتزداد الضغوط على ماجد القاطن في مخيم الركبان، على الحدود السورية- الأردنية، شيئًا فشيئًا، ما جعله يستغني عن كثير من الأساسيات في الحياة اليومية، فضلًا عن الكماليات.
قال ماجد لعنب بلدي إنه بسبب الحصار الذي تفرضه قوات النظام والميليشيات الإيرانية والأموال التي تأخذها للسماح بعبور المواد الغذائية ارتفعت الأسعار تواليًا.
واستغنى ماجد بشكل كلي عن الفاكهة هذا العام، وبات يقتصد في شراء الخضار، فيشتري ما يكفي لطبخة واحدة تطعم أفراد عائلته.
ويصل سعر كيلو أنواع الخضار المتوافرة في المخيم وسطيًا 17 ألف ليرة سورية (1.15 دولار أمريكي)، بينما يصل سعر كيلو الفاكهة إلى 50 ألف ليرة (3.4 دولار).
أما أسعار بقية المواد الغذائية الأساسية فهي أيضًا خارج استطاعة ماجد، كالسكر الذي يصل سعر الكيلو منه إلى 22 ألف ليرة (1.4 دولار)، والأرز القصير بـ23 ألف ليرة (1.5).
الأدوية أيضًا تنفد شيئًا فشيئًا، وصار معظمها مفقودًا في ظل غلاء في الأسعار، بحسب ما قاله عامل في إحدى صيدليات المخيم لعنب بلدي.
ويواجه قاطنو المخيم كوارث وأزمات متتالية، أبرزها النقص الحاد في مياه الشرب، وقلة فرص العمل، والتشديد على دخول المساعدات والمواد، أبرزها الطحين.
بينما تتراجع الحالة الطبية في النقطتين الموجودتين بالمخيم، اللتين تفتقران لمعدات العمليات الجراحية.
عائدون إلى مناطق سيطرة النظام
سوء الأوضاع يدفع بعض قاطني المخيم إلى مغادرته نحو مناطق سيطرة النظام، وهو ما يعرض حياتهم للخطر حتى لو أجروا “تسوية” لأوضاعهم.
وتبالغ وسائل إعلام النظام أو الوسائل المقربة منه في أعداد العائدين من المخيم، ففي آخر دفعة، خرج تسعة مدنيين (خمسة رجال وأربعة أطفال)، بحسب ما ذكرته وكالة “تاس” الروسية، في 4 من آب الحالي.
بينما قالت إذاعة “شام إف إم” المحلية، إن عدد الذين خرجوا 30 شخصًا، “نتيجة تردي الأوضاع الإنسانية والأحوال المعيشية في المخيم”.
محمد الخالدي عضو الهيئة السياسية في المخيم حاليًا، قال لعنب بلدي، إن الخارجين من المخيم هم أشخاص ساءت أحوالهم الصحية لعدم توافر كوادر طبية ومعدات والبعض بحاجة لعمل جراحي.
وأشار إلى أن من يعود لمناطق سيطرة النظام هم بالأساس هربوا سابقًا من “تنظيم الدولة” ولا يوجد بحقهم تقارير أمنية، لذلك هم يخضعون لـ”تسوية” أمنية ويعودون إلى مدنهم وقراهم.
التحالف يعين لجنة مدنية
حل المجلس المحلي في الركبان نفسه، في شهر أيار الماضي، وشكل ناشطون في المخيم “الهيئة السياسية لمخيم الركبان” كبديل سياسي يخاطب المنظمات الإنسانية والتحالف الدولي لإنقاذ سكان المخيم.
وقال الخالدي إن حل المجلس كان خطوة لتشكيل “الهيئة السياسية” وللفت أنظار التحالف الدولي لأحوال المخيم.
والمجلس غير مدعوم ماليًا وهو بحالة شلل تام، إذ لا يمكنه تقديم الخدمات للسكان، ورغم مطالبة إدارة التحالف لأكثر من مرة بدعم المجلس، لم يحظَ بأي دعم لمدة خمس سنوات، بحسب الخالدي.
وفي حزيران الماضي، شكل التحالف الدولي مجلسًا مدنيًا مؤلف من 11 شخصًا كبديل عن المجلس المحلي المنحل.
بسام أبو صبحي، مدير المجلس، أوضح لعنب بلدي، أن مهمة المجلس حاليًا التنسيق مع المنظمات الدولية لتقديم المساعدات وتنظيم عملها داخل المجلس.
إهمال
يطالب سكان المخيم بفتح ممر آمن لهم للخروج باتجاه شمال غربي أو شمال شرقي سوريا، كما فشلت مساعي وجهود سكان المخيم في إقناع الأردن بفتح نقاط طبية ودخول مساعدات أممية.
وأوضح الخالدي أن المخيم مهمل من قبل قوات التحالف، إذ تتراجع فيه مقومات الحياة، وتغيب عنه فرص للعمل، مع قلة بالمساعدات الغذائية التي دخلت مؤخرًا للمخيم.
سفيرة الولايات المتحدة الأمريكية في مجلس الأمن الدولي، ليندا توماس، اتهمت النظام السوري، في حزيران الماضي، بإثارة أزمة إنسانية في “الركبان” وعرقلة جهود الأمم المتحدة الإنسانية في المخيم.
وذلك بمنع النظام السوري، الأمم المتحدة من الوصول لآلاف المدنيين في المخيم، الأمر الذي تركهم على حافة الكارثة، وأصبحت الإمدادات الغذائية والطبية نادرة.
في حزيران الماضي، نجحت “المنظمة السورية للطوارئ” (SETF) بإدخال فريق طبي متعدد التخصصات إلى مخيم “الركبان”، في إطار مبادرتها الإنسانية “الواحة السورية”، التي أطلقها في حزيران 2023، لتخفيف معاناة قاطني المخيم.
واستطاعت “المنظمة السورية للطوارئ” منذ بدء عملية “الواحة السورية” إدخال شحنات حيوية إلى الركبان، كالبذور وأدوات الري ومستلزمات طبية متنوعة، من الحليب وفيتامينات ما قبل الولادة إلى المواد التعليمية.
ونقلت المساعدات والأفراد عبر “الفضاء المتاح” في الطائرات العسكرية الأمريكية.
أُقيم مخيم “الركبان” عام 2014، لإيواء عشرات آلاف السوريين الفارين من مناطق مختلفة في محافظات الرقة ودير الزور وريف حمص الشرقي، كانوا يحاولون العبور إلى الأردن، إثر سيطرة تنظيم “الدولة الإسلامية” على مساحات غير قليلة شرقي سوريا حينها.
وبعد أن كان المخيم حلًا مؤقتًا، أصبح مركزًا إقامة دائم بعد إغلاق الأردن حدودها بشكل كامل في شباط 2020، واعتبارها المخيم شأن داخلي سوري، وتزامن ذلك مع تخل أممي عن السكان.