على خلفية أحداث 30 حزيران 

 مغادرة 3 آلاف عامل سوري تغلق 15 مصنعًا بقيصري

أحد مصانع النسيج في مدينة قيصري "kayseriolay.com"

camera iconأحد مصانع النسيج في مدينة قيصري "kayseriolay.com"

tag icon ع ع ع

منصة مارس التدريبية – آلاء ناشد

في 30 من حزيران الماضي، شهدت مدينة قيصري التركية احتجاجات واسعة وحالة من التوتر والغضب، تخللتها أعمال شغب واعتداءات على ممتلكات تعود للسوريين.

جاءت هذه الأحداث على خلفية إشاعة تتعلق باتهام شاب سوري بالتحرش بطفلة تركية، مما أثار غضب الأهالي.

أقدمت بعدها مجموعات من الأتراك بالإعتداء على اللاجئين السوريين المقيمين في مدينة قيصري ، وإحراق ممتلكاتهم، وتدمير سياراتهم في الشوارع، مطلقين شعارات تطالب بترحيل جميع السوريين.

أثارت هذه الأحداث الخوف بين أوساط السوريين وجعلت الغالبية تفكر في مغادرة تركيا، وهو ما أثر على المصالح الاقتصادية، حيث يعمل الكثير من اللاجئين السوريين في مصانع المدينة.

مغادرة 3000 سوري تغلق 15 مصنعاً

في 22 من تموز الماضي ، ذكرت صحيفة “يني شفق” التركية بأن نحو ثلاثة آلاف سوري غادروا المنطقة الصناعية في مدينة قيصري عائدين إلى سوريا بعد الأحداث الأخيرة.

وذكرت الصحفية بأن الإنتاج توقف في المنطقة بعد إغلاق 15 مصنعاً، ما أثار قلق أصحاب المعامل من مغادرة المزيد من العمال السوريين، الذين يشكلون العمود الفقري للصناعة هناك.

وذكرت الصحيفة أن 10% من أصل 30 ألف عامل سوري تركوا المدينة، ما يبرز أهمية السوريين في الوظائف التي لا يفضل الأتراك العمل فيها.

وقال رجال أعمال للصحيفة، إنه في حال استمرار مغادرة السوريين ، قد يلجأ أصحاب المعامل إلى توظيف عمال من دول أخرى مثل الهند وإيران.
وأشارت الصحيفة  إلى انزعاج رجال الأعمال الأتراك واللاجئين السوريين على حد سواء، إذ يلعب العمال السوريون  دورًا مهمًا جدًا في الوظائف التي لا يرغب العمال الأتراك بالعمل فيها.

لماذا يفضل الأتراك العمال السوريين

يفضل أصحاب المصانع في تركيا وبالأخص في قيصري، توظيف العمال السوريين لعدة أسباب منها انخفاض تكاليف أجورهم، إذ يعملون برواتب متدنية وبدون تأمين صحي بسبب ظروف الحرب والحاجة، بحسب صحيفة “يني شفق”.

ووفق توصيف رجال أعمال أتراك، يُعرف عن العمال السوريين الاجتهاد والتفاني في العمل، بالإضافة إلى امتلاكهم مهارات متخصصة تلبي احتياجات صناعية معينة، ويظهرون مرونة في ساعات وظروف العمل، وهو ما يحتاجه البعض في بيئات العمل الصعبة.

تعد مدينة قيصري واحدة من أبرز المراكز الصناعية في تركيا، حيث تحتوي على عدد من المصانع التي تساهم بشكل كبير في الاقتصاد المحلي .
وحسب مديرية التجارة التابعة للولاية، فإن عدد المصانع في قيصري بلغ 10087 معملاً موزعة على مجالات مختلفة منها النسيج، والصناعات الغذائية، والصناعات المعدنية، كما  تتميز مدينة قيصري بصناعة الأثاث بشكل خاص.
أما بالنسبة للسوريين المقيمين في قيصري، وحسب بيانات وزارة الداخلية التركية لعام 2024، فقد بلغ عدد اللاجئين السوريين المقيمين حوالي 81685 شخصاً.
و بعد عمليات البحث عن أعداد السوريين العاملين في المدينة تبين بأنه لا توجد أرقام معلنة في مجال الصناعة في الولاية.

تداعيات على السوريين و المصانع

أطلقت الحكومة التركية ومنظمات المجتمع المدني مبادرات لتهدئة الأوضاع بعد أحداث قيصري الأخيرة، التي تسببت في حالة من الهلع بين العمال والموظفين.

إثر هذه الأحداث العنصرية وأعمال الشغب ضد اللاجئين السوريين، بدأ العديد منهم يفكر في مغادرة تركيا بحثاً عن الأمان .

ووفقاُ لصحفية “تركيا” عاد حوالي 100 ألف سوري إلى سوريا خلال شهري حزيران وتموز من العام الحالي، بالتزامن مع خطوات التطبيع بين أنقرة ودمشق.

وأفادت صحيفة “يني شفق” أن العديد من المصانع في قيصري قد أغلقت أبوابها نتيجة للأحداث العنصرية التي طالت اللاجئين والتزم السوريون منازلهم خلال الأسبوع الأول عقب الاعتداءات، بينما شهد الأسبوع الثاني تعطل معظم الشركات العامة بالمنطقة الصناعية، في حين ساعد أصحاب بعض الشركات السوريين القلقين بالذهاب إلى العمل عبر نقلهم بسياراتهم الخاصة لمتابعة العمل، وفق “يني شفق”.
تتعدى عواقب إغلاق المصانع الأبعاد الاقتصادية لتطال الجوانب النفسية والاجتماعية.

التحديات الاقتصادية الناتجة عن فقدان فرص العمل تسببت في زيادة معدلات القلق والاكتئاب بين اللاجئين الذين يشعرون بالعزلة وعدم الانتماء، مما يفاقم من صعوبة التكيف مع الظروف الجديدة.
حاولت عنب بلدي التواصل مع عدد من المتضررين السوريين جراء أعمال الشغب ممن فقدوا ممتلكاتهم، وحسب شهادة لاجئة سورية في مدينة قيصري طلبت عدم ذكر اسمها لأسباب أمنية، فإن الاعتداءات التي طالتها مثل عدد كبير من السوريين تسببت بصدمة لهم.

السيدة، التي فضلت التعريف عن نفسها بلقب “أم عمر”، ذكرت أن الغالبية اليوم تغادر إلى سوريا هربًا من الخطر والعنصرية التي قد تطالهم وتطال أسرهم.

وقالت السيدة، التي طالت الاعتداءات ممتلكات تخص عائلتها بينها محلّ تجاري، إن الحكومة وعدت بتعويض المتضررين وحمايتهم، لكن شيئًا من ذلك لم يحصل، ما دفع قسمًا منهم لاتخاذ قرار العودة خشية على حياتهم وحياة أطفالهم.

 آثار مستقبلية

شكلت الأحداث الأخيرة نقطة تحول في ملف اللاجئين في تركيا عموماً، فمع ازدياد مخاوفها من تأثيرات مستقبلية بعد أحداث قيصري، تسعى  الحكومة التركية جاهدة الى السيطرة على الملف، ومن أهم الآثار التي يمكن أن تتفاقم مستقبلاً، الآثار الاقتصادية المحتملة عبر هجرة رؤوس الأموال.

وكشف اتحاد غرف الصناعة والتجارة والبورصات التركية “توب” عن انخفاض عدد الشركات السورية المسجّلة خلال النصف الأول من عام 2024 بمقدار3 مرات، مقارنة بنفس الفترة من العام السابق.

وذكرت وسائل إعلام تركية، أن “اتحاد الغرف” رصد وفق تقرير له، وجود 37 شركة جديدة برأس مال سوري مسجلة في تركيا في الفترة ما بين مطلع كانون الثاني ونهاية حزيران من العام 2024، وهذا الرقم أقل بثلاث مرات مما كان عليه في نفس الفترة من عام 2023.

الباحث الأول في مركز عمران والخبير الاقتصادي، د سنان حتاحت، ذكر في حديث لعنب بلدي، أن تبعات الحملة الإعلامية والعنصرية ضد السوريين في تركيا لا تقتصر على طبقة العمال فقط، بل تمتد لتؤثر بشكل كبير على أصحاب المصانع السوريين الذين يعتمدون بشكل أساسي على العمالة السورية في صناعتهم وإنتاجهم.

وذكر حتاحت أن هؤلاء يواجهون تأثيرات سلبية كبيرة من خطاب الكراهية، في وقت تبحث فيه رؤوس الأموال دائماً عن بيئة مستقرة قانونياً ومالياً، ما يدفعهم إلى التوجه نحو  بيئات أخرى أكثر استقراراً وترحيباً وأقل خطراً.

هذا الوضع يؤدي إلى آثار سلبية مضاعفة، إذ يزيد من الأعباء على الدولة التركية والمجتمع المحلي في التعامل مع تبعات إغلاق هذه الشركات، وفقدان فرص العمل للسوريين والأتراك على حد سواء.

 

مع تزايد التوترات والممارسات العنصرية ضد العمال السوريين، تجد المصانع صعوبة متزايدة في الحفاظ على عملياتها الإنتاجية

د. سنان حتاحت – باحث أول في مركز عمران وخبير اقتصادي

هذا الفقدان لا يضر فقط بالأفراد والعائلات، بحسب حتاحت، بل يقوض البيئة الاستثمارية في تركيا، ما يهدد استقرارها الاقتصادي ويضعف قدرتها على جذب الاستثمارات الأجنبية في المستقبل.
ومن الآثار المستقبلية أيضاً نقص اليد العاملة، إذ يؤدي نقص اليد العاملة في مدينة قيصري إلى إغلاق العديد من المصانع، ما يسهم بشكل مباشر في ارتفاع معدلات البطالة.

ومع تزايد التوترات والممارسات العنصرية ضد العمال السوريين، تجد المصانع صعوبة متزايدة في الحفاظ على عملياتها الإنتاجية.

ويرى حتاحت، أن من تأثيرات العنصرية وإغلاق المصانع بسبب نقص العمالة،  تراجع الإنفاق المحلي وازدياد التكلفة على المصانع مع عدم توافر اليد العاملة بشكل كبير، ما يؤثر على الأعمال التجارية والخدمات المحلية، ويزيد من انخفاض الإيرادات المحلية وتضرر  الاقتصاد التركي.

المعارضة تنفي

النائب عن “حزب الجيد”، ديرسون أتاش، نفى في حديثه خلال جلسة للبرلمان التركي الأنباء التي تفيد بإغلاق مصانع في قيصري بسبب مغادرة العمال الأجانب.

ونقل موقع “kayserigundem” عن أتاش قوله، إن هذه التصريحات تهدف إلى خلق انطباع بأن المدينة تعتمد على الأجانب.

وأكد أتاش أن قيصري التي تضم 3 مناطق صناعية منظمة وتصدر حوالي 4 مليارات دولار، لا تزال واحدة من أهم المدن الصناعية في تركيا، وطالب من يروجون لهذه الادعاءات بإثبات صحة ما يقولون.

تتجاوز تأثيرات الأحداث العنصرية في قيصري حدود القضايا الاجتماعية لتصل إلى الاقتصاد المحلي، فمع وجود أكثر من 3 ملايين لاجئ سوري في تركي، قد يشكل نقص اليد العاملة نتيجة مغادرة السوريين تهديداً لعدد كبير من المصانع، مما يؤدي إلى ارتفاع معدلات البطالة وتراجع الاستثمارات.

هذه الأوضاع تساهم في هجرة رؤوس الأموال وتعرض استقرار الاقتصاد التركي للخطر. يتطلب الوضع استجابة عاجلة من الحكومة لضمان استقرار السوق وحماية المصالح الاقتصادية والاجتماعية لجميع الأطراف.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة